محتويات
تعريف القصة القصيرة
كيف يمكن أن نميّز بين فن القصّة والأجناس الأدبيّة الأخرى؟
تُعرّف القصة في معاجم اللغة بالحديث أو الخبر المسرود أو الجملة من الكلام، وهي أيضًا حكاية نثرية طويلة تُستَمدّ من الخيال أو الواقع أو كليهما، أما اصطلاحًا فقد عرفها كثير من النقاد منهم أولتبيرند بأنها: سرد نثري خيالي، ولكنه في العادة مقبول عقليًا، يجسد تغييرات في علائق بشرية، والمؤلّف يستمد مادته من تجربته في الحياة ومن ملاحظته لها، غير أنه ينتخب هذه المادة ويصوغها على وفق مقاصده التي تتضمن التسلية وكشف التجربة البشرية[١]، أمّا إبراهيم خليل فيعرف القصة بأنّها نوع من السرد اللغوي يصور قطاعًا من الحياة، ويقتصر على حادثة أو بضع حوادث يتألف منها موضوع مستقل بشخوصه ومقوماته، وتصوّر موقفًا تامًا من حيث التحليل والمعالجة والأثر الذي يتركه في المتلقي.[٢]
قد صاغ محمد يوسف نجم تعريف القصة القصيرة بأنها: تتناول قطاعًا أو شريحةً أو موقفًا من الحياة، يبرز فيها الكاتب شخصية رئيسة وكل ما يتصل بها من سمات وملامح[٣]، وقال سامي يوسف أبو زيد بأنَّ القصة فن أدبي غربي انتقل إلينا في عصر النهضة الأدبيّة الحديثة، ضمن فنون أدبية أخرى كالمقالة والرواية والمسرحية، وقد ترسّخت على أيدي كتاب أبرزهم: بلزاك، وموباسان في فرنسا، وإدجار ألن بو في أمريكا، وأنطون تشيكوف في روسيا.[٤]
يمكن أن نفرق بينها وبين الأجناس الأدبية الاخرى بقولنا إنّ الرواية: جنس أدبيّ ذات بنية شديدة التعقيد، متراكبة التشكيل، تتلاحم فيما بينها وتتضافر لتشكل في نهاية المطاف شكلًا أدبيًا جميلًا، والحكاية هي: قالب أدبي له مغزى خلقي وتعليمي، تنحو منحى الرمز في معناه اللغوي العام، ومعناه أن يعرض الكاتب شخصيات وحوادث على حين يريد حوادث وشخصيات أخرى عن طريق المقابلة أو المناظرة، وقد يستخدم الحيوان كشخصية رئيسة في هذه القصص الرمزية.[٥]
لقراءة المزيد، انظر هنا: الفرق بين القصة والرواية.
عناصر القصة القصيرة
عناصر بناء القصة يشكلّن معًا النسيج القصصي، فهن مرتبطات ببعضهن بعضًا، فالفكرة جزء من الحدث وهي أيضًا جزء من الشخصية ومن نسيج اللغة ومن الزمان والمكان فينتجن مجتمعات القصة القصيرة.[٦]
الحدث
تقوم القصة على سلسلة من الأحداث تجذب انتباه القارئ إليها، وتجعله يتتبّعها بلذة وشغف، ودور هذا الحدث هو الصراع الذي يدور بين الشخصيات أو بين الشخصية الرئيسة ونزعة من نزعات النفس أو فكرة أو قيمة أخلاقية اجتماعية، وهو السبب الرئيس والدافع الأساسي لقيام القصة وحدوثها، ويتكون من: "البداية" وفيها تبدأ القصة وغالبًا ما يكون استقرار ظاهر، ثم"الوسط" وفيه يشتد الصراع ‘لى أن يبلغ الذروة، وأخيرًا "النهاية" وتتجمع فيها عدة عوامل وقوى تتطور وتتشابك إلى أن تتضاءل.[٦]
الشخصيات
ما هي أنماط الشخصيّات في فنّ القصة؟
الشخصية في القصة القصيرة هي أهم عناصر القصة القصيرة، ولأنّ من خصائص القصة التركيز فإنّ الشخصيات فيها قليلة، وغالبًا ما تشتمل على شخصية رئيسة واحدة هي البطل، وعادة ما تدفع الأحداث هذا البطل إلى صراع مع شخصية أخرى تسمى الشخصية المضادة أو البطل المضاد، وأنواع الشخصية في القصة: الجامدة: وهي الشخصية التي لا يطرأ تغيير على بنيتها النفسية أو الاخلاقية إذ يبقى الشرير شريرًا والخيِّر خيرًا، وتكثر في قصص المغامرات والقصص البوليسية، والشخصية النامية: هي شخصية تتنامى مع الأحداث وتتطور بتطورها، وهي إذ تتفاعل مع هذه الأحداث خفية أو غير خفية، فإنها تنتهي بالغلبة أو الإخفاق، مع تأثير هذا التفاعل على تركيب الشخصية الداخلي في مختلف الأحوال.[٦]
الزمان
كل حدث لا بدّ أن يقع في زمان محدد، والتزام الكاتب بهذا العنصرضرورة مُلحّة لتأخذ القصة شكلها الطبيعي، ولا يظهر الاختلال في أحداثها أو شخصياتها، والكاتب المبدع يوحي لنا بأنّ الزمن الذي يتخيله هو زمنٌ واقعي بالرجوع إلى الوراء عن طريق التذكرأو التداعي، فنشعر أنَّ هذا الومن هو الزمن الماضي، وأنَّ الحديث عن مجريات القصة هو الزمن الحاضر.[٦]
المكان
كما أنَّ عنصر الزمان مهم في نسج أحداث القصة فإنَّ المكان لا يقل أهميةً أيضًا، والمكان الذي قد يعد مشاركًا في الفعل القصصي في بعض القصص حين يشكل قوة مضادة كما هو الحال في القصة التي يقوم الحدث فيها على الصراع بين البطل والبحر مثلًا، فهو إذًا يعمل على إضفاء جوّ طبيعيّ يحيا فيه القارئ، شرط أن يلتزم الكاتب بكل الظروف البئية والعادات والتقاليد.[٦]
الحبكة
هي نقطة الذروة التي تتأزم فيها الأحداث وتتعقد وهي العنصر الأساسي الذي يستند إليه عنصر التشويق، فكلما تأزمت الأحداث وتعقدت زادت نسبة التشويق لدى القارئ، أما أنواع الحبكة القصصية ففيها يبرز تعريف القصة القصيرة وعناصرها أهمية الحبكة القصصية، إذ تعدّ من أبرز العناصر التي تقيّم القصة من خلالها، وعليها يرتكز عنصر التشويق، فكلّما تأزمت أحداث القصة وتعقدت حبكتها كلما كان لها وقع في نفس القارئ، وتبعًا لذلك فإن أنواع الحبكة في القصة القصيرة هي:
- الحبكة المتوازنة: وهي الحبكة الاعتيادية التي يبدأ الكاتب فيها بعرض الأحداث حتى تبلغ ذروتها فتتأزم ثم تأخذ بالتفكك تدريجيًا حتى تبلغ نهاية القصة.
- الحبكة النازلة: وهي الحبكة التي يعمد الكاتب من خلالها للإطاحة بالبطل في سلسلة من الإخفاقات حتى نهاية القصة.
- الحبكة الصاعدة: وهي الحبكة التي يصل فيها البطل من نجاح إلى آخر حتى نهاية القصة.
- الحبكة الناجحة في النهاية: وهي الحبكة التي يواجه البطل من خلالها إخفاقات ومصاعب عديدة ولكنه ينتصر عليها في النهاية.
- الحبكة المقلوبة: وهي الحبكة التي يواصل فيها البطل تحقيق انتصارات مزيفة حتى إذا بلغ ذروتها هوى إلى الحضيض.
تختلف الحبكة من حيث نوعها وزمنيتها وطريقة سردها بين قصة وأخرى، وهي تقنيات سردية حديثة تعتمد على طبيعة القصة وأحداثها المدرجة والطريقة التي تعرض فيها وهي من حيث زمنية سردها على النحو الآتي:
- الزمن التاريخي: وفيه تنتظم الحبكة تبعًا للعرض التسلسلي الاعتيادي لها.
- الزمن النفسي: وهنا ينتظم زمن عرض الحبكة تبعًا للإحساس به وهو مرتبط بما يسمى بالمونولوج الداخلي.
- الارتجاع الفني: وفيه تبتدئ القصة من نهاية الحبكة والأزمة ثم تعود تنازليًا حتى البداية.
- التنبؤ القصصي: وفيها ترتب الأحداث بطريقة تهيّئ القارئ للأحداث التالية.
الحل
هي النهاية التي يعلن فيها الكاتب عن تحلحل عقد القصة وتفكّك حبكها مؤذنًا بمشارفة القصة على نهايتها، وقد يحذف هذا العنصر فيترك الكاتب نهاية القصة مفتوحة ليسمح للقارئ بالمشاركة في توقع نهاية للقصة وإيجاد حل لحبكتها. وليس الحل هو عملية ختم لأحداث القصة فحسب بل إن فيه التنوير النهائي للعمل القصصي الواحد المتماسك، ومن خلاله يقع الكشف النهائي عن أدوار الشخصيات ويتبغي على الكاتب أن يتجنب النهايات المفاجئة، أو النهايات غير المقنعة، التي تشبه جسماً غريباً أضيف إلى العمل القصصي لأن الواقعية تعد من أهم الخصائص الأساسية في العمل الفني.[٦]
الفكرة
هي شديدة الصلة ببقية عناصر القصة. والكاتب المبدع هو الذي يوصل القصة إلى القراء بطريقة غير مباشرة، فلا يلخصها بوصية أو طريقة وعظية، فالفكرة لا تعلن ولا تشهر، بل تصل إلى القارئ من خلال تتابع الأحداث وتفاعلها.
لقراءة المزيد، انظر هنا: ما هي عناصر القصة.
خصائص القصة القصيرة
تتميز القصة القصية عن غيرها من الأنواع الأدبية النثرية عامة، وعن غيرها من الأنواع القصصية الأخرى أيضًا بعدد من الميزات والخصائص التي بينتها الدراسة خلال تعريف القصة القصيرة وعناصرها ومنها:[٧]
- القابلية للاعتماد على الرواية السردية، أو الحوارية تبعًا لما تقتضيه القصة من مضمون وشخوص.
- سهولة الألفاظ ووضوحها وبعدها عن الزخرفة اللفظية والمحسنات البديعية.
- العالمية، إذ إنّها تُكتب في الغالب باللغة العربية الفصحى لتستوعب اللهجات العربية المتعددة ممّا يُسهم في انتشارها.
- حجمها الصغير ولغتها السهلة كانت سببًا في انتشارها الواسع على المستوى العالمي، عدد الكلمات في القصة القصيرة لا يقل عن خمس مئة ولا يزيد عن عشرة آلاف مفردة، والحجم ليس الحاسم في حدّ ذاته.
- الواقعية، فالكاتب في القصة يُحاكي الواقع الإنساني بغية إيصال الهدف وإحداث تغيير فكري أو سلوكي في المجتمع.
- خاصية التشويق، وهي الدافع الأساسي الذي يحث القارئ على قراءة القصة ومتابعة مجرياتها وقد أشير إليها آنفًا خلال تعريف القصة القصيرة وعناصرها.
- الإيجاز الذي تتخلله بعض التفاصيل الصغيرة التي من شأنها أن تضفي على الشخصيات طابع الواقعية.
- المراوحة بين ضمائر الخطاب والتكلم والغياب.
- تجنُّب استخدام التشبيه الأدبي والفني الذي قد يخرج القصة عن واقعيتها.
- إطلاق العنان للخيال.
- الوصف الدقيق للبيئة وللشخصيات، ممّا يُمكّن القارئ من تخيُّل مُجريات القصة والتفاعل معها.
للتعرّف على أهمّ روّاد فنّ القصة، انظر هنا: أهم رواد القصة القصيرة.
المراجع
- ↑ حسني محمود، فنون النثر العربي الحديث، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم خليل، الشعر الهربي الحديث، صفحة 49. بتصرّف.
- ↑ محمد يوسف نجم ، فن القصة، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ سامي يوسف أبو زيد، الأدب المقارن، صفحة 175. بتصرّف.
- ↑ سامي يوسف أبو زيد، الأدب المقارن، صفحة 229. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح سامي يوسف أبو زيد، النثر العربي الحديث، صفحة 161. بتصرّف.
- ↑ حسني محمود، فنون النثر الحديث، صفحة 14-18. بتصرّف.