محتويات
تعبير كتابي عن الوطن (لطلبة الابتدائي)
المقدمة: أحب وطني
الوطن الحبيب هو ذاك التُّراب المقدس الذي ولد الإنسان ونشأ وترعرع على ذرّاته المقدسة تلك، هو الحضن الأول والأخير، فالوطن هو ذاك الملجأ الآمن والحاني لكل أبنائه، تقف كلماتي واجمة في التّعبير عن حبك بل وتقف تراكيبي خاشعةً أمام سموِّك وشموخ، فأنت أيُّها الوطن تعانقُ السّماء مهابةً وعظمةً لا مثيل لها، فحب الأوطان هي تلك الدِّماء التي تسري في العروق، بل هي تلك النّبضات لذاك القلب المتيم بحبه، ربما يعشق الإنسان السّفر لبضعة أيام أو أنّ روح المغامرة تسري في دمه، إلّا أنّه لن يستطيع الابتعاد كثيرًا فسرعان ما سيأتي باحثًا عن حضن وطنه ليرتمي فيه، ويلقي بين أحضانه كلّ ما آلمه يومًا، فلطالما حمل الوطن عنا آلامنا وأحلامنا، أمانينا ومنانا، أبعد هذا الحب كلام، أبعد تلك المشاعر سؤال، لا والله.
فلقد تبعثرت أجزائي وروحي بين ثنايا الوطن حبًّا وعشقًا، وفي هذا لا يوجد أعظم من كلمات الشّاعر أحمد شوقي واصفًا فيها حبُّ وطنه مسطرًا مشاعر ذاك العاشق الولهان بكلمات من ذهب قال فيها:[١]
وَطَنٌ يَرُفُّ هَوىً إِلى شُبّانِهِ
- كَالرَوضِ رِفَّتُهُ عَلى رَيحانِهِ
هُم نَظمُ حِليَتِهِ وَجَوهَرُ عِقدِهِ
- وَالعِقدُ قيمَتُهُ يَتيمُ جُمانِهِ
يَرجو الرَبيعَ بِهِم وَيَأمَلُ دَولَةً
- مِن حُسنِهِ وَمِنِ اِعتِدالِ زَمانِهِ
تلك الكلمات والقصائد التي طالما تردّدت على مسامع أي إنسان، وهو طالب على مقاعد الدّراسة في المدرسة أو الجامعة، والتي ربما حفظ الكثير منها ليُختبر بها عن معى حبِّ الوطن، والاشتياق والحنين إليه، لقد طرقت مسامع النّاس العديد من الكلمات الرّنانة كالأرض والشّرف والحنين والحب والشُّوق، وغير ذلك من تلك الكلمات الصّاخبة التي لن يعيها، ولكن لو فارق هذا الرجل يومًا أرض وطنه سيكون عندها ضحيّة لتلك الكلمات التي ما استطاع يومًا أن يفهمها ويشعر بها، وسيبقى في خضم غربته كفريسة وقعت في شراك الحب والحنين لهذا الوطن الماثل أمام الأعين وفي القلوب.
العرض: وطني ماضيَّ ومستقبلي
إنّ حب الوطن ليس تلك الكلمات الرّنانة التي تلقى على أسمعة النّاس ومن ثمّ تغيب ليحلّ محلها تلك المصالح الشّخصيّة التي تزدانبالطّمع، بل حبُّ الوطن هو ذاك الشّعور المتأصل في القلوب، هو ذاك الشّعور المغروس في القلب كنبتة حيّة تنمو يومًا بعد يوم يغذيها ويسقيها شعور الانتماء إلى الوطن بأنّه هو الماضي والحاضر بل والمستقبل للإنسان
إنّ الوطن يحمل في هوائه وترابه وشمسه ذكريات الإنسان ولحظاته التي عاشها على أرضه، فقد شهدت شمسه على دموعنا التي سكبناها على وجنتينا، ولفحت نسمات هوائه ابتسامتنا التي رسمت على شفتينا يومًا، فكيف لوطن يحمل هذا الماضي أن يغيب عن الذِّهن، وكيف لا يكون الوطن ماضي أي إنسان وقد اختلطت ذرات ترابه برفات آبائه وأجداده؟.
هناك شعورٌ قويٌّ يجذب الإنسان ليقف باكيًا على حدود وطنه وهو يغادره، وما هذا إلّا لأنّه خلّف وراءه ماضيه وذكرياته المتمثلة بذاك الوطن، ولا يخاف على قارئ أو باحثٍ وقفات النّبي محمد -عليه الصّلاة والسّلام- على جبلٍ أمام مكة المكرمة، ودموعه تسيل على وجنتيه الشّريفتين مودِّعًا ثرى مكة متذكِّرًا ما عاشه على أرضها، فيودعها بكلمات تعجز أي لغة أن تضاهيها، فيقول -عليه الصّلاة والسّلام-: "واللهِ إنك لخيرُ أرضِ اللهِ وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجتُ"[٢]، وهذا الحديث من الأحاديث الصّحيحة التي تُعلّم الإنسان حبّ الوطن والتّعلق فيه وبماضيه.
ليس هذا فحسب، فالوطن ليس أيامًا وذكريات مضت فقط، وإنّما هو أمل الشّباب ومستقبلهم، وكيف لا يكون ذلك وهو يحتضن آمالاهم وخططهم المستقبليّة التي سيبنونها على أرضه يومًا، فالوطن هو مستقبلٌ لكلِّ أبنائه البررة الذين شربوا من مياهه الطّاهرة والمقدسة يومًا، فحقُّ الوطن على الجميع أن يهبوا لبنائه ويردُّوا له الجميل في المستقبل بأن يعملوا على تطويره، فالوطن لا يتمثّل بشخص أو شخصيّات محدّدةٍ لتحكم على ذاك الوطن بالأهميّة والحب أو غيرهما، وإنّما الوطن حدود وتراب، أرض وهواء، الوطن ماضي ومستقبل لكل شخص يعيش فيه، وقد قال أحد الشُّعراء الذين يسعون لبناء الوطن في المستقبل، بل يطلبون من الشّباب أن يديروا ظهورهم لأرض وطنهم فلا مستقبل لهم إلّا عليه، فيقول لهم:[٣]
مَجدُ البِلاد
- بِالشَباب العاملين
وَالاجتهاد
- لِلعُلى نَهجٌ مُبين
هِبّوا إِذن
- وَاِجنوا الثَمَن عزّ الوَطَن
ترى هل الوطن هو فقط كومة من التراب يتحسر الإنسان عليها بين الحين والآخر، أم أنَّ الوطن أكبر من ذلك بكثير؟ إنّ الوطن أعظم من أن يوصف بأنّه حفناتٍ من ترابِ أو حباتٍ من رمال، وإلّا ما أكثر تلك الرّمال أينما يذهب الإنسان، فالوطن هو ذاك الانتماء إلى تلك التضاريس الصغيرة التي تقبع على خريطة كونيَّة شاء لها القدر أن ينتسب إليها ذاك الإنسان، فالوطن وما يحمله من ماضِِ للإنسان أو من أمنيات لمستقبله هو الوحيد الذي يرافقه أينما كان وحيثما وجد.
فلو نسي نفسه يومًا بعيدًا عن وطنه وطحنته رحى الأيام لسألوه من أين أنت، ولو كان في قطار أو طائرةٍ بعيدًا عن حدود وطنه لدلَّت ملامحه على ذاك البلد التي ينتمي إليها، وكأنها أبت إلّا أن تترك بصمتها على تلك الملامح، وسيبقى مهما تطاولت الأيام يحنُّ إلى ماضٍ قضاه في حضن وطنه، فتراه إن جاع اختار تلك المطاعم التي تحمل عبق وطنه ورائحته وأنفاسه، فينطلق لأقرب مطعم يقدم تلك اللقيمات التي اعتادها على تراب وطنه، أبعد كلِّ هذا هل ستجد أذنًا صاغيةً لتلك التُّرهات التي تطلق من أولئك الأشخاص الذين باعوا وطنهم بحفنةٍ من المال، لا وألف لا.
وطني كما أتمنى
إنّ الوطن كتلك الأمِّ التي لا تدّخر جهدًا في سبيل إسعاد أبنائها، ودائمًا ما يتمنى الولد لأمّه السّعادة والعزّة والكرامة، وجل ما يتمنى الولد لأمّه هو الحريّة والاطمئنان والعيش بسلام وأمن وأمان؟، وهذا هو ما يستطيع المرء أن يتمناه لوطنه، فالوطن هو أمٌّ والوطن هو تاريخ، وما نتمنى له أن نراه في الصُّفوف الأولى مزاحمًا بقيّة الدُّول في العالم على شارات الشّرف والرقيِّ والتّطور، أتمنى لوطني أن يحيا على مرِّ العصور حرًّا أبيًّا لا تطاله يدُ ظالمٍ ولا تمسُّه يد باغ، بل كل ما يتمناه المرء لوطنه من خيرٍ وقوّةٍ وشموخٍ عسى أن يكون لوطننا أضعافه، ألّا يحقُّ لوطنٍ قدّم لأبنائه الأمن والأمان أن يرفرف علمه فوق سمائه دون خوفٍ أو وجل، بلى وألف نعم وهذا ما يتمنّاه الجميع لأوطانهم.
أتمنّى أن أسطر اسم وطني في سماء التّاريخ برّاقًا ساطعًا يطفئ أبصار العداة ويعمي أعين الحاقدين عنه، يُعمي كل عينٍ أرادت بك سوءًا أو نظرت إليك نظرة حسد، وأتمنى لو أنّني أستطيع أن أطهر ترابك من كل دنس ألحقه بك كل معتدٍ داس ترابك الطّاهرة يومًا ودنّسه برجسه، وليس هذا فحسب بل أقطع يمين كل من أراد سوءًا به قريبًا كان أو بعيدًا، وأعاهدك يا وطني أنّني سأعمل كي أحوّل تضحياتك وتاريخك إلى سيمفونيّة موسيقيّة يتغنى بها القاصي والدّاني، وسأراك يومًا وسام شرفٍ تزيِّن صدر الأيام والسّنون، ولكن كلُّ هذه الأماني هي عبارةٌ عن أمانٍ صغيرةٍ لا تذكر أمام أمنيتي العظيمة لك، ألّا وهي أن أراك وقد عانقت بحضنك الدافئ أبناءك الذين ولدوا وترعرعوا على أرضك، ولكن قد أجبرتهم يد الظُّلم الباغية على الفرار بعيدًا.
من أجل أن نرى وطننا كما نتمنى علينا أن نكون يدًا واحدةً تعمل وهي واضعةٌ نصب عينيها تلك الأماني، فإنّ وطننا يستحقُّ ما سنقدمه له بعد ما قدّمه لنا من أمانٍ واطمئنانٍ بل من هويّةٍ نرفع رأسنا بها عاليًا بين بقيّة الأمم.
الخاتمة: وطني أرض التضحيات
لقد عُرف منذ القدم أنّ من يقدم لنا صنيعًا حسنًا من واجبنا أن نردّه إليه أضعافًا مضاعفةً، فكيف إذا كان من قدّم لنا هذا الصّنيع هو ذاك الوطن الشّامخ، فلتعلم يا وطني العظيم بأنّك لست تلك القطعة الجغرافيّة على خارطة العالم بل أنت تلك الأرضٌ المقدّسةٌ التي زُرعت في قلوبنا، وما هذا إلّا لأنّك أرض التّضحيات والفداء، ولأنّ ذرات ترابك قد مزجت بدم الآباء والأجداد الذين قدّموا روحهم مهرًا لك ودفاعًا عن حدودك ضد كلِّ معتدٍ غاصب، فأنت يا وطني ستبقى على مرِّ العصور والأزمان أرضٌ عُرفت بتضحياتها الفذّة، ووسامٌ للشّرف على جبين الأيام مهما امتدّ الدّهر والسُّنون.
فيجب على كل ابنٍ لهذا الوطن أن يقدر تلك التّضحيات التي بذلها الوطن من أجل أن ينعم أبناؤه بالأمان والاستقرار، ويجب عليه أن يرفع عاليًا علم وطنه الذي كان شاهدًا على كلّ ما مرّ على تلكالأرض المقدسة المباركة، وشتَّان شتّان ما بين ذاك الابن البار الذي يحتوي وطنه كأم له في ضعفها، فيهرع إلى التّربيت على خصلات شعرها لينسيها ما قاسته من آلام وهي في خضم تلك التّضحيات، وما بين ذاك الابن العاق الذي يترك ربوع وطنه كفريسةٍ ينهش منها الأعداء ويتركه يلتجئ إلى غيره.
ها هي ذي الدُّموع تترقرق من عيني كل غريبٍ شوقًا لوطنه، حبًّا لذراته المقدسّة، عشقًا لرائحته التي نافست أبهى وأغلى أنواع العطور، فمهما بحث الإنسان عن عطرٍ يأسر قلبه ويحيي ذكرى وطنه وبلده في فؤاده لن يجد ما يصبو إليه، لن يجد تلك الرّائحة التي تفوح عند آخر خطّ من حدود الوطن، هل سنجدُ إنسانًا يُنكر ما لوطنه من قيمة أو يقف جاحدًا أمام ما قدّمه له من عطايا، لا وألف لا بل سنكون جميعنا أبناءً بررة له فلتدم عزيزًا قويًّا يا وطني.
لقراءة المزيد، انظر هنا: تعبير قصير عن الوطن.
المراجع
- ↑ "وطن يرف هوى إلى شبانه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021.
- ↑ رواه ابن حزم، في المحلى، عن عبدالله بن عدي بن الحمراء، الصفحة أو الرقم:289، الحديث في غاية الصحة.
- ↑ "ثصيدة مجد البلاد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021.