الهجرة النبوية
الهجرة النبوية الشريفة هي بمثابة الحد الفاصل في التاريخ الإسلامي، وتغييرٌ جذري في مسار الدعوة الإسلامية، خصوصًا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بدأ بتأسيس الدولة الإسلامية بمجرد وصوله إلى المدينة المنورة مهاجرًا من مكة، وقد كانت هذه الهجرة المباركة مدعومة بالكثير من الأسباب التي جعلت الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر أصحابه بالهجرة ليلحقهم فيما بعد، وذلك بعد أن أذن الله -تعالى- له بالهجرة والخروج من مكة، ورافقه في رحلته من مكة إلى المدينة المنورة صاحبه أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-، حيث مرت الهجرة النبوية بالكثير من التحولات والظروف، وانتهت بوصول الرسول -عليه السلام- وأبو بكر الصديق إلى المدينة المنورة سالمين.
الهجرة النبوية كانت بالأساس بأمرٍ من الله تعالى، ومن أهم الأسباب التي دعت إليها: اشتداد أذى قريش للمسلمين، ومضايقتهم في دينهم والتدخل فيهم والتضييق عليهم، ومحاولة البطش بهم بأي طريقة، والسعي لزيادة عدد الداخلين بالإسلام، والبدء بنشر الدعوة الإسلامية إلى جميع أرجاء الجزيرة العربية وخارجها، وتأسيس دولة إسلامية مستقلة بعيدة عن كفار قريش الذين كانوا يكيدون مكائدهم للإيقاع بالمسلمين، ومما شجع النبي -عليه الصلاة والسلام- على الهجرة النبوية، هو دخول أهل يثرب في الإسلام، واستعدادهم لاستقبال النبي وأصحابه، وهذا ما حصل فعلًا، حيث فتح أهل يثرب بيوتهم للمهاجرين، وأسماهم الرسول -عليه السلام- بناءً على هذا بالأنصار، الذين نصروا المهاجرين واستقبلوهم، وأصبح اسم يثرب منذ وصول الرسول -عليه السلام- إليها المدينة المنورة، لأنها أضاءت وأشرقت بوصول الرسول إليها.
كانت الهجرة النبوية بمثابة فتحٍ جديد في الإسلام، وعلى الرغم من الصعوبات النفسية والمادية التي مرّ بها المهاجرون، إلا أنهم صبروا وتركوا أموالهم ووطنهم وبيوتهم وأهلهم، وتبعوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- حبًا في الله ورسوله، وكانوا مسلحين باليقين التام بنصر الله -تعالى-، والأمل والثقة والإيمان، ولهذا كان الله معهم وفي عونهم، وعلى الرغم من جميع المشقات التي واجهت الرسول والمسلمين، إلا أنّ إيمانهم لم يفتر ولو للحظة، لأن الرسول -عليه السلام- أخذ بالأسباب، وهاجر بحنكة القائد وحكمته، بصفته قائد المسلمين ومعلمهم وقدوتهم.
في الهجرة النبوية الكثير من الدروس والعبر، أهمها ضرورة الأخذ بالأسباب، فعلى الرغم من يقين الرسول -عليه السلام- بنصر الله ورعايته له، إلا أنذه أخذ بالأسباب وتخفى عن عيون المشركين، واختار الصحبة الصالحة لمرافقته في هجرته، وشدّ من أزر المسلمين وأخبرهم بأن الله -تعالى- سيكون معهم في هجرتهم، وهذا كله دليل على عظمة الرسول الكريم، وعظمة رسالة الإسلام وكل ما فيها، وستبقى ذكرى الهجرة النبوية تاريخًا خالدًا في حياة المسلمين، ونورًا يستضيؤون به.