تعبير عن صديقتي المسافرة

كتابة:
تعبير عن صديقتي المسافرة

رسالة وداع إلى صديقتي المسافرة

عادة ما تكون رسائل الوداع ملطخة بالدموع والآهات والحسرات، وهل يستطيع أحد أن يلجم نفسه البشرية عن البكاء حال رحيل الأحبّة، وأيّ أحبة أولئك الذين امتزجوا مع النَّفس حتى صاروا ونبض الفؤاد سواء، ها أنت يا صديقتي تحزمين أمتعتك وتذهبين إلى المكان الذي لا تملكين فيه أي ذكريات تجمعنا وربما كانت النجوم ترعانا ونحن نكتب لبعضنا فأرجوك لا تقطعيني من رسائلك التي يُمكن أن أسدّ بها لواعج فؤادي وتفطر قلبي وأمسح بكلماتك الحانية على وحدتي وغربتي في أرضي التي ستتركينني بها.


كثيرًا ما مررت في الكتب التي تدارسناها معًا عن قيمة الأصدقاء وأهميتهم في الحياة، وكيف لا يُمكن للمرء أن يستقي من ماء الحياة إلا إن هو استعان بالصديق الخليل والوفي، وكيف مرَّ في قصص الأقدمين وهم يتحدّثون عن الأمراض والأسقام التي يُعاني منها كل صديق حال تغيّب صديقه عنه، فالنَّفس تهوى أنيسها وجليسها، وكم مررنا على نصوص الملوك العظام وهم يقرّبون الحكماء من مجلسهم ويتخذونهم أصدقاء، فكيف لي أن أنسى يا صديقتي حكمتك وعظمة عقلك التي كانت دائمًا تسندني في مواقف الحياة.


قديمًا كانوا يُعرفون الحب على أنَّه تواطؤ المشاعر على الجملة واتفاق نبض القلوب مع بعضها حتى تنسج معًا سلّمًا موسيقيًّا يصعب لأحد أن يرتقي عليه إلا إن هو اتَّخذ من الوفاء والتسامح والعفو درجات له في الصعود، فهل تُرانا يا صديقتي اتخذنا أنا وأنت من ذلك السّلم درجًا للصعود في علاقتنا؟ ربَّما حدثتك يا أخيَّتي من قبل عن كرهي للوداع ومشاعره، وعن مقتي للفراق إذ يتأرجح فيه الإنسان بين أمواج الخوف ليتيه أخيرًا في بحر الأشواق، هل أقول لك وداعًا يا صديقتي بعد تلك العشرة الطَّويلة التي سطَّرت بها أروع صفحات الصدق والوفاء والهناء.


أتذكرين يا صديقتي كيف كان النَّاس يخطئ بيننا وفي أحسن الأحوال كانوا يظننونا أختين ومنهم من يبادر متسائلًا هل أنتما توأمان؟ وددت حينها أن تكون الحقيقة كذلك فلربما التصق اسمك باسمي فساعف القدر معنا فجعل قضاءنا واحدًا نسير معًا ويكون طريقك هو طريقي على الحقيقة، ولكن كنا نتبادل النظرات الرقيقة والضّحكات ثم نسعف في قولنا معًا ونقول لا لسنا أختين حقيقة ولكنّنا كذلك ربما.


إنَّ الوداع في كثير من الأحيان يكون بابًا للقاء آخر فهل سيتكرر هذا معك يا صديقتي العزيزة؟ هل يُمكن أن يكون وداعنا هذا بوابة اللقاء الرّوحيّ بيننا فأعلم منك في مغيبك ما لم أستطع الوقوف عليه في حضورك، إنَّ الحبَّ بين الأصدقاء يا أختي لهو أجلّ من أن أستطيع اختصاره ببضع من الحروف على الورقة البيضاء التي لا تسمع منا سوى بضع من الآهات التي لا تكتمها سوى أنفاسنا الحارة والحزينة.

شوقي إلى صديقتي المسافرة

الأشواق هي كالأشواك القاسية التي تدمي الروح والعين والفؤاد، تُراني يا صديقتي لو خصّصت دفترًا أكتب فيه أشواقي كلّ يومٍ هل أفي الأيَّام التي بيننا حقّها من الود، وهل الشوق إلا إعراب عن لواعج الفؤاد والمشاق التي يُكابدها وكيف أستطيع ألَّا أحترق بالنيران المُضرمة في فؤادي إثر الأشواق التي أعانيها كل يوم، وكم أتمنَّى أن تطلي بناظريك عليّ كل يوم فتشهدين دموعي التي ما تفتأ وسادتي أن تجفّ منها حتى تعود مرة أخرى لتدور دوراتها من لحظي إلى فؤادي فالأرض القاحلة على وجنتي.


كنت أستهزئ فيما ما مضى بمشاعر المُشتاقين أقول قضاء الله ومن لا يسعه تغيير القضاء فليرض فيه دون أيّ حزن، ولكن اكتشفت حينما امتحنني الله بالأشواق أنَّ المشاعر الإنسانيَّة ما هي إلا بتلاء من الله ليميّز فيه صدق وفاء الإنسان لأخيه، وهل الأشواق إلا نتيجة حتميّة للحب العظيم، قد يتساءل كثيرٌ من النَّاس أن هل يُمكن لصديقة أن تكنّ لصديقتها كل تلك المشاعر الباذخة؟ ولكنَّهم سيلتمسون الجواب عند أول دمعة يلتمسونها بأناملهم على أخاديد وجنتي التي ما عُرٍفت إلا من عهدٍ قريب.


ما أزال حتى الآن أذكر نظراتك الأخيرة قبل الرَّحيل، والعيون تحكي في دواخلها ألف حكاية وحكاية فيستمع إليها العابر في سبيله وتشده أحداثها ثم ما يلبث أن يُحكِّم عقل ليتساءل أن هل ما استمع إليه هو الحقيقة في جملتها أم ضربٌ من المبالغة والخيال، وكيف للرائي ألَّا يقف مدهوشًا مما يستمع إليه من قصص النحيب والشوق التي أكابدها في غيابك كل يومٍ يا عزيزة.


لا أُخفيك يا صديقتي فمنذ بضعة أيَّام قد أطلت النظر في كتاب رسائل الأحزان لكتابه الغني عن التّعريف في مجال الأدب مصطفى صادق الرّافعي، وقد وقفت لساعة وساعات أنعم النظر في الرسالة الأولى التي بعث بها صديق الرّافعي له يُحدّثه عن طول الفراق والرغبة في اللقاء حتى ولو بالكلمات، فهل ترانا نستطيع أن تسطير رسائلنا في كتاب نظير لرسائل الأحزان يا حبيبة، أم أنَّ الأدب والكلام سيستعصي علينا وشيطان الشوق سيهجرنا حال استللنا أقلامنا وأردنا أن نكمل ما بدأه الأقدمون؟


كيف أنت، وهل تُعانين من لظى الحرمان كما أعاني يا صديقة؟ سأجيب عنك، أعلم أنَّ الأشواق قد أخذت منك كل مأخذٍ فباتت تلتف حولك كالتفاف الحبل على رقبة الضحية فلا يكاد الشوق يكبر في قلبك إلا والحبل يغلظُ ويكبرُ فتكون المعادلة طردية ما بين ذلك وذاك، ولكن عزائي هو أن تنعمين براحة البال والنَّفس في هذه الغربة التي اختارتها لك الحياة ولم تختاريها بنفسك، "وكلّ ميسرٌ لما خُلق له" هذه العبارة التي ما فتأت تطرق ذهني منذ غيابك الأول عني يا صديقة.

مواساة صديقتي المسافرة في الغربة

"كل شيء يحدث لسبب وبسبب" وُضعت هذه العبارة نصب عينيّ مذ عزمت على ترتيب حقيبة السفر، وأعلم حقَّ اليقين أنَّ المكان الذي تقطنين فيه الآن هو أفضل من بقائك إلى جانبي، إذ حتى ولو لم نرضَ بأقدارنا فلا ريب أنَّها الخير لنا وهذه النتيجة الحتمية لأيِّ غارقٍ في التفكير ما بين حاضره ومستقبله، وعزائي يا جميلة أنَّك الآن حيةٌ برحمةٍ من الله أستطيع أن أسوق لك أشواقي متى أردت لا يمنعني من ذلك مانع.


ما زلت تتمتعين بروحك البسيطة التي تُمكّنك من التماس الجمال من حولك مهما كان الفؤاد متعلقًا بمكان آخر غير الذي تقطنين، ومن الجميل أن يبتعد الإنسان عن أخيه فيكتشف من نفسه ما لم يستطع اكتشافه بقريب صديقه المغرب، فيرى أنَّه قادر على امتحان مشاعر الصبر والأسى والفراق والأمل والحزن وكلّ ذاك، وأشكر الله أن اختصَّني بمكان من قلبك واختصك بمثله في فؤادي حتى نجتمع تحت عرش الرحمن في الآخرة فنكون من السبعة الذين يُظلهم الله في يومٍ لا ظلَّ إلا ظلّه، إذ من بين مَن اختصّهم الله في ذلك الظل رجلان اجتمعا على طاعة الله وتفرقا على ذلك.


لا أذكرك يا صديقتي إلا وأنت تقوّين من عزيمتي دائمًا على فعل الخيرات فأنا على عهدي بك منذ ذلك اليوم، فلا أتردّد في فعل أمرٍ حسنٍ وكلّما ما حدثتني نفسي بالسوء تذكّرتك فكنت ناقوس الخير في نفسي، وهل يرجو الإنسان من الصحبة أكثر مما نعمت بالوفور به، وما سمي الإنسان إنسانًا إلا من كثرة نسيانه، ولعلّ كتاباتي لك وكتاباتك إلي تُجدد العهد بيننا، وتوصل ما شاءت سُبُل الحياة أن تقطعه من بُعد الطريق ومشقته.


الشمس تطلع كلّ يومٍ عليك وعليَّ في آنٍ واحد فما أراني أفرغ كل يوم من التطلع إلى قرصها وأنا أعلم أنَّك تفعلين ذلك نفس الساعة، فأرسل لك أطيب تحيَّات الحب لعلّك تبدئين نهارك بالجمال، وها نحن يا صديقة نستظلُّ بنفس السماء مهما ترامت أطرافها إلا أنَّنا تحتها فنرفع البصر حامدين الله أن اختصَّنا بنعمائه وامتنَّ علينا بالوفاء دونًا عن كثيرين، وها هي النجوم تُسهرنا كلّ يومٍ على ضوئها وتمدنا بطاقةٍ كنَّا نسميها معًا طاقة الحب، فهل ما زلتٍ تستمدينها من الكواكب المنيرة كما عهدت؟


أرى عيونك الجميلة الآن وهي تقرأ حروفي، ولكن لا أريد للدموع التي اغرورقت أن تسيل بل نكتفي بالحبّ والبقاء على ما تعاهدنا عليه وننبذ الحزن معًا، فتعلمين كما أعلم أنَّ الحزن موهنٌ للنفس مضعفٌ للبصيرة موجعٌ للقلب ولم نخلق لهذا، أخيرًا يا صديقتي ارجو أن تكتبي لي لنُجدّد معًا خطاب الوصل ونبقى على العهد الذي قضت به نفوسنا منذ الأزل، وأرجو أن تصفي لي في الكتاب القادم نبضات قلبك عندما عزمتي على فتحِ كتابي هذا، كل الودّ والاحترام.


لقراءة المزيد من الموضوعات، اخترنا لك هذا المقال: موضوع تعبير رسالة إلى صديق في الغربة.

5215 مشاهدة
للأعلى للسفل
×