تعبير عن الوالدين وفضلهما

كتابة:
تعبير عن الوالدين وفضلهما

تعبير عن الوالدين وفضلهما

{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [١] لم يَضع الله حرفَ الواو في كلِّ كتابه العزيز إلّا بينه وبين الرَّسول محمّد -صلى الله عليه وسلم- وبين الوالدين، ولن يكون هذا المقال فقط موضوع تعبير عن الوالدين، إنما تذكيرٌ بمن قدَّم للإنسان حياتَه، وآثره على نفسه، المرأة التي تهزُّ سرير طفلها بيدٍ، وتهزُّ العالم لأجله بالأخرى، هي الوحيدة التي سترى من أخطاء ولدِها هفوات، ومن صوتِه المرتفع علامةً لضيقٍ ألمَّ به، فتركض لتُواسيه، خوفًا من تكالب الحياة على طفلها الذي مهما كبر ستراه بعينيها طفلًا صغيرًا.

تسهر ليلها حانيةً عليه، فتراه يكبر أمامها، وكأنَّ العالم بعظمته قد خضع ليبارك ما تخطّه فيه يمينها كلّ يوم، فتقاتل الحياة لأجله كلبوةٍ كاسرةٍ تقدُّم كلَّ ما في الأرض رهينةً لسلامة فلذة كبدها وروحها، وريحانتها في هذه الحياة، تغزل ثيابه بأنامل الحبِّ، وخيط الدُّعاء، فتفني جسدها ليعيشَ في جسدٍ آخر هو جسد ابنها، لا أحد يشبهها وكأنَّ الحياة أقسمت ألّا يكون لها مثيل، فلو اجتمعت معاني الحبّ كلِّها، وصفاء السماء، وجُودِ البحر، وعطاء الأرض لن يمثِّل عشر معشار ذلك القلب النَّابض، قلب الأم.

وإذا كانت الأمُّ بهذه العظمة كلِّها، فهذا لا ينسي فضل الأب على ولده، فإن كانت الأم تسهر ليلها عليه، فالأب يقضي نهاره ما بين حرِّ شمسٍ، وقرِّ شتاءٍ، ليأتي لطفلِه بما قد قضتْه الحياة إليه، فيرى في ابتسامتِه نافذةَ حبٍّ، وأمل؛ لِيُنسيَه ما قد عاناه طيلةَ يوم جحيميٍّ خارج البيت، يمسك بيد أبيه فيتلَمّسها ليجدَها خشنةً، فيبدأ بطرح أسئلتِه الطفوليَّة، ليستكشفَ العالم خارج حدود مملكة والديه الصَّغيرة، أبي يداك تختلف عن يداي، إنَّ يداي بيضاء ناعمة، وصغيرةٌ أيضًا، بينما يداك سمراء خشنةٌ، وكبيرتان، فيحمل الوالد ابنه، ويدور فيه بفرحٍ ليقطع عنه أسئلةً ستجيبه عليها الأيَّام فيما بعد.

وبعد كلِّ هذا العطاء يكبر الطِّفلُ ليكون رجلًا وقد تقوَّس ظهر والديه، وخطَّت السنين علاماتها على وجهيهما، وخارت القِوَى، فيحسب رضاهما جهادًا لصعوبته، ورأيهما لا يناسب عجلة الحياة الدَّائرة، وعاداتهما تخلُّف، والأكل معهما قضيَّة عصيبةٌ إن فعلها فله عظيم الثواب، وينسى أنَّه بفضلهما هو الآن حي، هو ليس موضوع تعبير عن الوالدين بل هو وصفٌ لمعادلةٍ كونيَّةٍ تكرّرُ نفسها، جاء رجلٌ إلى عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما-، وقد طاف بأمِّه حول الكعبة، وهو يحملها على ظهره، فقال له: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ -تراني بهذا الفعل جزيت حق أمي وأرجعت لها الحقوق، فقال له ذلك الرجل العالم ابن عمر: لا، ولا بزفرة من زفراتها، هي أيَّام قليلةٌ يقضيها الولد مع والديه فليغتنمها بطاعتهما والتَّزود منهما، فهما بابٌ للجنَّة ومن أراد الدُّنيا فليكن بارًّا بوالديْه، ومن أرادَ الآخرة فليكن بارًّا بوالديه فهما مفتاح المغاليق في هذه الحياة.

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية: 23.
3569 مشاهدة
للأعلى للسفل
×