تعبير عن المنزل
إنَّ لكلِّ إنسانٍ أساسيّاتٍ يتعلّق بها، وتصبحُ -مع مرورِ الأيَّام- ذكرياتٍ عالقةً في أعمق مكان من الذاكرة، فلا تكادُ تغادرُ عقلَ الإنسان ما عاش وعمَّر، ولعلَّ المنزلَ الذي نشأ فيه وترعرع في زواياه هو أكثر من يملكُ ذكريات حزينة وسعيدة، في خاطرِ الإنسان وذاكرِتِه، وهذا الموضوع هو موضوع تعبير عن المنزل وصِلَةِ كلّ إنسان بالمنزل الذي يعيش به ويكبر تحت سقفِهِ وبين جدرانِهِ.
إنّ لبناء الأسرة بناء سليمًا قائمًا بالدرجة الأولى على الاستقرار في الحياة والمعيشة والمسكن، عواملَ وأسبابًا ينبغي على كلِّ إنسان أنْ يأخذَها بعين الاعتبار، لكي يعيشَ حياةً سعيدةً أساسُها الاستقرارُ وراحةُ البال، وأهم هذه العوامل هو المنزل الذي سيضمُّ هذه الأسرة، وسيواريها تحت سقفهِ، ويقيها حرارة الصيف ويردُّ عنها بردَ الشتاء، فالمنزل ذاكرة ثابتة، تحفظُ جدرانُهُ ضحكاتِ أهلِهِ ودموعَهم في وقت واحد، وتحملُ زواياهُ أوّل الكلمات التي يخطها أطفال هذه الأسرة، فهو -وإنْ كانَ صامتًا- إلّا أنَّهُ شاهدٌ على كلِّ ما تمرُّ بهِ حياةُ العائلة عبر السنين من نكسات وأفراح.
والمنزل بالنسبة للإنسان هو المكان الوحيد الذي يشعرُ بهِ بالراحة النفسية من ضغوط العمل ومن الضغوط الناتجة عن مخالطة الناس، فهو المكان الأول الذي يلجأ إليهِ الإنسان ليشعرَ بالهدوء والاستجمام، وينالَ قسطًا من الراحة والاطمئنان بينَ أولادِهِ وزوجتِهِ، فعلى الإنسان أنْ يشحنَ منزلَهُ دائمًا بجوٍّ قائم على الحبِّ والمودَّةِ بين أبناء المنزل الواحد، ويجعلَ هذا الحبَّ مقرونًا بطاعة الله -عزَّ وجلَّ- ومرضاتِهِ، وأنْ يُديم ذكر الله تعالى في منزلِهِ، ليبقى هذا المنزل مباركًا ومعطَّرًا بكلمات الله -جلّ وعلا- ودافئًا ومشبعًا بحرارة الإيمان وطهارتِهِ.
ولا بدَّ أنَّ كثرة الذكريات، تملأ قلب الإنسان بشعورٍ قائم على الانتماء للمنزل الذي عاش فيهِ ذكرياتِهِ الأولى، وخطا به أولى خطواتِهِ، وحبا به، وناغى به، ولفظَ أولَ كلماتِهِ بين جدرانِه، وهذا الانتماء يحملُ الإنسان إلى الرجوع بذاكرَتِهِ إلى تلك اللحظات الباقية ما بقي هذا الإنسان وعاش، ولعلَّ أجمل ما قيل عن انتماء الإنسان لمنزلِهِ الأوّل، هو قول أبي هلالٍ العسكري:
يقول أبو هلالٍ العسكري:
إذا أنا لا أشتاقُ أرضَ عشيرتي
- فليسَ مكاني في النُّهى بِمَكِينِ
منَ العقلِ أنْ أشتاقَ أوَّلَ مَنزلٍ
- غنيتُ بخفضٍ في ذُراهُ ولِيْنِ
وروضٍ رعاهُ بالأصائِلِ ناظري
- وغصنٍ ثناهُ بالغَداةِ يمِيني
ويقول الشاعر أبو تمام:
كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتَى
- وحنينُهُ أبدًا لأوَّلِ منزلِ
فلا شكَّ أنَّ أوّل منزلٍ يعيشُ به الإنسان، سيبقى الحنين إليه حاضرًا، ولن يغادرَ أصقاع الذاكرة، فعلى كلِّ إنسان أن يكونَ حافظًا لبيتِهِ، وقائمًا على أمورِهِ، قادرًا على تحمّلِ مسؤوليتِهِ، وسعيدًا بعائلتِهِ التي ستكون مثالًا للنجاح في كلِّ مجالات الحياة.