تعبير عن الزراعة

كتابة:
تعبير عن الزراعة

ما هي الزراعة؟

إنّ الزّراعة هي الرّكن الرّئيس لحياة الإنسان وهي المهد الأوّل الّذي كُنّا نحيا به، فالأرض منبع الخيرات وملاذ الجنس البشريّ لقوت عيشه فلولاها لما كُنّا، ومن الويل بمكان ألّا نُعطيها ونهتمّ بها لتكون لنا رزقًا لدوام حياتنا، وهذا ما أكّده النّابغة اللّبنانيّ جبران خليل جبران: "ويلٌ لأمّة تأكلُ ممّا لا تزرع، وتشربُ ممّا لا تعصر، وتلبس مما لا تنسج".[١]


يرجع أصل كلمة الزّراعة في اللّغة إلى مادة "زرع" أي زرع الأرض زراعة أي بذرها[٢]، فقبل ألفي عام بدأت الزّراعة تأخذ شكلها بعد أن اهتمّ الإنسان بها وتعلّم زراعة المحاصيل، وأضاف إليها تربية الحيوانات الأليفة من الأغنام والماعز والبقر والدواجن، فأخذ الإنسان يلجأ بالاستقرار في المناخ الملائم لتأسيس محاصيله الزّراعية واستدامتها، وبدأت عجلة التّطوّر تزداد شيئًا فشيئًا لتتنوّع صنوف الزّروع، فكانت البداية لتأمين قوت العيش، ثمّ ارتقت الأمور إلى تأمين الفائض وتصديره ليتحوّل المحصول لسلعة تجارية، لتدخل الصّناعة بعدها، وتُصنع المنتجات الزّراعيّة ليُجعَل منها معلّبات ومؤونة تدوم لسنوات وسنوات وتُصنع الأعلاف والأقمشة من القطن والحرير وغيرها.


نظرًا لأهميّة الزّراعة فقد توجّه العالم بأسره ولا سيّما البلدان الزّراعيّة لتطوير الزّراعة، فظهر مصطلح يهدف إلى تعريف الزّراعة الحديثة بغية تطوير هذا المجال، فالزّراعة الحديثة هي الزّراعة المعتمدة على الوسائل الحديثة والوسائل التّقنية وتضمينها في الزّراعة وذلك لرفع الإنتاجيّة الزّراعيّة واستغلال القدر الأكبر من الأرض لاحتواء أكبر كميّة من عطاء الأرض، ومراحل الزّراعة تبدأ بالتّربة وتنتهي بالاهتمام، وتتنوع الوسائل الحديثة لتشمل أساليب الرّي والمعدّات الزّراعيّة وتطوير الأسمدة، وتفعيل دور التّكنولوجيا في الحصاد وفحص الأراضي وتخصيب التّراب والعديد من الوسائل الأخرى.


ذلك لينتهي الأمر بالزّراعة إلى أن تُصبح موردًا استراتيجيًّا لدعائم أي دولة أو حضارة أو أمّة، فبعد الاكتفاء الذّاتي والتّصدير التّجاري ومن ثمّ تحويلها لمصنوعات فإنّ المتأمّل في ذلك يرى أنّ الزّراعة هي الانطلاقة الأولى لتأسيس الحياة البشريّة من جهة وتأسيس أركان الدّولة من جهة أخرى، فما خاب بشريّ كانت حرفته الزّراعة وأكله ممّا يزرع، فاللّه عزّ وجلّ بارك بالأرض فكأنّ الآدميّ الّذي خُلق من تراب لا يرى الخير إلّا ممّا خُلق.


أنواع الزراعة

تتعدّد طرق وأنواع الزّراعة وذلك حسب الاحتياج والغرض المقصود لها، كما وتتعدّد المحاصيل بتعدّد المناخات، فكلّ محصول زراعيّ يحتاج لمجموعة من العوامل والشّروط لتحقّقها.


من هذه الزّراعات الزّراعة البدائيّة والبسيطة، وهي محدودة تلبّي احتياجات أسرة أو عدّة أُسَر والهدف منها والغاية تكمُن في تزويد هذه الأُسر بما يكفيهم ويسدّ رمقهم من غذاء لهم وعلف لحيواناتهم الرعويّة، وتعتمد على الأدوات البدائيّة والبسيطة والمحدودة فالحراثة تكون من خلال ثور أو يدويّ إن لم يتوفّر، وعمليّة الزّراعة والسّقاية والحصاد وكلّ ما يتعلق بالعمل الزّراعي يكون يدويًّا أو شبه يدويّ، وتكتفي هذه المحاصيل على المحاصيل البقولية كالفول والحمص والعدس، وزراعة المحاصيل الموسميّة كالخضار الصّيفيّة مثل: الكوسا والباذنجان والبندورة والخيار وأنواع الحشائش كالبقدونس والخس والبصل.


من الأنواع الزّراعيّة الواسعة وهي أعلى درجة من سابقتها فهي تعتمد على تناوب المحاصيل واستثمار الأرض لعدّة مواسم لاستغلالها لأكثر حدّ ممكن، وفي هذا النّوع يتمّ الاعتماد على التّخزين ولو كان بقدر محدود فهو يشمل عدّة أُسر، وتتنوّع المحاصيل ليكون التّركيز على الزّراعات التّموينيّة على القمح والشّعير والبقوليات والخضروات الموسميّة.


من صنوف الزّراعات: الزّراعات المروية والزّراعة البعليّة، فالأولى هي الّتي تعتمد على جهد الفلّاح واليد العاملة بشكل عام سواء أكان الرّيّ عبر وسائل تقنيّة مثل التّنقيط الرّذاذ، أم بدائيّة كالرّش أم سواقي يدويّة يُضخّ فيها المياه، أمّا البعليّة فهي الّتي تعتمد على مياه الأمطار، والعُرف المتداول بين البشريّة أنّ الزّراعات البعليّة ذات طعم لذيذ لما في مياه الأمطار من خواص النّقاء والصّفاء من جهة، ولكون المرويّة قد يلجأ الفلاح لسقاية مزروعاته بمياه كدرة أو مخزّنة، فالنّباتات تتأثّر بشكل كبير بنقاء المياه وينعكس ذلك على الثّمار.


من الزّراعات أيضًا: الزّراعات الاستثماريّة وهي الّتي تصبّ في مجال التّجارة والصّناعات، فهي تستثمر المساحات الواسعة وزراعتها بشكل مطثّف حسب متطلبات السّوق، وهدفها إمّا التّصدير وفتح سوق محليّة أو دوليّة، أو هدف صناعيّ كالأعلاف وصناعات القطنيات أو الكونسروة.


أيضًا الزّراعات المحميّة الّتي تهدف لزراعة منتجات في غير مواسمها وتسمّى بالبيوت البلاستيكيّة وتشمل الخضروات الموسميّة، وصار الاعتماد عليها كبيرًا في الآونة الأخيرة لما تعكسه الأسواق من متطلبات، فصارت المنتجات الزّراعيّة تتوفّر في الأسواق صيفًا شتاءً، وهي تأمين الظروف المناخية لكلّ نوع حتّى تنمو وتثمر وتشمل ما يُقارب معظم المنتجات.


هناك الكثير من أنواع الزّراعات منها: الموسميّة والمداريّة الاستوائيّة والزّراعات التهجينيّة والزّراعة الصّناعيّة الّتي تهدف لإحداث نكهة جديدة على طعم الثّمرة من خلال تطعيم أنواع بأنواع أخرى، ففي تطوّر العلم توسّع العالم الزّراعيّ فصارت التّكنولوجيا تدخل في نواة الخلايا النّباتيّة والمورثّات النّباتيّة، وتشمل أيضًا المعدّات والأدوات الزّراعية لتسهيل العمليّة الزّراعيّة وتحسينها وزيادة إنتاجها، وقد أحدث هذا الأمر ثورة زراعيّة عارمة، وما زال المهد الأوّل للإنسان بالغذاء هو محور الحياة ومنها تنطلق الكماليات من التّجارية والصّناعيّة.


تحسين الزراعة

إنّ أهميّة الزّراعة في حياة الإنسان جعلته يسعى لتحسينها وتطويرها، وذلك من خلال الوسائل الحديثة والأدوات من جهة والأساليب الزّراعيّة الّتي من شأنها أن تحسّن هذه الزّراعة، ومن أبرز الأمور الّتي تُساعد في تحسين الزّراعة الدّورة الزّراعيّة، والّتي تهدف لزراعة عدّة محاصيل في نفس الأرض بتعاقب مدروس ومنظّم، وتهدف لإنتاج أكثر من محصول في السّنة ضمن خطّة مدروسة ولها فوائدة جمّة على صعيد الزّراعة.


من أهم الفوائد الّتي يُمكن الاستفادة منها هي زيادة خصوبة التّربة وموازنة العناصر الغذائيّة في خصائص التّربة، كما تعمل على زيادة عضويّة التّربة من خلال المحاصيل الكثيفة كالبقوليات، وتُساعد على مكافحة الأعشاب الضّارة واستثمار كميّة أكبر من الأعلاف وتقليل خطر إصابة الزّروع بالحشرات والآفات الضّارة الّتي تضرب عادة المحاصيل الطّويلة الأمد، وتكون بمثابة خطة أمان للمزارع من خطر الخسارة في حال ضُرِب المحصول بإحدى المشكلات الطّبيعيّة من البرد الشّديد أو الحر أو العواصف، وعلاوة على ذلك تزيد من الإنتاج إلى ضعف الإنتاج العادي في الزّراعة التّقليديّة.


من الطّرق المساعدة على تحسين الزّراعة وزيادة الإنتاج استغلال المساحات بشكل هندسيّ، فما الضّير من استغلال المساحات بين الأشجار المُثمرة لزرع المواسم القصيرة والموسميّة ذات الجذور القصيرة والّتي لا تضر بالشّجر والإكثار من المحاصيل التّموينيّة، ومن الأهميّة بمكان البحث عن المُسبّب لتحسين الزّراعة فالمواد الأوّلية لا بد من الارتقاء بها لتعلو وترتقي الزّراعة وتزدهر كابتكار حلول الرّي والأسمدة والبذار، واستغلال أدنى المساحات والعمل على زراعة المدن والشّوراع العامّة بالأشجار المثمرة أو المحاصيل بشكل منظّم، واستغلال الأسطح المنزلية والأبنية السّكنية لزراعة الموسميات وتفريغ الأراضي لزراعة لوازم الشّعب على العموم من المحاصيل الاستراتيجيّة.


من الجميل أن تتحوّل المدن لأرض زراعيّة منظمة منمّقة ومن يجد المستحيل في هذا الأمر فقد وقع بالغلط لأنّ هذا الأمر سيزيد من بهاء المدن وجمالها ونقاء البيئة، وتخفيف الأعباء الاقتصادية على الأُسر من جهة وعلى البلدان من جهة ناهيك عن التّطور الاقتصادي من جهة التّجارة والصّناعة نتيجة توفير الأراضي الكبرى لزراعة المحاصيل الأساسيّة والعمل على تصديرها وتصنيعها بشكل أكبر نتيجة الفائض بعد توفير الاحتياج.


أهمية الزراعة

إنّ أهمية الزّراعة تكمُن منذ القِدَم، كما أكّد الإسلام على أهميّة الزّراعة من خلال ذكر صنوف الثّمار والمحاصيل الزّراعيّة في مُحكم تنزيله، كما وحثّ الرّسول الكريم -عليه صلاة الله وسلامه- على الزّراعة حيث قال: {مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً}[٣]، وفي قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}[٤].


إنّ أهمية الزّراعة في الإسلام تنطلق من الحاجة الأساسيّة لمدّ المجتمع بالغذاء وتأمين متطلبات النّاس، ولعل قصّة سيدنا يوسف الصّديق خير برهان لما أحدثه من الصّوامع لتخزين الحبوب، فكان لقومه النّجاة من سنينهم العجاف -وهي الضّرورة ذاتها- فإنّ أهميّة القطاع الزّراعي تتمحور في الحفاظ على الأمن العام الغذائيّ والحدّ من الجوع، ويُسهم في تأمين فرص العمل فيحدّ من انتشار البطالة والّتي من شأنها أن تدفع إلى الفقر، كما تُسهم في الحفاظ على الأمن الوطني للبلدان ورفع اقتصادها من خلال التّصدير وتصنيع المحاصيل الصنّاعيّة.


كما تتجسّد الأهميّة من خلال فوائد الزّراعة المنزليّة لتأمين الخضراوات الموسميّة سواء على الأسطح أم على الشُّرَف لتسدّ قوت الأسرة، وهذا يعود على المجتمع والبلدان والبيئة بالفوائد -كما أسلفنا ذكرها- ومن أهميّة الزّراعة أيضًا الفوائد السّياحيّة والبيئيّة فهي ترجع وتعود على البلدان بالنّقاء الّذي من شأنه أن يزيد نسبة الأوكسجين ويُخفّف من حرارة الصّيف.


هكذا يرى المُتأمّل للحياة الزّراعية أنّها خير ملجأ للإنسان في الوضع الرّاهن للحياة في ظل الثّورة المعلوماتيّة الشّرسة، ونزوح البشريّة نحو الأمن الغذائيّ لما يكفل لهم من بقاء وفرص عمل وتجنب للفقر.

المراجع

  1. "جبران خليل جبران"، ويكي اقتباس، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2020.
  2. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 1826، جزء 20.
  3. رواه يحيى بن شرف النووي الدمشقي، في رياض الصالحين، عن مسلم، الصفحة أو الرقم:135.
  4. سورة البقرة، آية:61
5612 مشاهدة
للأعلى للسفل
×