تعبير عن الريف والمدينة

كتابة:
تعبير عن الريف والمدينة

من خضرة الريف إلى دخان المدينة

الريف والمدينة وجهان لحياة مختلفة، إنهما أخوان ولد كلٌمنهما في زمنٍ مختلف، وفي كلّ مكانٍ من هذه الأماكن عالم آخر مسكون بالكثير من الأحداث والأسرار، فالريف بما فيه من خضرة رائعة ووادعة وجمال طبيعي أخاذ، قد يتفوق أحيانًا على المدينة التي لا تخلو من الدخان المؤذي للجسم، ويعيق التنفس الطبيعي.

الريف بهوائه النقي وأشجاره الخضراء الكثيفة وحقوله الشاسعة المزروعة بالورد والريحان، وتفوح من بيوته روائح خبز الطابون والزيت والزعتر، لا يعترف بصخب المدينة وضوضائها الذي لا ينتهي، ودخان المركبات الملوث بالمواد الكيميائية.

خضرة الريف تغري العين بالنظر والبقاء، أمّا المدينة غارقة بالإسفلت والأبنية التي تجعل العين معتادة على اللونين الأسود والرمادي، والريف مهد الألوان الطبيعية الخلابة التي تظهر في الثمار والورود وتمازج التربة في الحقول ولون السماء الصافية الزرقاء كأنه لوحة مرسومة بإبداع.

أما دخان المدينة فإنه يفسد مشهد الصفاء بتراكمه في الأجواء وحجبه لأضواء القمر والنجوم، لكن لا يمكن إنكار حقيقة أنّ هذا المشهد يدلّ على الحياة بكلّ ما فيها من تطور سريع لم يصل الريف كما وصل المدينة.

الريف والمدينة بعيون أهاليها

تبدو المقارنة بين الريف والمدينة مقارنة صعبة جدًا، خاصة إذا كانت هذه المقارنة بعيون أهل الريف وأهل المدينة، فأنا كشخص يعيش في الريف أدرك جيدًا أنني لا أتحمل أن أستيقظ من نومي وأزيح ستارة النافذة ولا أرى من حولي البساتين الخضراء المفعمة بالجمال والروعة، وألّا أستمع لزقزقة العصافير وهديل الحمام وأنا أجلس على شرفة بيتي، وأشمّ عبير الأزهار القريبة.

الريف يمنحني شعورًا رائعًا بالأمان والاستقرار والفرح الدائم، ويجعلني أشعر بروح الطبيعة التي تسكنني بكلّ ما فيها كما لو أنني في الجنة، العيش في الريف تُسيّرني بين السهول الخضراء والأشجار وأتنفس عبير الصباح وأراقب الصعافير والفراشات، وأجلس قرب حقول الورد النديّ وأتأمل بها بكل هدوء رائق دون أن يزعجني ضجيج سيارات المدن ودخانها الملوث الذي يسبب لي الفزع.

أفكر دومًا كيف أنّ المدينة مليئة بالأضواء المبهرة والبنايات الشامخة التي تجعلني أعشق السكن في الطوابق العليا، ويكفي أنّ كلّ شيءٍ فيها منظم ومرتب ترتيبًا رائعًا بتخطيطٍ هندسي متقن، وفيها مستوى عالٍ من الرفاهية التي تمنحني أجنحة للتحليق.

المدينة مسكونة بالحداثة والتطوّر، ومليئة بفرص العمل التي تتيح أمامي الكثير من الخيارات التي قد تكون غائبة أثناء وجودي في الريف، وكأن المدينة تفتح لي أبوابًا من فرص العمل تكاد تكون مغلقة في الريف، وأستطيع أن ألمس الفرق الشاسع في مجالات العمل المختلفة بين الريف والمدينة.

المدينة تتيح لي إظهار مواهبي بشكلٍ أكبر وتطويرها وتستخرج من أعماقي طاقات كامنة، فالمدينة ترعى المواهب كما لو أنها العرّاب الحقيقي لها، ففيها النوادي الثقافية والرياضية والفنية ومراكز التدريب على الفنون.

في المدينة أستطيع أن أصنع الفرص وأقتحمها، وأن أتعرف إلى أشخاص كُثر جاؤوا من بيئات كثيرة مختلفة، على عكس معيشتي في الريف التي تفرض عليّ نوعًا معينًا من العلاقات النمطية الموضوعة ضمن إطار لوحة معلقة على الجدار.

قد يكون مقتصرًا على الأقارب والجيران وبعض زملاء العمل الذين يسكنون بالقرب مني، لهذا فإنّ المفاضلة بين معيشتي في الريف ومعيشتي في المدينة تجعلني أعيد التفكير وأتمعن في الجوانب السلبية والإيجابية، فأقع في حيرة ما بين هدوء الريف وضوضاء المدينة.

في كثيرٍ من المرات أشعر وأنا في الريف أنّني أعيش حياتي بحرية أكثر، خاصة أنّ التصاق البيوت قليل نسبيًا مقارنة في بيوت المدن، وفي الوقت نفسه فإنّ مستوى التطورّ التكنولوجي والخدمات في المدينة يغريني أكثر.

لكنني أعود وأتذكر أنّ العلاقات في الريف أكثر دفئًا وصدقًا من المدينة، لأنّ الناس فيها ما زالوا متمسكين بالعادات والتقاليد ويشدّهم خيط الدم أكثر، ويحرصون على التزاور فيما بينهم بمناسبة وبغير مناسبة أكثر بكثير من أهل المدينة الغارقين في أعمالهم حتى أوقات متأخرة من اليوم.

من أراد أن يعرف الفرق الكبير بين المعيشة في الريف والمدينة، فعليه أن يُجرب هاتين الحالتين ويحكم بنفسه، ويأخذ ثمار تجربته كما هي ومن ثم يطلق أحكامه عليها، فالمدينة والريف مكملان لبعضهما البعض، وهما امتدادٌ للحياة بكلّ ما فيها من تناقضات جميلة تمنعنا من الشعور بالملل، وتدفعنا إلى المزيد من التطوّر في كلّ شيء.

حتى الريف الذي يكون التطور التكنولوجي فيه أقل سرعة من المدينة، يمكن أن يتميز بميزات كثيرة تجعل من هذا التأخر نوعًا من الراحة التي لا توجد في المدينة، وهذا بحدّ ذاته يحيرنا.

بين الحياة في الريف والمدينة: أيهما تفضل؟

آخر ما أشير إليه حول المقارنة بين الحياة في الريف والمدينة وأيهما أفضل، فأنا من رأيي أنّ لكلّ مكان منهما ميزة خاصة، لكنني في الحقيقة أفضل أن أعيش في الريف بعيدًا عن ضوضاء المدن وتلوثها.

أحب أن أكون في حضن الطبيعة الخضراء وأمارس حياتي بكلّ ما فيها من تأمل وهدوء، وأن أنعم بحياة صحية وأتنفس هواءً نقيًا خاليًا من دخان المصانع والمركبات، وأن أنعم بهدوء وقدرة على تأمل القمر والنجوم دون أن أكون مضطرًا للاستماع إلى الإزعاج الذي لا ينتهي.

الريف حياة رائعة وكاملة تمتزج بالطبيعة النقية، بينما المدينة غارقة في الحداثة والتطور والتغيير المستمر، لهذا من يريد أن يشهد ابتسامة الصباح وشروق الشمس بهدوء عليه أن يختار الريف الذي أتمنى أن أعيش فيه دائمًا، ومن أراد أن يستيقظ على زوامير السيارات وإزعاج الناس وجرس الإنذار في الأبينة والعمارات، فبإمكانه أن يسكن المدينة.

في نهاية الأمر لا يمكن تفضيل المدينة على الريف على العكس، فكلّ شخصٍ فينا يميل إلى حيث يحب، وما يناسب شخصيته وطريقة معيشته وحبه لممارسة حياته كما يجب.

5743 مشاهدة
للأعلى للسفل
×