في الحادي والعشرين من آذار تُعلن الأرض ولادة فصل الربيع، وولادة الفرح، وليس صدفةً أبداً أن يكون هذا اليوم يومٌ للاحتفال بالأم؛ فالأم هي الربيع، وهي الحياة، وهي بداية كل الأشياء، والأم أقرب مخلوقٍ وأكثر الناس طيبةً وحباً وعطاءً وتضحيةً، وهي التي تحترق وتذوب مثل شمعة لا تنتظر أي مقابل، ولا تريد سوى أن تنير درب الآخرين بنور الحياة.
في عيد الأم، تتجلّى قلوب الأمهات، وتصبح قلوبهن قبلةً للأبناء والبنات والأحفاد، كلهم يريدون أن يلتمسوا الفرح من هذا القلب الكبير، ليخبّئوا أنفسهم من وحشة الدنيا، وليمسحوا عن قلوبهم تعب الحياة، فما من قلبٍ يحتوي كل هذا غير قلب الأم، وما من روحٍ تفني نفسها لأجل سعادة أبنائها إلا هي، تعطي وتمنح، ولا تفكر أبداً بأي مقابل، ولا تنتظر أي شكر.
جاءت جميع الشرائع السماوية بتوصياتٍ عن الأم، وجعلتها في أعلى المراتب، وخصوصاً الإسلام، الذي جعل رضى الله سبحانه وتعالى مقروناً برضا الأم، وجعل طاعتها نافذةً، لا تقبل الرفض أو التأويل، وجبت رعايتها وصلتها والعطف عليها، وأولاها بالصحبة والرعاية، حتى إنّه قدمها على الأب، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على عظمة وسموّ مكانة الأم في الأديان.
من عظيم مكانة الأم أنّ إيذاءها ولو بكلمة يُعتبر إثماً عظيماً، وعقوقها كبيرةٌ من الكبائر، التي تستوجب عذاب الله سبحانه وتعالى، فالأم التي تعبت وسهرت، وتحملت عناء الحمل، وآلام الطلق، وتعب التربية والرعاية تستحق أن تكون في مكانةٍ تليق بسموها، فهنيئاً لكل شخصٍ عرف قيمة أمه وهي على قيد الحياة، لأنّ الأم بابٌ عظيمٌ للأجر، ومفتاحٌ لكل خير.
حتى بعد التحاق الأم بالرفيق الأعلى يبقى باب الأجر مفتوحاً ببرّها والدعاء لها، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه أن جعل الأمّ سبباً للخير في حياتها وفي مماتها، فهي الشجرة وارفة الظلال، والسماء التي تأوي إليها الأحلام، وهي السقف الذي يُغطّي ويستر ويحمي وتأوي إليه النفوس، فيا رب احمِ جميع الأمهات، وارزقنا برهنّ في الدنيا، والأجر في الآخرة.
الأم هي المجتمع، فمن تنجب كل المجتمع وتربيه تستحق أن تكون الأساس في كل شيء، فالأم هي المدرسة التي تغرس الأخلاق والدين والفضيلة، ومهما دار الزمان، فلا أحد يتمنى الخير للإنسان أكثر من أمه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك".