تعبير عن حادث مؤلم تعرّضت له

كتابة:
تعبير عن حادث مؤلم تعرّضت له

المقدمة: غيوم سوداء أمامي

رأيتُ فيما يرى النائم أنني كنتُ وكلبي نلهو في المِساحاتِ الخضراء، ألقي له الكرةَ الحمراء التي اعتدنا الّلعب بها كلّما مللتُ الدراسة وأصابنا الضجر، وكلبي يركضُ نحو الكرة ويحضرها لي حاملًا إياها بأسنانه اللامعة وفمه الجميل الصغير، حتى إذا مللنا اللعب بالكرة جلسنا نتفيأ شجرةَ اللوزِ المُقابلةَ للمنزل، وقد كان الوقتُ مساءً قُبيل موعد رجوع أبي للمنزل من عمله، وبينما نحنُ بانتظاره بدأت الغيوم السوداء تظهرُ أمامي من بعيد، وإذ بزوبعةٍ تقتحمُ المكان بسرعةٍ فائقة، ارتعدت أوصالي خوفًا حينما نظرتُ حولي ولم أجد كلبي، فبدأت أصرخ وأنادي بلا فائدة.


العرض: في مواجهة الصعاب

استيقظتُ من نومي على صوتِ طرقاتٍ قوية وقلبي يرتجفُ خوفًا، ركضتُ نحو نافذة غرفتي أبحثُ عن كلبي الوفي فلا أراه كدتُ أجن لولا أنّ شيئًا ما شدّ طرف بنطالي، أدرتُ ظهري لأرى ما كان ذاك فإذا هو كلبي الوفي "ريكي". أخذتُ ريكي بين أحضاني وبدأت أتحسس شعره، حتى سمعت صوت أبي وقد انتهى إليّ ليُخبرني أن اليوم عطلة، ويسألني عما إذا كنتُ أرغبُ في الذهاب معه في جولة لنشتري بعض الحاجات من السوق القريب في المدينة، أجبته موافقًا وسألته: فيما لو كان بإمكاني أخذ "ريكي" معنا؛ وذلك لخوفي الشديد عليه من ذلك الحُلم الشنيع، فأنا لا أرغبُ بتركه خلفي في المنزل خوفًا عليه من الضياع.


كان ذلك اليوم الذي لا أنساه أحد أيام الشتاء القارص وكان الجو فيه غائمًا ويشبه بأجوائه الماطرة أحد أفلام الرعب، لذلكَ طلب مني أبي الجلوس قرب المدفأة، في انتظار أن تخف حدّة الأمطار، جلستُ وعائلتي نتجاذبُ أطراف الحديث حول أيامنا القادمة، ودراستنا ومستقبلنا أنا وإخوتي، ونحن لا ندري أن هذا اليوم سوف يكون يوم شؤمٍ علينا ولن ننساه في حياتنا القادمة، وفجأة قال أخي: أمي اصنعي لنا فطيرة التفاح أرجوك، فذهبت أمي لإعداد الفطيرة لتكتشف أنه لا يوجد لدينا بعض مكوناتها، قالت أمي لوالدي: أيمكنك إحضار باقي المكونات معك من السوق؟ قال: حسنًا، ولكن انتظري قليلًا حتى يتوقف المطر أو تخف حدته. وإذ بالمطر يتوقف لكن بقيت بعض الغيوم ملبدةً في السماء كأنها خيمة شديدة السواد.


قلت لوالدي أيمكننا أن ننطلق الآن يا ابتي؟ قال: حسنًا ها نحن جاهزون الآن للذهاب إلى السوق. تسابقنا أنا وكلبي إلى سيارة والدي وصعدنا ونحنُ نضحكُ كما الأزهار العطرة في الصباحات المشرقة. فتح أبي (المذياع) للاستماع إلى الأخبار المتنوعة؛ الجوية والمحلية والعالمية. ظهرت فجأة أمامنا غيمة سوداء كبيرة وبدأ الرعد يدوّي بقوة وكأن السماء تصرُخ، ظننتُ لوهلةٍ أنني أكملتُ ذلك الكابوس المُرعب ولا أكادُ أصحو منه، ولكن راعني أنّ والدي بدأ يصرُخ قائلًا: إنني لا أرى الطريق ما أكبر هذه الغمامة! ذُعرت كثيرًا وحضنت كلبي بقوة، كان ذلك الحضن يحملُ في طياته القسوة والحنان في الوقت ذاته، وإذ بأبي يفقد السيطرة على المكابح، فصرخ أبي صرخةً مدوية قائلًا: يا بني، أستودعك الله، وبعد ذلك لم نر سوى سوادًا يهيمُ حولنا.


بعد مرور مدة من الزمن لا أعلمها فتحتُ عيني حتى بدا لي ما يشبه الغيمةَ في بياضها ونقائها. رباهُ! هل صعدت روحي إلى السماء، أم ما هذا الذي أراه؟ وأين أنا؟ سمعتُ صوتَ أنفاسٍ آدمية تقتربُ مني، رفعتُ رأسي لأرى ما ذاك، فإذا بطبيبة معها مجموعة من الكادر الصحي، فحمدتُ الله أنني لم أمت، وعلمتُ أن تلك الغمامة البيضاء لم تكُن إلّا ستارة تُحيطُ بسريري في المستشفى. صرختُ مذعورًا كطفلٍ جاء للحياة أول مرة لا يدري عن مصيرهِ شيئًا. قلتُ بكل ألم: أين أبي؟ أين كلبي؟ ماذا حصل؟ والدموع تنهمر من عيني كمزرابٍ في يومٍ شديد المطر، حاولتُ النهوض من سريري كي أطمئن على أبي، ولكن الممرضة منعتني من إتمام المهمة، وأخبرتني أنني لست بصحة جيدة الآن.


لم أهتم بما أخبرتني به فلم أكن أريد سوى الاطمئنان على والدي، وما بين إصرارٍ مني ورفضٍ من الممرضة شعرت بالتعب يتسلل عبر أوصالي كسارق يرغبُ بسرقة ما لا أعلم، فاستلقيت في الفراش ونمت نومًا طويلًا، وفي اليوم التالي استيقظت وكانت أمي بجانبي وأخبرتني أن لا أحزن فقد كان الحادث مأساويًا وأنني نجوتُ منه بأعجوبة. حمدتُ الله على مُصابي فقدماي الاثنتان كسرتا بطريقة قاسية كما لو أنهما لوحا خشب شديدا الهشاشة، فماذا أكون أنا بجانب عاصفةٍ هوجاء لا تُبقي ولا تذر سوى من أراد الله له البقاء على وجه هذه البسيطة، وزاد شُكري لله بعد أن علمتُ أنّ والدي على قيد الحياة لكنني لا أستطيعُ رؤيته؛ فهو ما زال في غرفة العمليات وحالته متوسطة وسيكون بخير إن شاء الله.


خيّم الصمتُ على المكان ولم ينبس أحدٌ منا ببنتِ شفة فأنا خائفٌ من السؤال وأمي تخشى الإجابة بالتأكيد، ولكنني تمالكتُ نفسي ووجهتُ لها سؤالًا كاد يقتلني قبل أن يخرج، ولكن لا بدّ أن يخرج لا محالة، قلت والدموع تملأ عيني: يا أمي لا تقولي لي أنه مات!! آهٍ يا أمي!! صمتت أمي والدموع تغرقُ عينيها، ومن ثمّ قالت: يؤسفني أن أقول لكَ :إنّك فقدتَ كلبكِ، وكان هذا قضاءُ الله وقدره يا ابنتي. انتفض قلبي حُزنًا على "ريكي" ولم تتوقف عيناي عن البكاء. مضى يومان على وجودي في المستشفى والحزن لا يفارقُ مقلتيّ بدأتُ أسترجع ذكرياتي مع صديقي المُخلص "ريكي" فهو كلبي العزيز الذي لا يخلو ركنٌ من أركان بيتنا من ذكرياتنا معه، قلبي بات خاليًا ولم أكن قد استوعبتُ الصدمة بعد.


الخاتمة: لا بدّ للألم من نهاية

طلبت من أمي أن تمسك بيدي وتدلني إلى غرفة أبي للاطمئنان عليه، أريد النظر إلى وجهه ولمس يديه، وصلتُ غرفة والدي وأخبرته أنني بجانبه دائمًا، وأنه يتوجبُ عليه أن يكون أقوى من العاصفة التي غيرت مسار حياتنا وعكرتها كسمّ انبعث في كأس ماء بغتة. على أي حال يبقى هذا قضاء الله وقدره. وبعد ثلاثة أيام تقريبًا أصبحت حالةُ والدي مُستقرة وخرجنا من المُستشفى وقد أسفرت هذه الحادثة عن موت كلبي العزيز وكسرِ قدمَي وتعرُض أبي للعديد من العمليات الجراحية الصعبة، في أجزاء متفرقة من جسمه، لكن بالرغم من ذلك كلّه فلا بُدّ للألم من نهاية. بعد شهر تقريبًا شفيت جراحنا وزال الألم من أجسامنا إلا أنّ قلبي ما زال يتألمُ على فراق كلبي وكأن شيئًا ما نُزع من روحي، فلطالما أحببته حبًا شديدًا، حتى وإن كان أبي قد أحضر لي كلبًا آخر أعتني به وأحبه وأرعاه ولكنني هيهات أنسى كلبي العزيز "ريكي".

4461 مشاهدة
للأعلى للسفل
×