محتويات
تعريف الاستنباط في الفقه
يقول الله -تعالى-: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)،[١] والمقصود بذلك أنَّهم يستطيعون تفسيره وتبيينه وتوضيح ما فيه؛ وذلك عن طريق أولي الأمر في الشأن المقصود وهم أهل العلم،[٢] وقد رفع الله بهذه الآية مكانة أهل العلم الذين يستنبطون الأحكام الشرعية عبر اجتهادهم.
الاستنباط لغة
الاستنباط أصله من الفعل استنبط: وهو طلب النَبَط، وهو كذلك طلب أوّل الماء عند حفر البئر واستخراجه،[٢]أو هو استخراج الماء والعيون، ثم أصبح يُطلق على كلّ ما يُستخرج حَتَّى تَقَعَ عَلَيْهِ حقيقة الْعُيُونِ، أَوْ مَعْرِفَةُ الْقُلُوبِ معنوياً.[٣]
الاستنباط اصطلاحاً
يقال استنبط الفقيه بمعنى: استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه،[٤] والاستنباط عند ابن القيم -رحمه الله-: "استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد"،[٥] وعرفه الإمام النووي -رحمه الله- بقوله: "الاستنباط استخراج ما خفي المراد به من اللفظ".[٦]
ومن خلال ما سبق يمكن تعريف الاستنباط كذلك بـ: "استخراج ما خفي من النصِّ القرآني من المعاني، والأحكام، والفوائد، واللطائف بطريق صحيح"،[٧]
ويقصد من التعاريف السابقة أنَّ الاستنباط عملية فكرية يقوم بها المجتهد الفقيه؛ حيث يُعمل عقله وفكره فيصل به إلى غاية التدبّر والتأمُّل في النصِّ الشرعي.
وليستخرج منه أحكاماً شرعية تدخل تحت دلالة هذا النص ومقاصده، ولا يقال عن الحكم الوارد في النص الصريح واضح الدلالة استنباطاً؛ كقوله -تعالى- في حلِّ البيع: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)؛[٨] لِشدَّة وضوحه.
بل إن الأمر أكثر من ذلك؛ فإن العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، علاقة متناسبة حيث يبذل طالب الماء الجهد لاستخراج الماء، وكذلك الفقيه المجتهد يبذل جهده العقلي لاستخراج الحكم الشرعي، كإدخال لفظ خاص تحت لفظ عام، أو تخصيص عام بعلٍّة تستدعي التخصيص من خلال ضوابط محددة.
أهمية الاستنباط في الفقه الإسلامي
تظهر أهمية الاستنباط في الفقه الإسلامي في عِدّة نقاط، ومنها ما يأتي:[٩]
- فهم القرآن الكريم والسنة النبوية
حيث أن الاستنباط هو التدبُّر والإمعان بالنظر في نصوص القرآن والسُّنَّة، والتعمق فيها للحصول على مكنوناتها التي تحملها، واستخراجها لعامة الناس ليستفيدوا منها.
- الاستنباط يعطي ألفاظ النصوص الشرعية حقَّها الوافي
في التأمل والنظر والتدبُّر، وهو ما عليه جمهور المفسرين وشُرَّاح الحديث.
- الاستنباط سبب لتحصيل العلم
مما يؤدي إلى وصول المستنبط إلى درجة العالمية التي يرفعه الله بها، يقول الله -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).[١٠]
- الاستنباط هو الأداة الرئيسية للشريعة الإسلامية
في إعطاء النوازل والمستجدات أحكامها الشرعية الخاصة بها، مُستنبطاً العلل التي تتناسب مع النصوص التابعة لها فيقوم بإلحاقها به؛ حيث إن قلَّة النصوص الشرعية، مع كثرة المستجدَّات والنوازل تستدعي إعمال الفكر؛ لإلحاق ما استجدَّ بالنص الذي يلائمه.
- كل ذلك إنّما يصبُّ في إظهار محاسن الشريعة
وبيان صلاحها لكل زمان ومكان، بل إنَّ الزمان والمكان لا يصلحان إلاّ بهذه الشريعة الغراء؛ التي تتلاءم مع كلّ ما يستجدّ من أحكام ونوازل ووقائع بين الناس.
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية:83
- ^ أ ب الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 141. بتصرّف.
- ↑ الجصاص، أحكام القرآن، صفحة 270. بتصرّف.
- ↑ أسماء ناصر، الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ ابن القيم، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، صفحة 1119.
- ↑ النووي، تهذيب الأسماء واللغات، صفحة 158. بتصرّف.
- ↑ أسماء الناصر، الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير، صفحة 25.
- ↑ سورة البقرة، آية:275
- ↑ أسماء النَّاصر، الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير، صفحة 32-34. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية:11