محتويات
مهنة الحداد من ضروريات المجتمع
هناك الكثير من المهن التي يحتاجها الأشخاص في حياتهم، ولا يمكن الاستغناء عنها أبدًا، ومن هذه المهن الحدادة، والتي يحتاجها المجتمع بشدة، فوجود الحداد وجهوده ضروريّة لبناء الإنسان في أيّ مجتمع، فلولا الحداد لما استطاعَ أصحاب المحلات التجارية إغلاق محلاتهم وحماية محتوياتها من خلال الواجهات الحديدية، ولا استطاع أصحاب المخازن الحفاظ على ما وضعوه داخل مخازنهم بواسطة البوابات الحديدية، ولا وجدت المفاتيح التي تقفل وتفتح بها الأبواب.
إنّ الكثير من الأبواب والمقاعد يدخل الحديد في صناعتها، كما أن الحداد يصنع الواجهات التي تحمي الأطفال من خطر الوقوع من شرفات أو نوافذ المنازل، ويصنع الأدوات الزراعية التي لا يمكن أن تتم الزراعة في غيابها، والعديد من أدوات الطبخ التي تحتاجها ربة المنزل لطهو الطعام.
وهناك الكثير من المنتجات المهمة التي يصنعها الحداد، فإنّ العديد من الأشياء التي يستخدمها الأشخاص في مختلف الأوقات في يومهم ويحتاجونها باستمرارٍ هي من صنع الحداد.
مهنة الحداد من العزوف إلى الإقبال
مهنة الحدادة، هذه المهنة التي عزف عنها الكثير من الأشخاص سابقًا بسبب الصعوبات التي تواجه من يمتهنها، مِن ثقل وزن الحديد وثقل الأدوات المستخدمة في تذويبه، وصعوبة استخدام هذه الأدوات، والإرهاق الشديد الذي يصيب الحداد لأنه يبذل جهدًا بدنيًا عاليًا لصنع الأبواب الثقيلة والبوابات الحديدية، والدقة التي تحتاجها لصنع الأدوات الصغيرة، وقضاء ساعات طويلة في العمل.
كذلك من صعوباتها الإصابة ببعض المشكلات الصحية، مثل أمراض الجهاز التنفسي بسبب التعرض لدرجات الحرارة العالية أثناء صهر المواد الصلبة واستنشاق المواد المنبعثة من عملية الصهر، والأضرار التي تُسبّبها هذه المهنة للعيون بسبب الحرارة العالية.
ومع كل هذه الصعوبات فبعض الأشخاص يقبلون في هذا الوقت على مهنة الحدادة، ويعملون بها دون مللٍ أو كللٍ، ويقضون الساعات الطويلة في إنتاج ما يحتاجه المجتمع والأفراد دائمًا.
فنرى اليوم الكثير من الحدادين يقومون بأعمال الحدادة في شتى الأماكن، إضافةً إلى ذلك فقد دخلت الحدادة في الكثير من المهن الأخرى وازدادت الحاجة إليها، ورغم التحديات التي تشهدها مهنة الحدادة ما زالت مستمرة لتروي هذه المهنة العريقة أحداث الزمن الماضي، وتشير إلى أهمية الصناعة وأهمية الحرف، وعندما أرى العديد من الأشخاص يمارسون هذه المهنة بمودةٍ وإتقانٍ أشعر أنها ستبقى مهنة قائمة على مر الأزمان.
يفضّل الكثير من الأشخاص مهنة الحدادة على كثيرٍ من المهن الأخرى، ويعملون فيها بكل ما تحتاجه من صبرٍ وجهدٍ مهما بذلوا فيها من الساعات الطويلة، وبكل ما تعطي من يمتهنها من أدواتٍ مهمةٍ وضروريةٍ للفرد والمجتمع، فلا يمكن استبدالها ولا الاستغناء عنها رغم التطور الكبير وانعدام الحاجة لبعض المهن القديمة التي استبدلت بتكنولوجيا حديثة.
الحدادة لا يتقنها إلا ذوو الإبداع
ليس كلّ شخص يستطيع ممارسة مهنة الحدادة، فهناك الكثير من المهن لا يكفي تعلم كيفية القيام بها لفعل ذلك، بل تحتاج إلى إبداعٍ وذوقٍ كبيرٍ وصبرٍ عظيم، ولو كان الأمر مجرد تعلم خطوات هذا العمل لكان باستطاعة الكثير من الأشخاص أن يقومون بذلك ورأيت أي أحدٍ يخطر له امتهان هذه المهنة يفعل هذا، لكن مهنة الحدادة مهنةٌ حرفيةٌ عريقةٌ تتطلب الكثير من الشخص الذي يمارسها.
تتطلب الحدادة الطاقة والجهد وروح الإبداع عند القيام بأية خطوةٍ عليه القيام بها، فعندما أنظر لأي بوابةٍ حديديةٍ فأرى متانتها وقوتها أعرف كم بذل الحداد الذي صنعها من جهدٍ وتحمل الوزن الثقيل والوقت الطويل، وحين أنظر بتمعنٍ لواجهة الشرفة والنوافذ في منزلنا تسرق انتباهي الدقة التي أخذت وقتًا ليس بالقليل من عملٍ وصبرٍ، والحرفية الباهرة التي أنجز بها هذا العمل العظيم وتلفتني الزخارف الدقيقة على نحوٍ خاص لتخبرني عن ذوق الحداد الذي ترك أثره عليها.
ألمس روح الإبداع التي وضعها الحداد في كل أداةٍ صنعها، حتى الرفوف التي أجدها في أماكنٍ كثيرة، أدوات الطهي التي تطهو بها والدتي الطعام، السكاكين التي نقطع الفاكهة بها، السلالم الضرورية للكثير من الأعمال للعمال، وكل الأدوات التي يقوم بصنعها الحداد عظيمةٌ ومفعمةٌ بإبداعٍ لا يخفى على من يتأملها بدقةٍ ويعطيها انتباهه، وألمس فيها بصمة صانعها الذي يتركها بشكلٍ رائعٍ.
الحداد يجعل من شيءٍ جامدٍ ليس فيه روح شيئًا آخرًا جديدًا، أشعر أنه لو كان يمتلك فمًا لتحدّث من شدة جماله، ولربما قال شعرًا، وقام بمدح الشخص الذي قضى معه أيامًا من العمل المتعب، فهناك الكثير من الأدوات الصغيرة التي تتطلب الصبر والدقة، وليس أي إنسان قادر على تحمل الصبر والقيام بالعمل بدقةٍ تلفت الأنظار؛ لذا أشعر أن الحداد مبدعٌ، وأنّ عمله لا يُشبه المهن التي لا تحتاج سوى الجهد دون أن يضع فيها الشخص الذي يمارسها لمسةً منه تخبر الآخرين أن هذا العمل متقنٌ للغاية.
الحدادة مهنة عظيمة جليلة
أخيرًا يمكنني أن أقول أنّ الحدادة مهنةٌ تستحق التقدير، والحداد يستحق كل الاحترام لما يبذله من جهدٍ وساعاتٍ طويلةٍ مستمرةٍ في العمل لينتج للناس ما يحتاجونه من أدواتٍ بمختلف أنواعها وأشكالها، ولتحمّله ما يتعرض له من ضغوطٍ أمام الحرارة المرتفعة التي تتطلبها طبيعة عمله، ومن أمورٍ مُتعِبَةٍ أخرى تفرضها عليه هذه المهنة.
الحدادة مهنةٌ عظيمةٌ؛ فهي من المهن الصعبة جدًا التي تحتاج إلى الصبر والإرادة والتحمل، ولا شك أنها تحتاج إلى مهارةٍ كبيرةٍ وقوةٍ غير عادية.
إنّها مهنةٌ جليلةٌ وُجدت منذ قديم الزمان، وقام بها الأجداد منذ عصورٍ مضت فأبدعوا فيها، كما أنها تُساعد في العديد من المهن الأخرى مثل: النجارة في بعض الأعمال التي يدخل فيها الحديد مع الخشب، والزراعة التي تحتاج إلى الحداد لأنه مَن يصنع أدوات الزراعة، وتدخل في صناعة مختلف أنواع الديكورات واللوحات والأثاث المنزلي، وغير ذلك الكثير.