تعبير عن المدرسة بيتك الثانى

كتابة:
تعبير عن المدرسة بيتك الثانى

المدرسة مسكن ووطن

هناك في أقصى الشارع، تقف مدرستي شامخةً تشهد على أيَّام دراستي فيها، فكلَّما مررتُ بها يأخذني الشوق إلى الجلوس على مقاعدها وأتوق إلى حصص الدروس وإلى اللعب في ساحتها، كانت جُلَّ أمانيّ أن أتخرج من هذا المبنى لأذهب للجامعة، لم يخطر في بالي يومًا أنَّني سوف أفتقد لأيَّام البراءة والطفولة ويهزُّني الشوق هزًّا، فالشوق جنة لا مأوى لها.

كم أخذنا جرعاتٍ من الطموح والاستقلال والقوة لمُجابهة ما وراء المستقبل والمجهول، كم زرعتِ فينا يا مدرستي ورود العزِّ والأنفة وقيم الأمومة والرجولة لنبني أركان بيوت المستقبل، كم اجتهدنا وجاهدنا في سبيل نوال الشهادات وتيجان التفوُّق والنظافة، وكم كسبنا حبَّ معلِّمينا وزملائنا، وفي آخر المطاف ننتظر بلهفةٍ قرع الجرس الذي يُريح أنفاسنا ويسرُّ مسامعنا.

أشدُّ ما يُؤلمني منظر طلاب المدارس الذين يتسرَّبون من مدارسهم طمعًا في اللهو خارج أسوارها، بالإضافة إلى الأطفالِ الذين يُسرِّحون أنفسهم حتّى يعملوا في مجالات الحياة في مِهَنٍ صعبةٍ ليُعيلوا أسرهم، فكم من النصائح أُسديها إليهم حَتَّى يرجعوا عن تسرُّبهم من مدارسهم ولكن عبثًا، ولكنّني سأقول لهم كما قال الشاعر:

العلم يبني بيوتًا لا عماد لها

والجهل يهدم بيت العزِّ والكرم

ليس هناك من مكانٍ هو بمثابة وطنٍ لنا يجمعنا ويُوحِّدنا بحجم المدرسة فهي ليست فقط بيتي الثاني بل هي وطني الذي أغار عليه من أي هجومٍ شرسٍ قد يطاله، فلا أرمي في مدرستي الأوساخ على الأرض، ولا أكتب أو أرسم أشياء ضارَّةً على جدرانها، بل على العكس عليَّ أن أُساهم في بنائها وازدهارها بكل الوسائل المُتاحة لي.

المدرسة تزين البيت بالعلم

يا مدرستي تعلَّمتُ فيكِ العلوم واللغات والرياضيات وأشياء كثيرةً أخرى ممزوجةً بالحب والأمل لمستقبلٍ بهيجٍ، ونقلتُ يوميَّاتي المدرسيَّة إلى بيتي، وقد كنت أحملها كلّ يومٍ فخورةً بما تعلَّمتُ من مبادئ إسلاميةٍ أفادتني في تعاملاتي الاجتماعية كما أفادتني مسائل الحساب في حلّ بعض المسائل التي تتعلَّق بعدّ النقود.

كنت في هذا المجتمع عَضدًا وساعدًا أُساعد إخوتي وأخواتي وأبناءهم بما صعب عليهم من الدراسة وأحثُّهم عليها وأبثُّ في نفوسهم ما تعلَّمتُه من المدرسة، ولكن حين أنظر إلى بيوت مجتمعاتنا وأرى المشاكل التي يُعانون منها أحسّ بأنَّ أسبابها في المقدِّمة يأتي المال وصعوبة الحصول عليه، فالبيوت الآن تركض وراء الملذَّات وتظنُّ أنَّ السَّعادة لا تكون إلَّا بالمال والذهب.

هل تذكرون أنَّ أوَّل ما أنزل القرآن "اقرأ"؟ هل نسيتم أقوال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأحاديثه وحثّه لنا على التعلُّم؟ هل ترون كم ارتقت حضارتنا الإسلامية بوجود العلماء في شتَّى مجالات الحياة؟ لقد ابتعدنا وبكلِّ أسفٍ عن الدين فلم يبقَ منه إلَّا المظاهر، وها نحن نبتعد عن التعليم شيئًا فشيئًا حَتَّى تُهجر المدارس وتُبنى بدلًا منها السجون.

المدرسة بيئة عائلية مثمرة

لقد صقلتِ يا مدرستي مواهبي وإبداعاتي في شتَّى الهوايات والحِرَف التي تملأ فراغاتي فكانت لي تراثًا أعتزُّ به، وشاركتُ به في مختلف المسابقات المدرسية، لو تعلمين يا مدرستي أنَّنا بين أحضانك تعلَّمنا التعاون ومساعدة الآخرين وعِشنا كفريقٍ واحدٍ، فالمتفوِّق يُساعد الضعيف في دروسه ويُعطيه العزم.

وتعلَّمنا كذلك الاحترام فكلّ منَّا يحترم الآخر وتعَّلمنا التسامح والغفران لكل مَن أساء إلينا، وأن نقف احترامًا للكبير والمسؤول ونقلناها صورةً في الشارع والبيت، ولا ننسى أيضًا اجتماعات الأسرة الصفَّية التي لطالما نشرت الوعي والحبّ والتكافل بين قلوبنا ونشرت مبادئ الحرص والحذر لحماية أنفسنا وأمننا وسلامة حياتنا من كل شر.

كم أشعر بالأسى لِمَا أصاب المدارس من هجرٍ وتعليمٍ عن بعد، فمعظم الأطفال ركنوا إلى الكسل وأحبُّوا الجلوس في البيوت دون الذهاب إلى المدارس وتعلّقوا بالألعاب الإلكترونية المُضرَّة حيث تضرُّ العيون قبل العقول، وعلَّمتهم هذه الألعاب الشتائم والسّباب، فباتت ألسنتهم بكل أسفٍ تنطق بها.

هناك لنا أعداءٌ كثيرون في أنحاء العالم همُّهم فقط أن يُسقِطوا قيمنا وأخلاقنا وتعليمنا من خلال التلفاز والهواتف المحمولة والألعاب الإلكترونية وهؤلاء الأعداء يرمون شباكهم مثل شِباك العنكبوت التي تلتهم باطننا وتبثُّ فينا سموم الأخلاق والأفكار، فحاذروا إخوتي وأخواتي من خطر الألعاب والشاشات.

المدرسة تعضد البيت في التربية

وأخيراً، علينا ألا ننسى دروس العظماء والقادة التي قوَّمت اعوجاجنا ونفضت عنَّا غبار الذل والهوان، وقد عقدنا العزم لمواجهة الأعداء واسترداد ما سُلِب من أوطاننا، وقد انتهت سنوات الدراسة التي أتعبتنا حينًا وأمتعتنا أحيانًا وهيَّأتنا للدراسة في الجامعات والكليات إمَّا المحليَّة وإمَّا في بلاد الغربة.

كلَّما التقيتُ مع أصدقائي نتكلَّم فقط عن الطفولة البريئة وأيام الدراسة التي جعلت منّا فرسان هذه الحياة الصعبة، هذه الحياة التي استنفدت منا طاقات الصبر والتحمُّل لبناء بيوت المستقبل، وما زالت الحياة تستمرُّ وتستمرُّ وأسّسنا كلّنا بيوتًا مُلأت بالأطفال وأدخلناهم المدارس وأوصينا أرواحنا بأن نهبَ الغالي والنفيس لهم حتّى يتلقّوا نصيبًا من كلّ شيءٍ وخاصّةً من التعليم.

ما زال العلم حبل الوصل في مجالات الحياة الذي ينبغي ألّا ينقطع أبدًا، فكلّ يومٍ أُخاطب أبنائي وأقول لهم: احرصوا كلَّ الحرص على التعلُّم واقرؤوا الكتب وذاكروا الدروس وطبِّقوا ما تتعلَّموه وترجموه إلى الحياة العمليَّة، ترجموه إلى نجاحٍ ومجدٍ وفخرٍ، ترجموه إلى بناءٍ عالٍ ينطح السَّحاب، ولا تسمحوا لأيّ فشلٍ يُؤخِّركم.

أبنائي، إنَّ هذا القرآن العظيم بما فيه من إعجازٍ علميٍّ كنزٌ بين أيدينا يُترجمه علماء الغرب وكأنَّه اكتشافٌ أو اختراع ونحن فقط نقرأ القرآن من دون اكتشاف مكنوناته وأسراره الإعجازية، ولا نُطبِّق منه إلا القليل ولا نتعلَّم منه ولا نكتشف فيه شيئًا، فيا ليتنا نُقلِّد الغرب في غزارة علومهم واكتشافاتهم المفيدة ولكن تقليدًا ليس أعمى يُوصلنا إلى الهاوية.

4210 مشاهدة
للأعلى للسفل
×