تعريف السياسة في الإسلام

كتابة:
تعريف السياسة في الإسلام

تعريف السياسة في اللغة

السياسة في اللغة العربية هي مصدر الفعل ساس يسوس، ومعنى ساس: أمرَ ونهى ودبَّرَ، يقال: ساسَ الناسَ أي حكمهم وتولى قيادتهم وإدارة شؤونهم، وساسَ الأمورأي دبّرها وأدارها وقام بإصلاحها، وساسَ الدواب: روَّضها واعتنى بها.[١] وبهذا المعنى أنشدت الحُرَقَة بنت النعمان بن المنذر تقول: فبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ والأمْرُ أمْرُنَا، إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ.[٢]


تعريف السياسة في الإسلام

هل استخدم مصطلح السياسة في الثقافة الإسلامية المبكرة، وما هو تعريفها المختار؟

وردت كلمة السياسة كثيرًا في كتب الفقه والتاريخ والسير، وقد ألف بعض الفقهاء المتقدمين كتبًا متخصصه في هذا الموضوع، ومنها كتاب السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية، والأحكام السلطانية للماوردي، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء وغيرها، وقد تنوعت عبارات الفقهاء في تعريف السياسة، وخلاصتها أن السياسة في الإسلام هي: تنظيم أمور الدولة والعناية بمصالح وشؤون الرعية، داخل الدولة وخارجها.[٣]


وللتعرف أكثر على مفهوم السياسية الشرعية يمكنك الاطلاع على هذا المقال: مفهوم السياسةالشرعية


هل وردت كلمة السياسة في القرآن والسنة؟

لم ترد كلمة السياسة بهذا اللفظ في القرآن الكريم، ولكن وردت مرادفاتها مثل: الحكم والمُلك والتمكين والاستخلاف، فقد وردت بكثرة في آياته الكريمة، كقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ}،[٤] وقوله تعالى: {فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}،[٥] وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ}.[٦][٧]


وقد عُرف استخدام الفعل ساس يسوس ومشتقاته في السنة النبوية وآثار الصحابة باعتباره معنىً معروفًا في اللغة العربية، أما استخدام كلمة السياسة بصيغة المصدر بمعنى الحكم وإدارة شؤون الدولة، فقد يكون أول نصٍّ وردت فيه هو حوار عمرو بن العاص مع أبي موسى الأشعري،[٨] وذلك في واقعة التحكيم في صفين وهو يصف معاوية بن أبي سفيان بقوله: "إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة، الحسن التدبير".[٩]


وفي السنّة النبوية استخدم الفعل يسوس بمعنى الحكم، فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وسَيَكونُ خُلَفاءُ فَيَكْثُرُونَ قالوا: فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعاهُمْ".[١٠][١١]


ما هي خصائص النظام السياسي في الإسلام؟

الشمول

النظام السياسي في الإسلام يتماشى مع الشريعة الإسلامية في شموليتها، فهو يهتم بتنظيم وتدبير ما تحتاجه الرعية في كل جوانب حياتهم سواءً في الاعتقاد أوالعبادات أوالأخلاق، وكذلك في العلاقات البشرية في جميع مجالاتها ومستوياتها، فيما يخص شؤون الأسرة والأفراد، والمؤسسات والجماعات، وفي النواحي الاجتماعية والاقتصادية، والقضائية والجزائية، والتعليمية والبيئية، وفي العلاقات الدولية والعسكرية، وكل ما يدور حوله النشاط البشري وكل ما يحتاجه المجتمع.[١٢]


العدل والمساواة

العدل هو أساس الحكم في الإسلام، وهو أصل من أصول الشريعة الإسلامية، التي تضمن حصول كل إنسان في الدولة الإسلامية على حقوقه كاملة غير منقوصة، بقطع النظر عن أصله ودينه ومذهبه وعرقه، وقد قرر الله تعالى هذا الأصل في الحكم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}،[١٣] وقد أوجب الشرع المساواة في المعاملة، وساوى بين الرعية في ثبوت الحقوق والواجبات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمِنونَ تتَكافأُ دِماؤُهُم، وَهُم يدٌ علَى مَن سِواهم ، ويسعَى بذمَّتِهِم أدناهُم".[١٤][١٥]


الأخلاقية

النظام السياسي في الإسلام نظام أخلاقي، وفقًا للقاعدة التي قررها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ[١٦] فلا متسع فيه للنفعية السياسية التي تقوم على أن الغاية تبررالوسيلة، ففي النظام السياسي الإسلامي يجب أن تكون الغاية والوسيلة مشروعتين، وليس للنظام الحاكم في الإسلام أن يتنهج أساليب الخداع أو الكذب، أو التفرقة والاستبداد والطغيان.[١٢]

الشورى

الشورى هي صفة ملازمة للنظام السياسي الإسلامي، وهي صورة متكررة من صور الممارسة السياسية في الإسلام، وقاعدة من قواعده الكبرى، وصف الله بها الأمة، وقررها الإسلام في كل شأن من شؤون الحياة، ومارسها النبي -صلى الله عليه وسلم- في العديد من المواقف مع أنه مؤيد بالوحي، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}،[١٧] وقد اتصف حكم الخلفاء الراشدين بالشورى، فكان مجلس الحل والعقد عونًا لهم على اتخاذ القرارات الحاسمة.[١٨]


الطاعة الواعية

تقوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في النظام السياسي الإسلامي على الطاعة التامة، في المنشط والمكره، حتى لو خالفت رغبات الفرد الشخصية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}،[١٩] وقالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أطاعَنِي فقَدْ أطاعَ اللَّهَ، ومَن يَعْصِنِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصانِي"،[٢٠] ولكنها مع ذلك طاعية واعية مقيدة بالشرع، فلا طاعة للسلطة الحاكمة في أمرإذا خالفت فيه صريح الشرع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ".[٢١][٢٢]


المراقبة الأمينة

من خصائص النظام السياسي الإسلامي، الرقابة الشعبية الأمينة الواعية على أداء السلطة الحاكمة، وينبع ذلك من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن حق الرعية أن يراقبوا أداء السلطة، ويقدموا لها النصيحة متى خرجت عن تطبيق الشرع، قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}،[٢٣] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ، وكتابِه، ورسولِه، وأئمةِ المؤمنين وعامَّتِهم، وأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم"،[٢٤] ومع ذلك ينبغي أن يكون أسلوب النصح منضبطًا بالحكمة واختيار الوسيلة الحسنى التي لا يترتب عليه فتنة أو خروج على الشرع.[٢٥]


كما يمكنك التعرّف على مفهوم الإسلام السياسي بالاطلاع على هذا المقال: مفهوم الإسلامالسياسي

المراجع

  1. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، صفحة 2-- 1133. بتصرّف.
  2. أبو نصر الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، صفحة 4-- 1434. بتصرّف.
  3. الدكتور نعمان السامرائي (2000)، النظام السياسي في الإسلام (الطبعة 2)، صفحة 11. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:49
  5. سورة النساء، آية:54
  6. سورة الحج، آية:41
  7. عاطف متولي، صور الإعلام الإسلامي في القرآن الكريم، صفحة 138. بتصرّف.
  8. مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 595. بتصرّف.
  9. أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري، صفحة 68. بتصرّف.
  10. رواه البخاري ومسلم، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3455، حديث صحيح.
  11. محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، صفحة 2-- 247.
  12. ^ أ ب د. نعمان السامرائي، النظام السياسي في الإسلام، صفحة 31. بتصرّف.
  13. سورة النساء، آية:58
  14. رواه ابو داود والنسائي وأحمد، في السنن والمسند، عن علي بن ابي طالب، الصفحة أو الرقم:4530، حسنه ابن حجر.
  15. د. عبد العزيز الخياط (1999)، النظام السياسي في الإسلام - نظرية الحكم (الطبعة 1)، صفحة 83. بتصرّف.
  16. رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:20839، صححه الألباني.
  17. سورة آل عمران، آية:159
  18. د. عبد العزيز الخياط، النظام السياسي في الإسلام - نظرية الحكم، صفحة 89. بتصرّف.
  19. سورة النساء، آية:59
  20. رواه البخاري ومسلم، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2957، حديث صحيح.
  21. رواه البخاري، في الصحيح، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:7257، حديث صحيح.
  22. د. عبد العزيز الخياط، النظام السياسي في الإسلام - نظرية الحكم، صفحة 108. بتصرّف.
  23. سورة العصر، آية:3
  24. رواه أبو داود، في السنن، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4944 ، صححه الألباني.
  25. د. عبد العزيز الخياط، النظام السياسي في الإسلام ـ نظرية الحكم، صفحة 110. بتصرّف.
5091 مشاهدة
للأعلى للسفل
×