تعريف الدين
تعريف الدين لغة
جاء عن أحمد بن فارس في كتابه مُعجم مقاييس اللُّغة أنّ حُروف الدال والياء والنون تدلّ على الانقياد، وتُطلق كلمة الدين في اللّغُة على عدّةِ معانٍ، وفيما ياتي بيانها:[١]
- الاستعلاء، والقهر، والغلبة ممن هو في سُلطة عُليا: فيُقال: دِنتُهم فدانوا؛ أي قهرتهم فأطاعوا، ومنهُ اسم الله -تعالى- الدّيّان؛ أي الذي يقهر الناس على الطاعة ويحكمهم، وجاء عن ابن منظور أن اسم الله -تعالى- الدّيّان يعني: القهّار.
- الطّاعة والانقياد، والخضوع والذّل: فيُقال: دان له؛ أي انقاد له وأطاعه وخضع لأمره، وجاء عن الزُبيديّ أنّ هذا المعنى هو الأصل في معنى كلمة الدّين في اللُّغة؛ لأنّ الدين يعنى الطاعة والخُضوع لله -تعالى-، وفسّر الخطابيّ كلمة الدين بهذا المعنى، وكذلك تكون بنفس المعنى إذا عُدّيت الكلمة بالّلام، فيُقال: دان له.
- الجزاء والمُكافأة والحِساب: فيُقال دانه؛ أي جازاهُ وحاسبه، ومنه اسم الله -تعالى- الدّيّان؛ أي المُجازي، ومنهُ قولهُ -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَق)؛[٢] أي حسابهم، وإذا عُدّيت الكلمة بنفسها فقُلنا: دانهُ ديناً؛ فتعني: المُلك، والحُكم، والقضاء، والقهر، والمُحاسبة، والجزاء، والأمر، والإكراه، والغلبة، والاستعلاء، والسلطان، وما في معناها.
- العادة والشّأن والطريقة والسيّرة: فيُقال: هذه ديني وديدني؛ أي عادتي ودأبي، وجاء عن الزّبيديّ أن هذا المعنى هو الأصل في كلمة الدين، فيُقال: إنّ النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- كان دين قومه؛ أي على عادتهم من الشجاعة والكرم وأخلاقهم الحميدة، وليس المعنى ما كانوا عليه من عبادة الأصنام والشرك بالله -تعالى-، وتُطلق كلمة الدين على العادة؛ لأنّ النّفس إذا اعتادت شيئًا مرنت معه وانقادت له، وكذلك تُطلق على نفس المعنى إذا تعدّت بحرف الباء، كأن يُقال: دان به.[٣]
- ما يتديّن به الرّجُل ويعتقده: فيُقال: دان بالإسلام ديِنًا وتديّن به؛ أي اتّخذه ديناً وتعبّد به، والدين يعني الملّة، ويعني الانقياد والطاعة والاستسلام للشّريعة، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلام).[٤][٥]
تعريف الدين اصطلاحاً
عرّف عُلماء المُسلمين كلمة الدين في الاصطلاح بعدة تعاريفٍ كُلّها تدورُ حول معنى اتّباع الإسلام، واتّباع ما جاء عن النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- في جميع نواحي الحياة، سواءً التّعبُديّة، أو الاعتقاديّة، أو الفكريّة، أو العمليّة، وغير ذلك من نواحي الحياة، فالدّين الحق؛ هو الدين المُستند إلى شرع الله -تعالى- وسُلطانه، وما كان غير ذلك فهو باطل، لِقولهِ -تعالى- لنبيّه عندما عرض عليه المُشركون عبادة الأصنام: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين)،[٦] وقال ابن تيمية: إنّ الدين يعود إلى أصلين هُما: عبادة الله -تعالى- وحده، وأن تكون هذه العبادة كما شَرَع، لِقولهِ -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، وقال الله -تعالى-: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).[٧][٨] ومن تعريفات الدين عند عُلماء المُسلمين في الاصطلاح ما يأتي:[٩][١٠]
مراتب الدين
يُقسم الدين إلى ثلاثة مراتب، وجاءت هذه المراتبُ الثلاثة في جواب النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لجبريل -عليه السلام-: (قالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ)،[١١][١٢] وهذه المراتب كما يأتي:[١٣][١٤]
- الإسلام: ويعني اتباع أوامر الله -تعالى- والاستسلام له في الظاهر، وهو على عدّةِ مراتب أو درجات، فيشمل: الاستسلام بالتّوحيد لله -تعالى-، والخُضوع له بالطّاعة، والبراءة من الشرك وما يُناقض الطّاعة، وهو أوسع مراتب الدين، بحيث يدخل فيه المُسلم وغيره، حيثُ يدخُلُ تحته المُنافقون الذين يلتزمون بأحكام الإسلام في الظاهر دون الباطن.
- الإيمان: ويعني التّصديق بالقلب، وهو أعلى من مرتبة الإسلام، وليس كُلّ المؤمنين على درجةٍ واحدةٍ، بل يكونُ هُناك تفاوتٌ فيما بينهم، وورد ذكرُهم بقولهِ -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).[١٥]
- الإحسان: ويعني أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وهو أعلى مراتب الدين.[١٦]
المراجع
- ↑ محمد أحمد ملكاوي (1985)، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: مكتبة دار الزمان، صفحة 90-95. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 25.
- ↑ سعود بن عبد العزيز الخلف (2004)، دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (الطبعة الرابعة)، الرياض: مكتبة أضواء السلف، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 19.
- ↑ القاضي أبو بكر الباقلاني (1987)، تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل (الطبعة الأولى)، لبنان: مؤسسة الكتب الثقافية، صفحة 387. بتصرّف.
- ↑ سورة الكافرون، آية: 6.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 83.
- ↑ سورة الكهف، آية: 110.
- ↑ محمد أحمد ملكاوي (1985)، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: مكتبة دار الزمان، صفحة 96-98. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن سيف الدين تركستاني، الحوار مع أصحاب الأديان مشروعيته وشروطه وآدابه، السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 11-12. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ↑ سعيد بن مسفر بن مفرح القحطاني، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 4، جزء 23. بتصرّف.
- ↑ عمر سليمان الأشقر (1994)، نحو ثقافة إسلامية أصيلة (الطبعة الرابعة)، عمان - الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع، صفحة 76-77، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ صالح بن فوزان الفوزان (2006)، شرح الأصول الثلاثة (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 159-160. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية: 32.
- ↑ محمد نصر الدين عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 26، جزء 8. بتصرّف.