تعريف الحدث التاريخي

كتابة:
تعريف الحدث التاريخي

مفهوم الحدث التاريخي

تعددت آراء العلماء في تعريف التاريخ بصورة عامة إلا أنَّهم اتفقوا أنَّه "الإعلام بالوقت" ويُمكن تعريفه كما جاء به ابن خلدون في مقدمته:

"خبر عن الاجتماع الإنساني الَّذي هو عمران العالم وما يعرّض لذلك العمران من الأحوال مثل التَّوحّش والتَّأنّس، والعصبيات وأصناف التَّقلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من المُلك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعايش، والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران من الأحوال."[١]


وتُعرّف مفردة الحدث بالعودة إلى القواميس القديمة على أنَّها "ما وقع، ما له أهمية، أو الواقعة ذات الطبيعة غير العادية"، وبذلك يُمكن تعريف الحدث بثلاثة تعاريف مختصرة كما جاء به المؤرخ بول ريكور في مقاله "عودة الحدث"؛ ففي المعنى الأول نجد الإشارة إلى كلِّ ما يقع: سواء ظهورًا ووقوعًا، أي أنَّه في كل يوم يحدث شيء ما، ويرتبط هذا المعنى بالظهور الفيزيائي للحدث.[٢]


أمَّا المعنى الثَّاني للحدث: هو أنَّه ينبغي أنْ يُتّفق على كونه واقعة وحدثاً مهم بشكلٍ كافٍ من طرف المعاصرين.[٢]والمعنى الثَّالث: وهو أمر اختيار الأحداث وترتيبها، أو كما أسماه ريكور وضع الحُبكة وبذلك يمكن القول إن مصطلح الحدث مرتبط ارتباطًا وثيقاً بمفهوم التَّاريخ، حيث إن التَّاريخ من دون الحدث يدخل نفق أزمة فقدان هويته.[٢]


تدوين الحدث التاريخي

كانت بداية تدوين الحدث عندما اكتشفت التحريات الأثريَّة مجموعة من النقوش المهمة والقديمة ومجموعة من الوثائق والسِّجلات الَّتي تعود بفترتها إلى ما قبل الإسلام، واعتُمِد حفظ ما سبق من أخبار ومعلومات عن طريق روايات شفويَّة تُنقَل وتتداول على ألسنة القصاص والرواة والإخباريين.[٣]


ثمَّ تطور التَّدوين التَّاريخي وبرزت البدايات المُبكرة للكتابة التَّاريخية المنظمة عندما كان الخليفة معاوية بن أبي سفيان يأمر غلمانه بتدوين أخبار العرب وغيرهم تحت عنوان (كتاب الملوك وأخبار الماضين) نقلًا عن لسان حبر الأمة عبد الله بن العباس،[٤]وسلك المؤرخون في فترة ما بعد الإسلام وتحديدًا في العصر العباسي أنماطاً متنوعةً لا يُمكن حصرها في التَّدوين التَّاريخي، وفيما يلي نذكر الأنماط الرئيسيَّة في الكتابة التَّاريخيَّة ومنها ما يأتي:[٥]

  • الكتابة التَّاريخيَّة على نمط التَّاريخ العام العالمي.
  • الكتابة التَّاريخيَّة في إطار مفتوح.
  • الكتابة التَّاريخيَّة في إطار النَّسب.
  • الكتابة التَّاريخيَّة في إطار التراجم.
  • الكتابة التاريخية في إطار الأُسر والسُّلالات الحاكمة.
  • التاريخ المحلي (تاريخ المُدن أو الأقاليم أو البلدان).


تفسير الحدث التَّاريخي

يختلف الموقف الإسلامي إزاء التَّفسير التَّاريخي عن ما يُقابله من مواقف في التَّفاسير الوضعيَّة الفلسفية،[٦]فيُستمَد التَّفسير الإسلامي للتَّاريخ من الإسلام: من المقررات الإسلاميَّة الرَّبانيَّة الَّتي تشرح مفهوم الوجود كله، سواء الوجود الإلهي أو الإنساني أو المادي ويُقرر أنَّ التَّاريخ البشري هو تحقيق للمشيئة الرَّبانية حسب سُنن معينة يُجري الله بها قدرُه في الحياة الدُّنيا.


أما فيما يتعلق بالتَّفسير التَّاريخي الغربي، فإنه يشهد تفسيرين للتاريخ أحدهما التَّفسير المثالي للتاريخ "هيغل" والثَّاني هو التَّفسير المادي للتاريخ "ماركس" نجد أنَّ هيغل قد أصرّ على تفسير التَّاريخ بأنَّ كلُّ ما يحصل في العالم المادي الحقيقي ما هو إلا مجرد انعكاس لا إرادي لتقدم وتطور روح العالم (خطة المشيئة العُليا)، ونجد أنَّ ماركس أكدّ حقيقة العالم الخارجي وبيّن أنَّ المُثل العليا والأفكار عند بني الإنسان إنَّما هي نِتاج البيئة الاقتصاديَّة والماديَّة وما يحصل عليها من تغييرات أي ليس لها وجود مستقل خاص بها.[٧][٨]


الحدث التَّاريخي في الدِّراسات التَّاريخيَّة المعاصرة

الحوليِّات وعلاقتها بالحدث التَّاريخي

تُعد مدرسة الحوليات إحدى المدارس المعاصرة لتأريخ الأحداث التَّاريخيَّة، وتعود ولادة هذه المدرسة للعدد الأول من مجلة "حوليَّات التَّاريخ الاقتصادي والاجتماعي" الَّتي كان لها الدور الأكبر في التحوّل من مجرد مجلة إلى مدرسة تاريخيَّة رائدة طُوّرت على أيدي مؤرخين فرنسيين في القرن العشرين.[٩]


وشجّع المؤرخ الفرنسي لوسيان فيفر -أحد مطوّري الحوليَّات- المدرسة لأخذ توجه جديد يتجسد بإشراك تاريخ العلوم الإنسانيَّة إلى جانب تاريخ الاقتصاد والاجتماع، وتوجيهها للاهتمام بالشَّأن التّضحليلي للمؤرخ بدلاً من إعطاء الأولويَّة المطلقة للوثيقة والحدث.[٩]ومن هنا كانت بداية اختفاء التَّاريخ التَّقليدي الَّذي يهتم بنخبة المجتمع والشُّؤون السِّياسيَّة وبروز التَّاريخ الاجتماعي الَّذي يهتم بالكُتل الَّتي ظلت على هامش السُّلطات.[٩]


بذلك كانت المدرسة قد رفضت الحدث والفرد والسَّرد واتجهت لاستثمار مواضيع جديدة لُخّصت في عبارة "الواقعة الاجتماعية الشاملة" بدلًا من عبارات "التاريخ الحدثاني" و"التاريخ السياسي" و"تاريخ الوقائع"، وفي عام 1946 غيّر فيفر اسم المجلة ليصبح "الحوليات: اقتصاديات - مجتمعات - حضارات".[٩]


عودة السَّرد

تأثرت كل من الكتابة التَّاريخيَّة والرِّواية التَّاريخيَّة ببعضهما البعض في القرن التَّاسع عشر، فيُمكن أنْ تُعرّف الرِّواية التَّاريخيَّة على أنَّها عمل سردي يرمي لإعادة حقبة من الماضي بطريقة تخيلية كما أنَّها تستعير من التَّاريخ أحداثه الكبرى وتستمد منه أبطالها وأزمنتها وأماكنها.[١٠]


إلا أنَّ الرِّواية بصورتها العامة تُعتبر جنساً أدبيًا يقوم على التَّخييل والإبداع الفني، وبذلك فإنَّ الكتابة التَّاريخيَّة عملت دائمًا ولمدة طويلة على مقاومة التَّخييل فيها وازدرائه، تمامًا كما قامت به مدرسة الحوليِّات في القرن العشرين، ثمَّ جاء الاتجاه الفينومينولوجي (علم يدرس خبرة الوعي وخبرته بالأشياء وخبرته بذاته) ليُعيد الاعتبار للخيال والمُتخيل، فسعى لحل مختلف الاختلافات بين السَّرد والتَّاريخ مبيّناً أنَّ التَّاريخ دون الخيال ما هو إلا زمانٌ لا إنسانيّ.[١٠][١٠]


ولقي السَّرد ترحيبًا بعودته بعد استبعاد طويل من قبل المؤرخين باسم الوصول إلى الحقيقة وباسم تأسيس الفيزياء الاجتماعية، وها هم الآن يعترفون بأهمية البعد السَّردي في التَّاريخ من جديد.[١٠]


انبعاث الحدث

بعد أنْ تعرَّض التَّاريخ الحدثي لانتقادات لاذعة من مؤسسي مدرسة الحوليَّات الأوائل ورفضهم له بشكل قطعي، وبعد أنْ ظهر الجيل الثَّاني من ذات المدرسة بمفاهيم جديدة تناغمت مع موضة المنهجية البنيوية مثل مفهومي التَّاريخ الجامد والزمن الطويل، أصبح الحدث عنصرًا مشوشًا في التَّاريخ الطَّويل الَّذي يهتم بالبنيات الكبرى.[١١]


اهتم المؤرخ فرانسو دوس آنذاك في الحدث وفي تعزيز مكانته، فأصدر كتابه الجديد بعنوان انبعاث الحدث، ووضح فيه أزمة الهوية الحقيقيِّة في الكتابة التاريخيِّة والمأزق الَّذي أصبح فيه التَّاريخ بعد انفتاحه على العلوم الإنسانيَّة ومعرضًا إياه لخطر الضياع، وبيّن أنَّ الخلاص الوحيد لمهنة المؤرخ هو أنْ يَعود التَّاريخ من جديد وذلك بعودة الاعتراف بالحدث الَّذي يُشكل هوية التَّاريخ الحقيقيَّة كما كانت في الماضي.[١١][١١]

َ

أحداث تاريخيَّة غيرت مجرى العالم

يُعتبر التَّاريخ سجلاً كبيراً وعريقاً لكلّش تفاصيل الحياة بكافّة وقائعها ووصف أحداثها وكلِّ ما جرى فيها، وفيما يلي نذكر 3 من أبرز الأحداث التَّاريخيَّة الَّتي سُجّلت من واقع الحياة وغيرت مجرى العالم بحدوثها:[١٢]


هجرة نبي الإسلام، محمد -صلى الله عليه وسلم- (622م)

بعد أنْ تم نزول الوحي جبريل على النَّبي في غار حراء، بدأ -صلى الله عليه وسلم- مسيرة دعوة قومه بأنْ يتركوا عبادة الأصنام الَّتي ليست إلا من صنع البشر ويعبدوا الله وحده لا شريك له الَّذي خلقهم ورزقهم، لكنَّ ما كان من معظم قومه في مكة وما جاورها إلا أنْ كذبوه وآذوه وقاوموه هو ومن تبعه من قلة قليلة حتَّى اضطر بعضهم للهجرة إلى الحبشة.


وصلت محاولات قريش في إيذاء الرَّسول إلى الذِّروة واستقر بهم الرَّأي إلى أنْ يجمعوا أشد رجال القبائل كلها ويقتحموا داره ويضربوه ضربة رجلٍ واحد حتَّى يتفرق دمه بين القبائل، وهنا جاء الوحي جبريل محذرًا الرَّسول ومبلغًا إياه تفاصيل مؤامرة قومه المشركين لاغتياله وأمره بالهجرة من مكة إلى المدينة، ونجح -صلى الله عليه وسلم- بالوصول إلى المدينة سالمًا يوم الاثنين في 12 من شهر ربيع الأول من عام 622م واستقبله أنصار المدينة مستبشرين، وعلى الرُّغم من أنَّه كان ليهود المدينة في عدائهم لدعوة الإسلام شؤون ذات شجون، إلا أنَّه انتهى بهم الحال إلى الجلاء من المدينة قبيلة تلو الأخرى لخيانتهم العهود والوعود.


بذلك لم يستطع مشركو مكة ولا يهود المدينة أنْ يتمكنوا من إطفاء نور الله، وكان للهجرة النبويَّة الشَّأن الحاسم في ظهور الإسلام واستمرار الدعوة لدين الحق حتى شملت مساحات شاسعة من أرض العالم الَّتي غمرها نور الإسلام حتَّى يومنا هذا.


تحرير العبيد عام 1863م

دخل مفهوم العبوديَّة إلى أمريكا بدءًا من عام 1619 واستدعت الحاجة الملحّة لزراعة القطن في ولايات الجنوب إلى زيادة صفقات تجارة العبيد وزيادة أعدادهم فيها على عكس الحال في الولايات الشَّماليَّة؛ حيث كانت أعداد العبيد فيها تزداد ببطء شديد، ومن هنا بدأ القادة وكبار المسؤولين في ولايات الشَّمال ينادون بتحرير العبيد بينما كان مسؤولو الجنوب ينادون بالنَّقيض تمامًا وذلك تماشيًا مع مصلحتها في زراعة وجني وإنتاج القطن الَّذي كان المحصول الرئيسي في ولايات الجنوب آنذاك.


نظراً لأنَّ أيَّ مناقشة لم تكن مجديةً لحسم هذا الخلاف بين طرفيّ الولايات، وكانت الحرب هي الوسيلة الوحيدة لحسمه، وأسفر عن هذه الحرب قرار الكونغرس بإلغاء مفهوم العبوديَّة في عام 1862م من كلِّ أراضي الولايات المتحدة، وفي يناير من عام 1863م وبعد حرب طاحنة بين الشَّمال والجنوب، تمكّن لنكولِن قائد جيش الشَّمال ورئيس الولايات المتحدة من تحرير كلِّ العبيد في ولايات الشَّمال والجنوب وكلِّ أنحاء أمريكا.


المراجع

  1. ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، صفحة 14. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت فرانسو دوس، انبعاث الحدث، صفحة 169. بتصرّف.
  3. د فاروق عمر فوزي، التدوين التاريخي عند المسلمين، صفحة 37 49 50. بتصرّف.
  4. د فاروق عمر فوزي، التذوين التاريخي عند المسلمين، صفحة 49. بتصرّف.
  5. د فاروق عمر فوزي، التدوين التاريخي عند المسلمين، صفحة 73-74. بتصرّف.
  6. عماد الدين خليل، التفسير الإسلامي للتاريخ، صفحة 19. بتصرّف.
  7. عماد الدين خليل، التفسير الإسلامي للتاريخ، صفحة 42. بتصرّف.
  8. محمد قطب، حول التفسير الإسلامي للتاريخ، صفحة 3-6. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث خالد طحطح، الكتابة التاريخية، صفحة 86-86. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث خالد طحطح، الكتابة التاريخية، صفحة 121-125. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت خالد طحطح، الكتابة التاريخية، صفحة 132-133. بتصرّف.
  12. علي الجوهري، أحداث تاريخية غيرت مجرى العالم، صفحة 35-179. بتصرّف.
5605 مشاهدة
للأعلى للسفل
×