تعبير عن بر الوالدين في الإسلام

كتابة:
تعبير عن بر الوالدين في الإسلام

مفهوم بر الوالدين في الإسلام

الوالدانِ زهرةُ الحياة الدنيا، وفي الحديث عنهما قد تُورِقُ الروح بالمعاني، فنعمة الوالِدينِ ورحمتهما تُفضي إلى الجنان، وعظيم قدرهما يوجبُ الإحسان على الإنسان، لما يقدّمانه من حبٍّ بلا مقابل، وعطفٍ لا حدَّ له، وتفانٍ في سبيلِ الحياة الكريمة لابنهما، الناس تكثُر مصالحها وتزداد أطماعها وغاياتها، والوالدان هما الركن الوحيدُ الذي لا يتغير ولا يتبدّل، بل يبقى على حرصهِ العظيم، وعلى دعمه وسنده الذي لا يُحدُّ ولا يُقارَنُ بأحد.


لذلك المعنى السّامي ولأنّ الإسلامَ دين الأخلاق الذي يحرصُ على كونِ المُسلم نموذجًا كاملًا للارتقاء بالمجتمع يحرصُ هذا الدين على العناية بالوالدين وإكرامهما، لأن الضمير الإنساني لا يقبلُ أن يُسيءَ لمن أحسنَ إليه فكان سببًا لوجوده في هذا العالم، ويقرّبه الإحسانُ إلى الله تعالى كما تقرّبه أعظمُ العبادة، لأن بر الوالدين من أعظم العبادات، وقد جعل الله تعالى برّهما معبرًا للابنِ إلى سعادته، فبر الوالدين يبسطُ للإنسان طريقًا من الجنة أمامه، ويجعل رِضاهما سببًا في راحة بالِهِ وسعادته في الدنيا والآخرة، فهما نور البصيرةِ التي بها يرى طريقه، فيسري دعاؤهما لابنهما البارّ في ميادينه كلها، ومن تلك اليدين المباركتين تجلو له الحياةُ نعيمها.


قد خلَّد الإسلامُ العبارة التي ينبغي أن يدعو بها الإنسانُ لوالديه، حتى يكون بارًّا لهما في الدنيا والآخرة، إذ بقيت شعارًا يدلُّ على الإحسان لهما، فيقول تبارك وتعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارحَمْهُما كَمَا رَبَّيَاني صَغِيْرا}[١]، وقد خصّهما الله تعالى بالرحمة في دعاءِ ولدهما تعبيرًا عن نوعٍ من ردّ الجميل الذي يفعلانِهِ لابنهما في صغرهِ وحتى في شبابه وهَرَمِه، لأنّهما أبصَرُ الناسِ بهِ وبخفايا شعورِهِ، وهذا ما يجعلُ الأب أو الأمّ يعرفان انزعاج ابنهما مِن سروره دونَ أن يتفوَّهَ بكلمة واحدة، لما في قلب الوالدين من اتّصالٍ عميقٍ وشعورٍ لا حدَّ لهُ من الرأفةِ والعطفِ والحبّ.

صور بر الوالدين في الإسلام

تتجلى صور بر الوالدين في الإسلام بالعديد من الأمور التي يمكن للمرء أن يكسبَ بها وِدّ ورضا والديه، فكيف يُمكنُ كسب هذا التوفيق الربّانيّ، وكيفَ يكونُ بر الوالدين سبيلًا ممكنًا للتحقيق فعلًا، وكيف يمكن بر الوالدين بعد موتهما؟ فالكثير من الناس لم يكُن يقِظًا لهذا الفضل خلال حياتهما، بل أدرك تلك الأهمية بعد أن غادرَ والداهُ الحياة سريعًا!


لعل أبرز ما يمكنه أن يفعله المرء، هو الكلمة الطيّبة، فالشكرُ الذي ينطق به لأصغر الأعمال التي تفعلها والدته يجعلُ السكينة في قلبها تكبر وتتنامى، والمبادرةُ بالقول اللطيف في أي موقف يجعلها أيضًا تسعدُ في أحلكِ الأيام، والعبارة المليئة بالامتنان للوالد المتعب من واجبات الحياة تخفف عنه حِملَهُ، وتجعلُه يُضمِرُ رغبةً في المزيد من العطاءِ والصبر، بالإضافة إلى حمايتهما من الكلام الذي يجرح قلبهما مما فيه قسوة أو فظاظة، فذلك أدعى لالتِفاتِ قلبهما عن ابنهما، وقد تطول المدة التي تحول بين الابن واعتذاره فتزداد الأمور سوءًا، وتكبر الفجوة بين الابن والأبوين بشكلٍ يصعب عليه ترميمه فيما بعد.


من الصور التي ينبغي على الإنسان أن ينتبه لها فضلًا عن تنميق الكلام والإحسانِ بالقولِ لوالديهِ هي عدمُ رفعِ صوتهِ في حضورهما، وألا يقول لهما كلمة التذمّرِ، إذ إنّ هذا الأمر يشتركان به مع أمر الله تعالى للمؤمنين بأن يخفضوا أصواتهم أمام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فمن آداب الحديث والأخلاق ألا يعلو صوتُ المرءِ على مَن هو أعلى منهُ رتبةً، سواءً كانت رتبة النبوّة أم رتبة الأبوّة أم الأمومة، لما في ذلك من الإخلال بالمنطقِ الذي تقتضيه مسيرةُ الخلقِ الكريم في تصرّفات المسلم، ولما جاء به القرآن الكريم بالأمر في قوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.[٢]


أما الشكل الثاني من برّهما فهو الأفعال الجابرة للقلوب، والتي ينبغي أن يقوم الابنُ بها تطييبًا لخاطرهما ورفعًا لشأنهما، فقد يكونُ البرّ بفعلٍ يختصر جُهدهما في أمر من الأمور، أو يزيدُ من احتمال نجاح أمر ينويان الإقدام عليه، أو يقدّم لهما إحسانًا وشكرًا بهديّةٍ على أمرٍ قدّما فيه النُّصح والإرشاد لهُ، وغير ذلك من المواقف التي تكثرُ فيها صورُ الرحمة والمودة التي تؤلّف بين القلوب، إذ تفعلُ هذه الأمورُ فعلها في ذاكرة الأبوين، وتُظهرُ جُهدَهُ في السعي إلى مرضاتهما فيُقبِلانِ عليه بكلّيّة القلبِ، ويحظى بالسعادة والتوفيق الذي يلمسه في شتى المجالات، ويكونُ برّهما بعد الموتِ بالدعاء لهما، والصّدقة التي ينوي بها المرءُ التقرّب إلى الله ببركة روحهما.

فضل بر الوالدين في الإسلام

لقد رفعَ الله شأن الوالدين في القرآن الكريم في غير موضعٍ، وأشارَ إلى ضرورةِ معاملتهما برقيٍّ ولُطفٍ مهما ظهر للابنِ منهما اختلافٌ في وجهة نظر، وقرنَ الله تعالى رضا الوالدين بتوحيدهِ في سورة الإسراء، وفي ذلك حكمة عظيمة لبيان أهميّة رضاهما إذ قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[٣]، وفي تلك السورة نفسها يأمرُ الله تعالى بالتواضع للوالدين، مُشبِّهًا الإنسانَ البارَّ بوالديه بالطير الذي يُحلّقُ بجناحيهِ، وفي ذلك حكمةٌ بالغة برقّة قلب الإنسان الذي يُحافِظ على مشاعرهما وحسن تصرّفه، وشبَهِهِ بأرقِّ المخلوقات العُلويّة، وذلك بقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ}.[٤]


ولم يكن اقترانُ رضا الله تعالى برضا الوالدين غريبًا في القرآن الكريم، إذ إنّ الله تعالى جعل الأمر بشكره في سورة لقمان مرتبطًا بشكر الوالدين وتأديةِ واجب الامتنان لهما لعظيم فعلهما في حياة الإنسان، كما أن ذلك يبيّن أن كليهما نعمة من نعم الله تعالى، والتي ينبغي للمرء أن يشكر الله عليها، فكيف يمكن أن تكون الحياة لو أن الإنسان محرومٌ من الرحمة التي يلقاها عند والدته أو والده، أو لا يمكن أن يحظى بالحرص الذي يجده عندهما؟ لا شكّ أنّ الدنيا ستكونُ جحيمًا مستمرًّا، ولذلك قال تعالى في كتابه العزيز: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.[٥]


يمكنُ بيانُ أهميّةِ الحرص على مكانتهما في القرآن الكريم في أن الإسلام ألزمَ الإنسان بمُصاحبتهما بالمعروف وإن كانا يُريدان من المرء معصيةً لا يُقرّها الدين ولا يقبل بها، بل وإن طلَبا منه أن يُشرك بالله تعالى، والشركُ أكبرُ الكبائر، فقد أمر الله تعالى بعدم طاعتهما في هذا الأمر، ولكن مع الإحسان إليهما والاستمرار في برّهِما، وهذا لا يُمكن أن يكونَ لأحدٍ إلا لأن مكانته عند الله تعالى عاليةٌ لا يمكن المساسُ بها ولا جرحها لأيّ سبب من الأسباب، يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}.[٦]


لا تقتصر الشواهد على وجوب هذا الأمر على القرآن الكريم وحسب، بل إنّ السنّة النبوية أيضًا زاخرةٌ بالمعاني التي أجلَّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانة الأم أو الأب، ووجّه أصحابه لبرّهما والإحسان إليهما أيّما إحسان، وذلك في مثل الحديث الذي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بعد سؤال عبد الله بن مسعودٍ له: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ؟ قال: الصلاةُ على وقتها، قال عبد الله بن مسعود: ثمّ أي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: برّ الوالدين، فقال: ثمّ أيّ؟ قال: الجهادُ في سبيل الله.[٧]


قد رُوي في السنة النبوية حديث مشهور يُبرزُ أهمية رضا الوالدين بدرجة تبيّنُ أن ذلك بمنزلة الجهاد في سبيل الله، فالإنسانُ وإن كان في بعضِ حالاته يشعرُ بصعوبةِ تحصيل رضاهما وعُسر ذلك بسبب ظروفه أو طبيعته التي تخالفُ طبيعتهما إلا أنّهُ يؤجرُ على جهاد نفسه لتحقيق ذلك المَطلَبِ، ففي ذلك الفوز بدرجة المجاهدين في سبيل الله، وذلك يتجلى في الحديث الذي روي بأن رجلًا أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أُجَاهِدُ؟ قالَ: لكَ أبَوَانِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ[٨]، كما روي في حديثٍ آخر في ذلك المعنى وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: برُّ الوالدينِ يُجزئُ من الجهادِ[٩]، والكثير من الآيات والأحاديث في أهمية بر الوالدين لو فُصّل الحديث فيها لسُطّرَت مجلّداتٌ في فضل هذه العبادة.


مما تقدّم يجدُ المتأمّل أنّ أقصر طريقٍ لنيل رضوان الله تعالى هو الإقبال على رضا الوالدين، فطاعة الوالدين من طاعة الله، لأنه يفتحُ الآفاق للإنسان بينه وبين رضا الله تعالى ورضا رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ويزيدُ اتّصاف الإنسان بسمة الإنسانية التي تتجسّد بالرحمة والعطف على مَن باتَ يرعاهُ في كنفِهِ ويقدّم له كلّ غالٍ ونفيس لكي يتقدّم في دروب الحياة يومًا بعد يوم.



لقراءة المزيد، انظر هنا: عبارات عن بر الوالدين.

المراجع

  1. سورة الإسراء ، آية:24
  2. سورة الإسراء ، آية:23
  3. سورة الإسراء ، آية:23
  4. سورة الإسراء ، آية:24
  5. سورة لقمان ، آية:14
  6. سورة لقمان ، آية:15
  7. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2127.
  8. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5972.
  9. رواه أبو داود، في المراسيل ، عن الحسن البصري، الصفحة أو الرقم:505 .
5994 مشاهدة
للأعلى للسفل
×