محتويات
الحضارة
يمكن أن تكون كلمة الحضارة بمعناها اللغويّ والاصطلاحيّ، إحدى الكلمات التي تشكل محورًا جدليًا عامًا بين العلماء، فالكثيرون حاولوا أن يعرّفوها ويوصّفوها، وهذا ما خلق نوعًا من التفاوت بين ما وصلوا إليه، ومن باب جمع الشتات ينقل المقال في هذه الكلمات ما يمكن أن يلخص ذلك الجدل، فالحضارة هي مجموع السلوكيات التي يكتسبها الإنسان في أي مجتمعٍ من المجتمعات، ناقلًا مكتسباته تلك من الجيل الذي يكبره سنًا، ومورثًا إياها -إلى جانب ما تعلمه بنفسه- إلى الجيل الذي يليه، وهكذا؛ ويمكن القول بأن الحضارة ضد البداوة وهي المدنية، وعلى هذا فإن المقصد لجر الحديث حول الحضارة، هو ما يقدمه فهم هذا المصطلح من فهمٍ لموضوع المقال الرئيس حول تعريف الحضارة الإسلامية.[١]
الإسلام
الإسلام إقرارٌ واعتقادٌ خالصٌ من القلب، بتوحيد الله، ونبوة محمدٍ -صلّى الله عليه وسلم- وبالبعث، وهو الالتزام بكل ما جاء به الرسول الكريم، فالإسلام على ذلك، أن يسلّم المرء ويقرّ بأن عالمه المادي الذي يعيش وبكل ما فيه، ليس هو العالم الكامل، وإن لهذه الحياة ما يتمها، فهنالك خالقٌ واحدٌ أوجد الوجود كله، وإليه المعاد، وأن يقرّ الإنسان بأنه لم يُوجِد الأشياء حوله، بل ليس هو من أوجَد ذاته، فيؤمن بالله وأنه خالق كل شيء، ويعرف في قرارة نفسه بما ينعكس عليه، أن هذا الإله يحيي ويميت، فلا شيء يشبهه، وبأنه "قديمٌ لا أول له، وباقٍ لا أخر له، وقادرٌ لا حدود لقدرته"[٢]، ولتمام العلم بأمر الإسلام يكفي أن يحضر في الأذهان ما يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- أنه قال: "بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ."[٣]
تعريف الحضارة الإسلامية
إن الحضارة الإسلامية العظيمة استمدت وجودها ورقيها من الوحي السماوي الموحى إلى الرسول العظيم محمدٍ -صلّى الله عليه وسلم- إضافةً إلى ما استخدمته هذه الحضارة من الإرث الحضاري الذي سبق، ولهذه الحضارة استمرارها المتصل الذي امتد ما يربو على العشرة قرون -ليس بكونها حضارةً موجودةً فخسب، بل بكونها أرقى حضارةٍ إنسانيةٍ في وقتها- مقوماتٌ أساسيةٌ حافظت على ارتقائها، واستمرار حسنها، من رجالٍ حملوا هم هذه الحضارة، وتبنوا سبيلها ومنهجها، وجاهدوا وبذلوا في سبيل رقيها ودوامها، فأي تعريفٍ للحضارة الإسلامية لا بد يذكر هذا الفضل لعزم الرجال.[٤]
إن تعريف الحضارة الإسلامية، يذكر أنها قامت على منهجٍ من صحيح الوحي -وهو المعصوم عن التحريف والتخريب- والسنة النبوية الشريفة، وعملت مع ذلك على استخلاص أخيَر ما سبقها وجاورها من حضاراتٍ، ثم انطلقت من هاتين الركيزتين، إلى العلوم الإنسانية، فبرعت فيها، وابتدعت على أساسها مخترعاتٍ ومنجزاتٍ على كافة الصعد والعلوم، إنسانيةٍ أو أدبيةٍ أو شرعيةٍ أو تطبيقيةٍ.[٤]
أثر الحضارة الإسلامية على حضارات العالم
فيما سبق من تعريف الحضارة الإسلامية، كان لا بُدّ للقارئ الكريم أن يتصور أن هذه الحضارة الإسلامية العظيمة -بتعريفها المذكور، أو ما هو أصلًا راسخٌ في الأذهان- لم تك لتقف عند حدود دولة الإسلام التي احتضنتها فحسب، وفيما يأتي ذكرٌ لأبرز آثارها ومناقبها على الحضارات الإنسانية في العالم[٤]:
- استخلاص العلوم من ذاتها ومن الحضارات السابقة والمجاورة، ثم العمل على شرحها وتوضيحها وتبويبها وتوضيبها، وبما يتناسب مع عصرها، مقدمةً ذلك للعالم أجمع دون احتكارٍ أو غبنٍ، ولا ينكر دارسٌ للتاريخ -أو مطلعٍ عليه- ذلك التراجع الحضاري المعرفي الذي عاشته أوروبا في عصورها المظلمة آنذاك.
- قدمت الحضارة الإسلامية ما غيّر مسالك الحضارة الإنسانية، إن كان من خلال ما قدمته من إبداع علميٍّ معرفيٍّ، أو من خلال النظريات والمدارس العلمية والفكرية.
- حررت الحضارة الإسلامية العقل البشري من الأغلال التي كانت تقيده، حيث كانت حضارتٌ أخرى ترفض بأغلالها مبتدعاته وتحاربه، ثم لا تقف على ذلك فحسب، بل كانت تتهم المفكرين وأصحاب العقول، بالهرطقة والجنون، والكفر والمجون، فهدمت الحضارة الإسلامية ذلك، مبينةً أن استخدام العقل جزءًا لا يتجزأ من الدين والعبادة.
مقومات الحضارة الإسلامية
يمكن تعريف الحضارة الإسلامية -مرةً أخرى- بأنها الحضارة التي جعلت الحالة المادية والحسيية وما ينجزه الإنسان من تطورٍ ماديٍ مرتبطًا بالأخلاق والتقوى، موجهةً ذلك إلى خدمة الإنسانية وحمايتها من الفساد، الأخلاقي والمعرفي، وعلى هذا فإنّ ثمّة مقوماتٌ للحضارة الإسلامية، أهمها يمكن أن يُلخص فيما يأتي[٥]:
- قيام الحضارة الإسلامية على المفهوم العميق للإسلام، فروح هذه الحضارة إرثها الديني متمثلًا بالقرآن الكريم وسنة النبي الكريم محمدٌ -صلّى الله عليه وسلم- وهما ما وضح لهذه الحضارة الإسلامية غايتها وأهدافها، فكان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مدادها ومنبع أهدافها، فحددا أعمالها، وأمداها بالقوة والثبات والتماسك.
- قيام الحضارة الإسلامية على مبادئ مهمة يمكن تلخيصها -على كثرتها واتساعها- بما يأتي:
- السماحة: التي تعني قبول الآخر، برأيه ودينه ومعتقده، فلا تحارب من يخالفها، معطيةً إياه حريته، مالم تمس تلك الحرية بقيم المجتمع، وتهدد أمنه ومبادئه.
- الإنسانية: تراعي الحضارة الإسلامية حاجات الإنسان، وطباعه، فتعطيه ما يمكنه من الاستمرار في الحياة، ضمن ضوابط تستمدها من الشريعة الإسلامية الرحبة، وتحثه على العمل إلى جانب العبادة، فتوازن بهذا بين الروح والجسد، وبين الحياة والمعتقد.
- العالمية: ومعناها أن الإسلام رحبٌ لا يضيق بأهله، فهو للناس كافةً، عربهم وعجمهم، سودهم وبيضهم، وهو على ذلك كله صالحٌ لكل زمانٍ ومكانٍ.
- البساطة: تقوم الحضارة الإسلامية -إلى جانب ما تقدم ذكره من مقوماتٍ وتعريفٍ للحضارة الإسلامية- على مبدأ البساطة والليونة، متجنبةً التعقيدات التي من شأنها أن تعيق البناء والتقدم، وتأخر الأثر وتضيع الجوهر.
المراجع
- ↑ رالف لنتون، أحمد فخري، أحمد الشلق (210)، شجرة الحضارة .. قصة الإنسان منذ فجر ما قبل التاريخ حتى بداية العصر الحديث (الطبعة الأولى)، القاهرة- مصر: المركز القومي للترجمة، صفحة 29، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ علي الطنطاوي (1989)، تعريف عام بدين الإسلام (الطبعة الأولى)، جدة- السعودية: دار المنارة، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ^ أ ب ت عبد الحليم عويس (2010)، الحضارة الإسلامية : إبداع الماضي وآفاق المستقبل (الطبعة الأولى)، القاهرة- مصر: الصحوة، صفحة 3،4. بتصرّف.
- ↑ أنور الجندي، الحضارة في مفهوم الإنسان، القاهرة- مصر: الأنصار، صفحة 6،8،9. بتصرّف.