محتويات
العمل حق للجميع
يسعى كل إنسان في الحياة أن يُحقّق ذاته ويُثبت وجوده، وذلك يكون من خلال أمور عدة، منها التميز والنجاح في مجال التعلم واكتساب المعرفة وارتقاء أعلى المراتب العلمية، ومنها من خلال أخلاقه وتعامله وتقديمه المساعدة لكل من يحتاجها، ومنها من خلال العمل بأن يختار عملًا متلائمًا مع دراسته وخبرته وشخصيته، وأن يكون هذا العمل من جهة أخرى يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي والأخلاق الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان.
إنّ العمل هو حق مشروع للجميع، إذ لا يمكن أن يُحرم أي إنسان من العمل طالما أنه يحترم مبادئ العمل وقوانينه وأنظمته ويقوم بإنجازه على أتم وجه، فالعمل هو سنّة في هذا الكون ليستمر التطور والتغير على وجه الأرض، ولذلك هو حق للجميع وواجب على الجميع أيضًا، إذ إنّ دفة السفينة لا بد لها من توازن حتى تسير باعتدال، وهذا الاعتدال يتطلب العمل من الجميع، ولا يمكن لأحدهم أن يقول: هناك من يعمل وأنا لا عمل لي، بل إن العمل هو واجب الأفراد تجاه مجتمعهم.
من حق كل فرد في المجتمع أن يختار العمل الذي يناسبه ويُحدّد أنه قادر على الإبداع فيه، لا أن يُفرض عليه عمل لا يمت إلى خبراته بصلة، لأن هذا سيؤدي حتمًا إلى خلل في العملية الإنتاجية لهذا العمل أو ذاك، إذ إنّ الإنسان عندما يمارس عملًا لا يرغبه أو لا يحبه فإنّه سيعمل فقط لأن هذا أمر مفروض عليه، بينما العمل بحب وبرغبة سيؤدي إلى نتائج أفضل تعود بالخير والنجاح على الفرد والمجتمع.
كما أن العمل حق لكل فرد، فإن اختيار العمل حق لكل فرد، مَثَلُ ذلك كمثل سمكة طُلب منها أن تطير مثل العصفور ففشلت في إنجاز مهمتها، لا لأنها لا تتقن عملها بل لأن ما طُلب منها خارج عن حدود إمكانياتها وقدراتها، وكل امرئ -لا محالة- قادر على معرفة قدراته وإمكانياته التي يستطيع من خلالها أن يحقق النجاح ، ولذلك من حقه أن يختار العمل المناسب له لا أن يُفرض عليه هذا العمل.
العمل قيمة أزلية من أجل بقاء نوعي
إنّ للعمل أهمية كبيرة تتعدى كونه مصدر دخل للإنسان، فهو يجعله يعيش بكرامة وعزة نفس ويقيه ذل السؤال والطلب من الآخرين، إذ إنّ العمل هو قيمة أزلية من أجل بقاء نوعي، أي أنه يحافظ على الاستمرارية والبقاء لكثير من الأنواع، سواء كانت منتجات أم خدمات أم مناهج تعليمية أم مهما كان نوع العمل، ومن ناحية أخرى بقاء نوعية الأفراد التي تمارس هذا العمل أو ذاك، إذا إنهم سيعلّمون غيرهم وتنتقل المهنة من جيل إلى جيل، بما يضمن الاستمرارية للأفراد أولًا، وللأعمال بمختلف أنواعها وتفاصيلها ثانيًا.
يكون البقاء النوعي أيضًا من خلال تضافر الأعمال والمهن وتكاتفها، فكل مجتمع يحتاج للمعلم ويحتاج الطبيب ويحتاج المدير والنجار والحداد والخبّاز وعامل النظافة، ولا يمكن أن تستمر البشرية بالتطور والتقدم ما لم يكن في المجتمع من كل هذه المهن والأعمال، ولكل دوره في تقديم الفائدة والعون، ولا يمكن التقليل من شأن أحدهم على حساب الآخر، بل هم أشبه بلعبة "puzzle" لا يمكن أن تستمر دون تكامل كل القطع مع بعضها.
تقوى المجتمعات وتزدهر الأمم والشعوب والبلدان بقدر الازدهار الصناعي والمجتمعي والمهني فيها، فكلما تنوعت الأعمال والمهن وتضافرت الجهود المجتمعية كلما كان الاستمرار والتطور هو سمة المجتمع والأمة، والعكس بالعكس، أي كلما سيطرت الفردية والأنانية على المهن والحِرَف، واكتفى كل واحد بنفسه ظانًا أنه يستطيع إنجاز كل الأعمال دون مساعدة الآخرين كلما انهارات المجتمعات وتراجعت قوتها وتقهقرت عزيمتها.
مما لا شك فيه أن التعاون يقوي العزيمة ويفيد الآخرين، ومن جهة أخرى يفيد المجتمعات ويعود عليها بالخير والاستمرار والتطور، وكذلك الأمر في الأعمال، بالتعاون والتعاضد بين مختلف أصحاب العمل واختيار الأشخاص الأكفاء لكل مهنة أو لكل عمل في المجتمع ستكون المجتمعات بأفضل حال، وتصبح قدوة للآخرين باستمراريتها وتطورها، إضافة إلى أنها ستكون دائمًا في المقدمة وسابقة لكل الأمم والشعوب الأخرى، وما ذلك إلا بتضافر الأفراد في أعمالهم وتعاونهم ورجاحة عقلهم.
العمل وأثره النفسي الإيجابي
يقوى المرء ويشتد عوده وتزداد شخصيته صلابة كلما كان مستقلًا بقراره وإدارة حياته، ومما يساعد في هذا الاستقلال أن يكون له عمله الخاص، لا ينتظر المال من أحد، ولا يشعر بالخجل كلما أعطاه أحدهم مالًا يعيش منه، فإن العمل له الأثر النفسي الإيجابي الكبير على كل شخص رجلًا كان أو امرأة، حتى الطفل الصغير عندما تُوكل له بعض المهام يشعر بالفرح والسعادة، وهذا يدل على أهمية العمل في حياة كل إنسان وفي كافة النواحي والمجالات، وليس فقط موضوع المال والاستقلال المادي.
من الضرورة بمكان أن يدرك الإنسان قيمة عمله، ويقدر دور هذا العمل في تجديد نشاطه وتطوير مهاراته، فالإنسان يستمر بالتعلم طيلة حياته، ولا يتوقف تعلمه عند انتهائه من المرحلة الجامعية، وكل يوم عمل هو يوم فيه خبرات جديدة ومعارف مختلفة سواء أكان على صعيد العمل أم على صعيد العلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي أم على صعيد المعرفة والفكر والثقافة، والسعيد هو من يستفيد من هذه المعارف ويوظفها توظيفًا صحيحًا يضمن له الراحة النفسية والسعادة، فيعود العمل عليه بأثر نفسي إيجابي ومُفرح.
الالتزام بعمل معين واحترامه واحترام قوانينه وأنظمته له دور كبير في تأثير العمل الإيجابي على صاحبه، ولا بد أن يُسمع نفسه دائمًا كلمات إيجابية عن هذا العمل بدلًا من ذم العمل والتهكم بأصحابه والاستهزاء به، أو حتى التكبر عليه والشعور أنه يستحق أعلى من هذا العمل أو مرتبة مختلفة، فهذا سيؤثر سلبًا على الإنسان، ويجعله يذهب لعمله متعبًا كارهًا لكل ما يحيط به ويشعر بالملل، وبالتالي لن يكون للعمل متعة ولا فائدة ولا لذة، بل سيكون عبئًا متعبًا، لذا لا بد من تقدير هذه النعمة التي يُحرم منها الكثيرون.
كل تفاصيل الحياة التي يعيشها الإنسان فيها الإيجابي والسلبي، وكذلك العمل الذي يزاوله الإنسان لا بد له من إيجابيات وسلبيات، والإنسان هو وحده القادر على تحديد موقفه من عمله، فإما أن يسلط الضوء كله على السلبيات متجاهلًا الإيجابيات ومبتعدًا عنها، وبذلك سيكون عمله وبالًا عليه وتعبًا وكدًا وإرهاقًا، وسينعكس أيضًا عى عائلته بالكآبة والتعب والملل، أو سينظر للإيجابيات بسعادة ويعمل ما بوسعه لتقليل السلبيات، وعندها سيكون عمله مصدر رزق ومصدر سعادة وراحة له ولعائلته.
العمل أساس النمو الاقتصادي الوطني
إضافة إلى ما للعمل من دور إيجابي مهم في نفسية الأفراد وأثر كبير على المجتمع المحيط بهؤلاء الأفراد العاملين، فإن للعمل من ناحية أخرى دورًا مهمًا في الازدهار الاقتصادي والتطور الصناعي للمجتمع والوطن، فكلما كانت الأعمال متقنة وتتمتع بجودة عالية كلما ازداد الطلب على المنتجات بمختلف أنواعها ومن مختلف الدول، وهذا سيزيد من حركة الاستيراد والتصدير وتنتعش البلاد بسبب هذا العمل المتقن الذي يقوم به الأفراد.
إضافة إلى أنّ كثيرًا من البعثات الخارجية والمنح الدراسية التي ستُرسل لمن هم مميزين في أعمالهم لا سيما الأطباء والمهندسين والمعلمين والطلاب الدوليين، وهذا سيجعل تبادل الثقافات والمعارف متاحًا بين البلدان، ويعود بالخير والنمو الاقتصادي على الوطن وبالتالي على أفراده، فتكون تكاليف المعيشة مناسبة لجميع طبقات المجتمع، وسيكون العمل متاحًا للجميع؛ لأنّ هذا الازدهار الاقتصادي لا بد أن يؤدي إلى توسيع سوق العمل، وبالتالي زيادة الطلب على اليد العاملة ممّا يحقق نموًا اقتصاديًا على صعيد الفرد والمجتمع.
من النواحي التي يسهم العمل من خلالها في ازدهار الاقتصاد أن الأفراد في الوطن سيكون لديهم الثقة الكبيرة بالمنتجات الوطنية، وبالتالي يزداد الطلب عليها، وتكون هي الخيار الأول لهم مع وجود الكثير من خيارات أخرى متاحة، وهذا لا شك يُساعد في تطور اقتصادي كبير للوطن، ويؤدي إلى تسويق وترويج محلي للصناعات الوطنية واليد العاملة الوطنية، وبدوره يجلب مستهلكين أكثر من بلدان أخرى مجاورة، وقد تصل هذه الجودة في الأعمال إلى درجة عدم الاستغناء عنها أو استبدالها بمنتجات أخرى.
إنّ العمل بكل أشكاله ومختلف تفاصيله يعود بالخير والراحة النفسية والنمو والازدهار على الأفراد والمجتمعات إذا أدارته أيد قوية وعقول مفكرة واعية لكل خطوة تقوم بها، وضمائر نقية تعرف حقها وواجبها تجاه عملها وتجاه مجتمعها وتجاه وطنها، عندها فقط سيكون لهذا العمل كل تلك الأهمية والمكانة والدور الفعال في التطور والازدهار وامتلاك القوة والمكانة بين الناس.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن العمل.