محتويات
تعريف الإعراب اصطلاحًا عند ابن جني
ذكر ابن جني ت (392ه) في كتابه الخصائص تعريفًا موجزًا دقيقًا للإعراب كشف عن رؤيته الخاصة لهذا العلم، فالإعراب عنده هو: "الإبانة عن المعاني بالألفاظ"، ثم عقَّب ليفسر هذا التعريف بمثال؛ فيقول: إذا سمعت أحدهم يقول: أكرم سعيدٌ أباه، وسمعت آخر يقول: شكر سعيدًا أبوه، فإنك تعلم بأن مَن رفع (سعيد) قصد بأنه الفاعل، وتعلم بأن مَن نصب (سعيدًا) قصد بأنه المفعول به، فاختلفت معنى الجملتين.[١]
ليس الإعراب هو القرينة الوحيدة لفهم المعنى لكنه أحد أهم القرائن، ويضرب ابن جني مثالًا لذلك، عندما نقول: ضرب يحيى بشرى، لا تجد أن الإعراب هو الحكم في معنى الجملة إذا تساءلت من هو الضارب؟ ومن هو المضروب؟؛ فهذه الأسماء لا تظهر حركات الإعراب على آخرها للتعذر.[١]
يصعب معرفة المراد إلا إذا كنت نعلم سياق الحادثة، فإذا لم نعرف السياق فإننا نأخذ بالأصل بأن المتقدم هو الفاعل وأن المتأخر هو المفعول، وكأنّ ابن جني أراد أن يقول إن هذه الأمثلة ونحوها نفتقد بها إلى دور قرينة الإعراب في الحكم على المعنى، ولكننا نجد فيها أهمية الإعراب في منع اللبس عن المعنى.[١]
في كتاب (الُّلمع) تعريف آخر للإعراب عند ابن جني وذلك إذ يقول: "الإعراب ضد البناء في المعنى ومثله في اللفظ، والفرق بينهما زوال الإعراب لتغير العامل وانتقاله، ولزوم البناء الحادث من غير عامل وثباته "،[٢] فهو يعرِّف الإعراب بمقارنته بالبناء، من حيث تأثره بالعوامل، وقصد ابن جني أن الإعراب تغيير يلحق آخر الكلمة المعربة والبناء ثبات؛ لذا هما ضدّان.[١]
الإعراب لغةً عند ابن جني
يرى ابن جني بأن لفظة الإعراب هي مصدر الفعل أَعْربَ، ونقول: أعربت عن الشيء إذا أوضحت عنه، وأزلت غموضه أو لبسه؛ وإذا قلنا: زيدٌ معربٌ عمّا في نفسه قصدنا بأنه مبين له، وموضح عنه.[١]
قالت العرب: عرّبت الفرس تعريبًا إذا بزغته، وذلك عندما تنسف أسفل حافر الفرس، والعلاقة بين هذا ومعنى الإعراب أنه قد بان بذلك ما كان خفيّا من أمر الفرس، وظهر إلى العين، بعد ما كان مستورًا؛ وبذلك تستطيع أن تعرف حال حافره: هل هو صلبٌ أم رخوٌ؟، والإعراب أيضًا متعلق بلفظ العرب الذين سُمُّوا بذلك لفصاحتهم وإبانتهم.[١]
الفرق بين النحو والإعراب
يعتقد البعض أن النحو والإعراب مترادفان أو بنفس المعنى، والواقع أن بينهما فرقًا في المعنى، فالنحو في اصطلاح النحاة هو العلم الذي تعرف به الأحكام التي تحكم التراكيب اللغوية، ويترتب عليها صحة الكلام وسلامة إعرابه، لذا يتضح من ذلك أنّ الهدف من تعلم نحو اللغة العربية أن يلحق من ليس من أهل اللّغة العربية بأهلها، ويقتدون بهم في الفصاحة، والنحو عند ابن جني هو علم أشمل وأوسع من الإعراب، والإعراب فرع منه.[٣]