محتويات
حب الوطن تدركه الحواس قبل الحدود
الوطن هو مجموعة من الحواس، التي نُدركها منذ الطفولة، فالقمح يصنع القلب، والسماء تُعطيك البصر، والعصافير تهبك السمع، والأمّ تهدي إليك يديك، وفي الوطن تمسك الأيادي بالأمنيات كما تمسك فراشة طائرة، لا نملّ مطاردتها، تُغرينا بجمالها وخفّتها وألوانها، هكذا تكبر الأحلام فينا، فترعاها أزهار الحديقة وتحملها حقيبة مدرسة الحيّ، وتسير بها طرقًا نحو الحياة.
الانتماء للوطن بالأفعال لا الأقوال
لا يعني الانتماء للوطن كتابة أشعار الفخر والاعتزاز وغناء الأناشيد الوطنيّة ورفع الأعلام فقط، فمحبّة الوطن فعل يُمارسه الإنسان يوميًّا بما يعكسه للآخرين من أخلاقه وثقافته وعاداته وتقاليد، والوطن مهوى الأفئدة، ومجرى الدماء، هو مكان جدير بالفداء والعطاء، لائق بالفخر والاعتزاز، يدين له الإنسان بحياته التي عاشها بين جنباته.
كما يتعلم في مدارسه وجامعاته، ويكسب رزقه وقوت يومه في مؤسساته، ويشيب بين أهله، وينعم بخيراته، أفلا يستحقّ من الإنسان أن يخلص له في محبّته ويصدق معه في فدائه؟ فيقدّم في سبيله الغالي والنفيس، وقد يُضحّي الإنسان بنفسه وحياته في سبيل الدفاع عنه.
كما أنّ الانتماء للوطن يعني أن يفهم الإنسان تاريخه ويحترم حضارته وثقافته، وبالتالي يفتخر بوطنه ويعتزّ به، فيسعى لبنائه ويعمل من أجل ازدهاره ورفعته، ويدافع عنه في وجه كل معتدٍ غاصب، ويهبّ لنجدته عند الحاجة، إذ يلتحم تاريخ الوطن بالتاريخ الشخصي للأفراد، فيتأثرون بأحداثه ويُؤثرون، يُؤلمهم ما يُؤلم أوطانهم، ويُفرحهم ما يزيدها رفعةً وجمالًا.
نتعلم الإخلاص للوطن بالأفعال لا بالأقوال من خلال السيرة النبوية العطرية، والتي تعلمنا منها حب الأرض، فالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أحب مكة المكرمة موطنه حبًا كبيرًا، إذ قال فيها بعد الهجرة: "والله إنّك لأحب أرض الله إلي، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنّ أهلك أخرجونى منك قهرًا ما خرجت".
الوطن القوي نُفاخر بها العالم
حب الوطن يتجلى بصدق المشاعر التي ينتج عنها أفعال كثيرة تدل على الانتماء والولاء له، مثل: الصدق والأمانة والخوف عليه، بالإضافة إلى المحافظة على مقدراته، والافتخار بإنجازاته، فكل واحد فينا يُريد أن يكون وطنه قويًا، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والحضارة والفكر والثقافة، إلى جانب الاستعداد للعطاء والالتزام بالقوانين والأنظمة.
في ضوء ما سبق، من الواجب على كل المواطنين أن يعدوا وطنهم بالمحافظة عليه، وبذل الغالي والنفيس في سبيل رفعته وتقدمه، يقول أحد الشعراء:
وطني اُحِبُكَ لا بديل
- أتريدُ من قولي دليل
سيظلُ حُبك في دمي
- لا لن أحيد ولن أميل
لا بديل عن حب الوطن
في الختام، لا بديل عن حب الوطن، فهو متجذر في القلب، وهو الأصل والأساس والمرجعية، وليس ادعاءً أو مثاليةً، فأفديه بقلبي وروحي ودمي، فهو أمني وحريتي وسكينتي، ولا أجد الراحة الحقيقة إلا به، ففراقه صعب عليّ؛ لأنّه أعز ما أملك.