الصداقة متنفس الرّوح
ما أجملَ الصداقة التي هي متنفس أرواحنا الثكلى بالهموم وبفواجع الأقدار! فكم أثقلتنا المشاكل والنوائب، ولولا الأصدقاء لكنّا تعبنا وذوينا، وانتهت ضحكاتنا وتلاشت كل آمالنا، ولكن بالصداقة الحقيقية تتلاشى آلامنا ونجد الدعم والحب والنصح، فيأتي الصديق المُخلص الوفي يمدّ لنا يد العون، فيكون داعمًا لنا في تلك المواقف، ويأخذ بيدنا نحو بر الأمان، أو يمنحنا النصائح القيمة الثمينة والخالية من الرياء.
معدن الصداقة متروك للمواقف
يظهر معدن الصداقة من خلال المواقف، فقد يمر على الأصدقاء مواقف عديدة، وبتلك المواقف تظهر الصداقة الحقيقية من غيرها، فو افترضنا مثلًا أنّ صديقًا ما احتاج لبعض المال في ظرفٍ طارئ واتصل بأقرب أصدقائه إليه، فإنّ الصديق الحقيقي هو الذي يهبّ لنجدته والوقوف بجانبه، أما الصديق غير الوفي والذي لا يملك من الإخلاص ولو قليلًا يهرب، دون أن يُقدّم أيّة مساعدة حتى ولو كانت بسيطة.
إنّ الصداقة الحقيقية تمنح المرء الشعور بالأمان، وتُبعد عنه شبح الخوف من الوحدة والفقد، فهذه هي أهميتها الحقيقية، إذ يكون الفراق فيها من المستحيلات، فيشعر المرء بالاطمئنان بأنّ لديه أصدقاء حقيقيين لن يتخلوا عنه عند الشدائد والمحن، ومن أجل ذلك يتم نسيان المشاعر السلبية كافّة، ويتلاشى الخوف من الفراق، ونسيان وحشة الوحدة والعيش في خوف، كما تُوفّر الصداقة أصدقاءً حقيقيين، يُشاركوننا كل ما يهمنا من أفراح وأحزان ومعضلات.
إنّ الأصدقاء الحقيقيين يشيع بينهم الشعور بالتفاهم والود وتقارب الأفكار، فمن النادر أن تجد صديقًا لا يتفهّم صديقه، أو لا يُوافقه في آرائه المختلفة ويحذو حذوه، وإنّني لأدعوكم في هذا المقام إلى الحرص على انتقاء الصديق الصالح والابتعاد عن الأصدقاء الفاسدين، الذين لا همّ لهم إلا السير في إفساد الخلائق وتضليل الصغار والكبار؛ لذا يتوجب على المرء اختيار الصديق الخلوق الذي يسير على المنهج الصحيح للدين.
في الختام، سر السعادة الحقيقية في الحياة هو أن يُحيطنا الأصحاب والأحبة من كل مكان ولا شيء أجمل من وجود الأصدقاء المخلصين في حياتنا، فمنهم تبزغ أنوار السعادة ومعهم تحلو الحياة، ومن المعلوم أنّ نسبة السعادة في الحياة ترتفع بوجود الأصدقاء وبوجود دعمهم وحبهم ورعايتهم، كما أنّ نسبة التوتر والشعور بالخوف والقلق تقلّ كلما كان لدينا أصدقاء مخلصون، قال الشافعي:[١]
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
- صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا
الصداقةُ وجه آخر للحبّ
في الختام، تُعدّ الصداقة وجهًا آخرَ للحب، فالصديق المخلص الوفي نكنّ له كل حبٍ وتقدير؛ إذ لا يقتصر الحب على الحبيب أو الحبيبة، وإنّما هو حبٌ يكبر ويقوى وينتشر حتى يغلف علاقة الصداقة، ويُحيطها من كل جانب ومن كل اتجاه، كما أنّ الصديق المخلص الوفي يُقدّم كل ما لديه من حُب، وتكون نصائحه مليئةً بالحب، حتى عند الغضب تجد أنّه يغضب بحبّ، فما أجمل الأصدقاء!
المراجع
- ↑ "سلام على الدنيا إذا لم يكن بها"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 1/11/2022.