محتويات
تجارب الحياة أنفع مدرسة لصاحبها
الحياة عبارة عن عدة تجارب يخوضها الإنسان، ففي كل مرحلةٍ من مراحل حياته، وفي كل خطوةٍ يقدم عليها يقوم بتجربةٍ جديدةٍ، لكن العِبرَة أن يتعلم من هذه التجارب، وأن يستطيع التفريق بين الجيد والسيئ، فيخرج من كل تجربةٍ بحِكَمٍ وخبراتٍ يمكنه الخوض في الحياة والسير في الطريق الصحيح بناءً عليها وبالاستعانة بها؛ لأنَّ الشخص الناجح يتعلم من أخطائه فلا يُكررها، ويحاول إصلاحها دائمًا ليتمكن من النهوض بنفسه دون التوقف عندها طويلًا.
لذلك؛ فإنّ تجارب الحياة هي المدرسة الأنفع والأجدى لصاحبها؛ لأنّه يستطيع الحُكم من خلال تجاربه الماضية على ما أحسن بالقيام به وعلى الأفعال والأوقات التي أخطأ فيها في المقابل، فيتمكن من تطوير ذاته والانتقال من مكانٍ إلى آخرٍ أفضل منه، ويتمكن من عبور النهر نحو الجهة الصحيحة دون الوقوع في المياه التي ربما توصله إلى مأزقٍ كبيرٍ لا يستطيع الخروج منه، لأن من يعرف الطريق جيدًا بإمكانه اجتيازه حتى في الظلام أو وهو معصوب العينين.
إنّ الكثير من المواقف التي يتعرض لها الإنسان تشبه الطريق الوعرة التي يتعثر بها، ويقع مرارًا إن لم يكن يتقن المشي جيدًا ويعرف الوجهة التي يتوجب عليه الوصول إليها، فالتجارب الشخصية أكثر نفعًا من تجارب الآخرين، فمن عانى بنفسه يتعلم كيف يبتعد في المرات القادمة عن تكرار ما قام به وكانت هذه المعاناة إحدى نتائجه السيئة، ومن اتخذ قرارًا صائبًا في تجربةٍ ما أو فعل أمرًا عاد عليه بالنفع والفائدة يعرف كيف يختار قراراته وتصرفاته التي يقوم بها في المرات القادمة.
تجارب الحياة بين الاعتبار والإهمال
التجارب التي أقوم بها لها نتائج مثل باقي الأعمال التي يقوم بها أيّ إنسان، والشخص الذي يريد الوصول إلى منزلةٍ عاليةٍ ليصبح ذا شأنٍ كبيرٍ، عليه أخذ نتيجة كل فعل يفعله وتحويلها إلى درسٍ يتعلم منه في المرات القادمة، كيف يتصرف وماذا يتجنب، فإن كانت العواقب سلبية فينبغي لي ألا أكرر هذا التصرف الذي قمت به، والتفكير بطرقٍ أفضل وخيارات بديلة يمكنني من خلالها تجنب الوقوع في الخطأ نفسه الذي أدى إلى هذه العاقبة السيئة.
أمّا إن كانت نتائج هذا القرار أو هذا الفعل إيجابية فأتخذها سبيلًا مع مراعاة الموقف الذي أتعرض له ومراعاة اختلاف الزمان والمكان، فإن أهملت تجاربي التي دفعت ثمنها من وقتي وجهدي فلن تعود عليّ بأي فائدةٍ، وستصبح دون جدوى، إنما ستمضي أيامي في طريقٍ منحرفٍ عن الطريق الصحيح الذي يجب اتباعه والسير ضمن حدوده.
لكن في حال اعتبرتُ من تجاربي وفكّرتُ بنتائجها وحللت العواقب التي حدثت بعدها، فسأعرف الطريقة التي بإمكاني التصرف من خلالها في الأيام والسنوات القادمة دون التعرض لخوض التجارب الماضية وتكرارها من جديد بلا أيّة فائدة أو منفعة، إنما فقط إضاعة وقت وإفلات الكثير من الفرص التي كان ينبغي لي أن أجعلها في صالحي لأتمكن من النجاح ومن تجنب الفشل.
تجارب الحياة آلة من آلات الحكمة
من خلال التجارب التي أقوم بها وأتعرّض لها يمكنني أن أكون أكثر حكمةً في حياتي؛ لأنني أتعرف إلى الكثير من الحقائق التي كنت أجهلها ولا أعرف منها شيئًا، وسأزداد من الخبرة؛ لأنّ كل تجربة هي عبارة عن خبرات جديدة يمتلكها الشخص فيستفيد منها في حياته وتجاربه القادمة التي سيخوضها، وأستطيع بذلك أن أفهم نفسي في المقام الأول، ثم أفهم ما يجري حولي.
بناءً على هذا أستطيع التصرف على النحو الصحيح، وتجعلني هذه التجارب أدرك كيفية التعامل مع الأحداث وأي فعلٍ ينبغي القيام به مقابل هذا الحدث، وأي وقت يجب اختياره لفعل هذا الشيء، وماذا يتوجب عليّ أن أقول، وما الذي من الأفضل أن أتجنب الاقتراب منه أو التحدث بشأنه، وأنا أرى أنَّ التجارب هي من أهم العوامل التي بإمكانها بناء شخصيتي بشكلٍ يمكنني أن أصبح شخصًا أفضل وأقوى وصاحب حكمةٍ.
تُمكّنني التجارب من إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجهني، وتساعد كل الأشخاص على إيجاد هذه الحلول التي يتوصلون إليها من خلال الخوض في الحياة والقيام بالتجارب بعيدًا عن الخوف الدائم من الإخفاق والاستسلام له إن كان من نصيبهم في أحد مراحل حياتهم.
الشخص القوي هو الذي يتعلم من الدرس، ويجعل من الإخفاق نقطة تحول لتحقيق الأهداف والنجاح في كل ما يسعى إليه، أما الإنسان المتشائم والضعيف لن يرى سوى إخفاقه فيستسلم له ويقول في نفسه: إنّني شخصٌ مخفق دائمًا، ولن أنجح مهما حاولت، فيبقى ينظر نظرة متشائمة نحو الحياة بكل ما فيها.
تجارب الحياة تهذب صاحبها وتبصره
آخر ما يشار إليه هو أنّ التجارب تُعطي للشخص القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة دون الوقوع في أي فخٍ، وتجعله ينظر للأمور نظرةً عميقةً وأكثر تفهمًا من تلك التي كان يراها بها سابقًا، بدلًا من التفكير بها بشكلٍ سطحيٍ، وتمكنه من أن يكون أكثر واقعيةً فلا يلجأ إلى إعطاء الأشياء من حوله صفةً خيالية بعيدة عن المعنى الحقيقي لها، بل يصبح شخصًا ناضجًا لديه وعي أكثر مما كان عليه.
تُهذّب التجارب صاحبها من خلال الاعتراف بالأخطاء التي فعلها والإقرار بها والتعلم منها، والسعي الدائم لئلّا يقع ضحيًة للتجربة نفسها، فيعيد الماضي نفسه ويكرر التجربة المؤذية التي أثرت فيه وفي حياته تأثيرًا سلبيًا، ويتعلم كيف يستغل الوقت لصالحه دون التفريط به والندم لاحقًا عندما لا يفيد الندم شيئًا.
لذلك؛ ينبغي أن يستمع الإنسان للنصائح حتى يتجاوز صعوبات الحياة، وأن يعي جيدًا أنّ الإخفاق لا يتوقف على الظروف الصعبة، إنما كثيرًا ما يكون نتيجةً للخيارات السريعة التي اتخذت دون التفكير بها بعمقٍ وفهمٍ لما ستعود به على صاحبها بعد مدّة من الزمن، والحياة تجربة، ومن خلال التجارب يتطور الأشخاص ويصبحون أفضل، ويتعلمون الكثير مما يعود بالفائدة عليهم طيلة حياتهم وفي كل تجاربهم القادمة.