محتويات
العلم والاكتشافات العلمية نهضة حقيقية
وُلد العلم وما فيه من الاكتشافات من رحم الحاجة البشرية إلى المعرفة، إذ قاد الفضول الإنسان إلى ساحات المعارك المعرفية،؛ ليُحقق انتصاراته الفكرية الواحدة تلو الأخرى باحثًا عن إجابات شافية حول تساؤلاته الكثيرة.
تلك الإجابات هي التي أسهمت في ظهور العلم وما يحمله من اكتشافات غيرت مسار التاريخ، وهي التي أدت إلى نهضة الإنسان ومجتمعه، عبر تحويل العلوم النظرية إلى علوم تطبيقية، ليُضحي العلم بعدها السبيل الوحيد للسمو والرفعة، والمفتاح الحقيقي لسعادة الإنسان، من خلال أسئلة العلوم التي تبني النظريات.
الاكتشافات العلمية تتطور شيئاً فشيئاً
تأصلت الطبيعة الاكتشافية في النفس البشرية، إذ توالت الاكتشافات منذ العصر الحجري وحتى يومنا هذا، ومن المؤكد أنّها ستدوم ما دام الإنسان متسائلاً وباحثاً عن ضالته في العلوم المختلفة التي تلغي جهله، وتجعله ينعم بفضائل العلم في مختلف مناحي الحياة.
تلك العلوم التي تبلورت بفضل رحلة الإنسان الطويلة في البحث عن الحقائق الوجودية، والتي شكلت في عقله مجموعة مفاهيم تمتاز بالثبات استطاع تحويلها إلى علوم نظرية متكاملة، وقد خضعت فيما بعد إلى وسائل البحث العلمية التجريبية، التي أدت إلى ظهور الاكتشافات وانتشارها.
لعل السبب الحقيقي وراء رحلة الإنسان مع الاختراع والاكتشاف يكمن في الحاجة إلى تنوعها، وكذلك فإنّ حاجات الإنسان تتغير مع الزمن وتفرضها ظروف العصر، فلا غرابة أن تجد الاكتشافات في عصر ما تزداد بشكل متسارع، بينما تكون قليلة الظهور في عصر آخر.
في بداية الأمر كانت حاجة الإنسان ماديةً للغاية، فأخذ يكتشف النار لتأمين حاجاته الغذائية والمعيشية من دفءٍ وحمايةٍ، وأخذ يُدرك حاجته الملحة إلى الأدوات المختلفة التي تُساعده على الصيد أو الحماية، فأوجد مجموعةً من الأدوات الحادة، كما أنّه فيما بعد عرف حاجته إلى تطوير الملابس، فسارع إلى صنعها مستخدماً أدوات أكثر تحملًا لظروف الطبيعة كالصوف أو الجلد.
اكتسبت الحاجة المادية لوناً آخرًا بعد فترة من الزمن، فأخذت تتلون بلون الرفاهية، التي تسعى إلى تسهيل سبل العيش وتوفير الوقت والجهد، إذ أضحت الاكتشافات بمنزلة المساعد اليومي الذي يُقدم الرعاية والخدمة للإنسان، مما أدى إلى انتشار الأدوات الكهربائية والآلية، فلا بيت يخلو منها، حتى أنّها أصبحت من الأمور الأساسية الواجب توفرها في كل منزل.
كما لا يقتصر وجودها على المنازل بل تجدها في الأماكن والطرقات كوسائل النقل، والآلات الصناعية، غير أن الحاجة لم تقتصر أيضُا على الطابع المادي فحسب، بل اتسعت لتشمل الطابع الإنساني، الذي يجعل الإنسان نصب عينيه، فيهتم بصحته البدنية وسلامته النفسية والروحية، وكل ما يضمن له سبل ذلك.
تتلون حاجات الإنسان بطابع العلمية والموضوعية النظرية المتمثلة في العلوم النظرية، والتي تجعل النفس البشرية وطبيعتها مادةً لها، فتهتم بفهم خصائص الإنسان عبر نظريات نفسية تحليلية فلسفية، تُطبق جزئياً بشكلٍ عملي، مما يُسهم في رفع سوية إدراك الإنسان، ودراسة أبناء كل مجتمع، وما يُؤثر فيهم من العوامل.
كما أنّ الحاجة الدفاعية من أهم الدوافع الكامنة وراء الاكتشافات، إذ تُقدم الدول جميع الامتيازات لمخترعيها في المجال العسكري، كذلك فإنّ تعقيدات الحياة وظروفها تنمو فيها هذه الحاجات تلقائيًا، فكلما تنوعت وتشعبت الدوافع والحاجات، ظهرت مشكلات جديدة وأخطاء لم تكن تخطر على بال أحد، فتزداد حاجات الإنسان، ما يُؤدي بدوره إلى ازدياد الاختراعات والاكتشافات.
من جملة الأسباب المهمة التي ساهمت في تزايد وتيرة الاكتشافات في الوقت الراهن، هي رغبة الدول في مواكبة التطور، فالأمم تتسابق على الفوز بمرتبة الصدارة العلمية، والقدرة على إخضاع الأسواق الاقتصادية بما فيها من أدوات وآلات، سواء أكانت صناعيةً أم منزليةً أم شخصيةً؛ وذلك لتحظى بالسيطرة الاقتصادية.
يظهر في العصر الحديث رغبةً جارفةً تدفع الشعوب لاقتناء ومواكبة مختلف التقنيات التكنولوجية الذكية؛ لِدورها الكبير في تسارع عجلة الاكتشافات، ولا تقتصر الأسباب الراهنة على رغبة الشعوب في التقدم التكنولوجي، بل تتسع لتشمل المنافسة في تنمية الذكاء الاصطناعي، وبناء اكتشافات وأنظمة قادرة على أن تكون ملائمةً للاستخدام في المستقبل، أيّ أنّ خطط التنمية العلمية ترى المستقبل بعيون الحاضر.
كما أنّنا نلحظ أنّ للأسباب النفسية دورها المتألق وسط الأسباب الكثيرة الكامنة وراء الاكتشاف، فقد بحث الإنسان منذ وجوده عن جميع العوامل التي تُوصله إلى عالمٍ مثالي خالٍ من مسببات التعاسة، ذلك العالم الذي ينظر إليه بعينين صادقتين وقلبٍ مطمئن، بحثًا دؤوبًا نتج عنه إقامة الناس علاقة وثيقة بين الاكتشاف والسعادة، فأضحى مفهوم السعادة يشمل كل ما هو تكنولوجي وجديد.
يُعد إثبات الذات وحب العلم أحد أهم الأسباب النفسية المساهمة بشكلٍ فعالٍ في تطور الاكتشافات، إذ يُعتبر العالم في القرون الماضية عالماً قليل الاختراعات، بسيط العيش، على الرغم من شهرة العديد من العلماء في ذلك الوقت، الأمر الذي جعل من الاكتشاف أمراً أسهل وأيسر مما هو عليه الآن.
نحن اليوم وسط عالمٍ يضج بشتى المخترعات بدءاً من أبسطها كأدوات الطبخ، وانتهاءً بالمعقد منها كالمحركات الصناعية وعالم الإنترنت ما يدفع العلماء إلى عزم إرادتهم على إثبات ما يمتلكون من قدرات ومواهب علمية.
برأيي إنّ لتطور الاكتشافات وازديادها سِمتين؛ إحداهما إيجابية، ولاسيما تلك الاكتشافات الإنسانية والأخرى سلبية، لما لها من دور في نشر ثقافة الحياة الآلية، التي تُسهم في خلق الفجوات الاجتماعية وتترك آثارًا نفسيةً ضارةً، وكذلك فإنّ بعض الاكتشافات سبب للاستغلال البشري والحروب، ولاسيما الاكتشافات المتعلقة بالآلات الحربية والأسلحة.
العلم واكتشافاته من التنظير إلى التطبيق
آخر ما يشار إليه عند الحديث عن الاكتشافات، هو ضعف السعي الحقيقي في بعض الأزمنة والبلدان إلى الاكتشافات العلمية، وتحويل العلوم النظرية إلى أبحاث ومخترعات تطبيقية مادية، والذي تتنوع أسبابه ما بين غياب الشخصيات المؤهلة، ووفرة الاكتشافات وتنوعها.
ذلك الأمر الذي يُصعب من عملية الاختراع، ولعل الحل الأمثل لذلك يكمن في ضرورة رعاية الدول للشخصيات المؤهلة والعلماء رعايةً تضمن لهم توفير جميع متطلباتهم العلمية، والمادية، والنفسية، فضلاً عن دور التربية في غرس حُب البحث وتعزيز الرغبة بالاكتشاف عبر مناهج البحث العلمي التطبيقي.