تعريف المسرح الكوميدي

كتابة:
تعريف المسرح الكوميدي

ما هو تعريف المسرح الكوميدي؟

المسرح الكوميدي -أو الملهاة كما يُعرف عند كثير من الباحثين- هو الدراما التي تُحاكي حياة العامة من الناس، فتعرض تفاصيل حياتهم بتناقضاتها ضمن إطار مضحك ومسلٍّ، وتكون لغة هذه الكوميديا بسيطة بعيدة عن التّعقيد، وفي أغلب الأحيان تكون كتابتها باللغة العاميّة لتكون أقرب للمتلقي البسيط.[١]

تسخر هذه الكوميديا ممّا يعيشه البسطاء في الحياة الاجتماعيّة، وتسلّط الضّوء على ممارسات الأغنياء، وتنتهي غالبًا بانتصار الخير على الشّر أو زواج الحبيبين، بينما المسرح الكوميدي هو قصّة حواريّة تُمثّل على خشبة المسرح، يكون مضمونها كوميديًّا تُعنى بعرض ما يتعلّق بحياة البسطاء، للكشف عن معظم نواحي حياتهم بأسلوب لطيف.[١]

نشأة المسرح الكوميدي

مرّت المسرحيّة بمراحل متعدّدة قبل أن تصل إلى شكلها الحالي، فأوّل ما كانت عليه المسرحيّة هو الرقص المصحوب بالموسيقا في الاحتفالات الدّينية، ثمّ تطوّرت شيئًا فشيئًا إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي، وقد كان هذا التطوّر وفقًا لما يأتي:[٢]

المسرحية الإغريقية

ترجع الجذور الأولى للمسرحيّة التي نراها الآن في وقتنا الحالي إلى المسرحيّات اليونانية، فأوّل مسرحٍ إغريقي سُجّل في التّاريخ كان في عام "532 ق. م" وذلك عندما حصلت في "أثينا" مسابقة للمأساة، فجرت أولى المسرحيات في تلك الاحتفالات الدّينية التي كانت تقام تمجيدًا لإله الطّبيعة "ديونيسوس".[٢]

من هذه الاحتفالات المعروفة؛ حفلة الديونوسيا الروستي، وحفلة اللينا، وحفلة الديونوسيا الكبير، فبدأت هنا الجذور الأولى للمسرحية، حيث كانت عبارة عن حوار مغنّى تقوم به الشّخصيات مترافقًا مع الرقص، فسبب النشأة الأولى هو سبب ديني، ومن أشهر كتّاب المسرحيّات اليونانية: إيسخلوس، ويوريبيدس، وآريستوفانس.[٢]

المسرحية الرومانية

لم يعرف الرومانيون المسرحيّة إلّا بعدما انتقل الفنّ المسرحي الإغريقي إليهم، فاحتذوه وصنعوا عدّة مسرحيّات بنوعيها المأساة والملهاة، تحمل الخصائص ذاتها التي وجدت في مسرحيات المسرح الإغريقي.[٢]

لكنّهم لم يهتموا بالمأساة كاهتمام الإغريق، وبدأ تأليفهم حوالي منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، وأشهر كتّاب المسرح الرومان هم: بلوتس، وتيرينس، وسنيكا، كما ظهرت ألوان مسرحية أخرى كالتّمثيليّات الإيمائيّة.[٢]

المسرحية القروسطية

أصبح الكتّاب يستمدّون مسرحيّاتهم من الكتاب المقدّس في القرون الوسطى، فأصبحوا يمثّلون ما جاء في الكتاب المقدّس، وذلك مثل: قصة حياة المسيح، ومريم، وآدم، وإبراهيم، وحواء، ونوح، وذلك لإبراز الشّعائر الدّينية المسيحية.[٢]

نتيجة لذلك؛ ظهر عددٌ من الأعمال فاشتهر منها مسرحية الأسرار، وهذه المسرحيّات تكشف عن الصّراع الدّاخلي للإنسان بين الكبائر والفضائل السبع، وبقيت المسرحيّات هكذا إلى أن أتى شكسبير وجمع بين المأساة والملهاة في مسرحيّاته، وفي قدوم شكسبير خطت المسرحيّة خطوةً كبيرة نحو التّقدّم والتّطوّر.[٢]

المسرحية الكلاسيكية

ظهر هذا الاتّجاه في أوروبا في القرن الخامس عشر، ودعا إلى إحياء التقاليد الشّعبية "اليونانية والرومانية" وجعلها الأساس في العمل المسرحي، ولا سيّما ما وضعه أرسطو من وحدة الزمان ووحدة المكان ووحدة الحدث.[٢]

حُرّرت كذلك المسرحيّات من سلطة الكنيسة، ووجّهت توجيهًا اجتماعيًّا إنسانيًّا، وتمّ الفصل بين التّمثيل القائم على الغناء، والتّمثيل القائم على الحوار، واتّجهت المسرحيّات إلى النثر، ولم يعد الغناء ضمن المسرح، ثمّ انتشرت المسرحيّات التاريخية التي عالجت الواقع الاجتماعي، وتولّد عن احتكاك المسرحيّات الدينيّة والأخلاقية بالكلاسيكية مسرحيات إليصاباتي.[٢]

المسرحية الرومانتيكية

تمثّلت الرومانتيكية بفيكتور هوجو، إذ دعت إلى التّحرر من القيوم التي فرضتها الكلاسيكية، فرفضت الرومانتيكية الوحدات الثلاث، كما رفضت الفصل بين المأساة والملهاة، وظهر نتيجة هذا الاتجاه الدراما التراجيدية.[٢]

المسرحية الواقعية

هي مدرسة أدبيّة قد حاربت المدرسة المثاليّة وجعلت الواقع مادّةً لها، فأصبح المسرح غير منقسم إلى مأساة وملهاة، بل المسرحيّة هي عبارة عن تصوير للواقع.[٢]

المسرح الكوميدي في العالم العربي

أوّل من أخذ الفن المسرحي من العرب المسرحي مارون نقاش؛ حيث استمدّه من الغرب ممّا جاء في مسرحية البخيل لموليير، فأنشأ عدّة مسرحيات غنائيّة فكاهيّة على غرارها، مثل: أبو الحسن المغفّل، وهارون الرشيد، ولكنّها كتبت بلغة مخلوطة بين التركية والعامية والفصحى.[٣]

ثمّ دخل في هذا الفن أبو خليل القبّاني، فخطى خطوة ملحوظة في هذا الفن، وقرّبه من الجماهير عندما اختار المسرحيات الشّعبيّة مثل ألف ليلة وليلة، وبقي يعرض مسرحيّاته في دمشق حتّى أغلق مسرحه، فسافر إلى مصر وأكمل عرض مسرحيّاته هناك.[٣]

وفي عهد الخديوي إسماعيل، أنشئت أوّل دار للأوبرا ومُثّل عليها أوبرا عايدة باللغة الفرنسية، وفي عام 1876م ظهر أول رائد للمسرحية يعقوب صنوع وهو مسرحيّ مصري، توجّه نحو النقد السياسي والاجتماعي.[٣]

أكملت الفرق السّورية والمصريّة عرض مسرحيّاتها في مصر، وفي هذا الوقت، كانت معظم هذه المسرحيّات إمّا مترجمة وإمّا مقتبسة وإمّا ممصرة، وفي عام 1910م بدأ المسرح بالنضوج، فعاد جورج أبيض من فرنسا وكان قد درس المسرح وأصوله فألّفت له العديد من المسرحيات.[٣]

أسّس يوسف وهبي فيما بعد فرقة رميس، كما ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى المدرسة المصرية الجديدة التي عُنيت بالمسرح والتّأليف المسرحي، وكان اهتمام هذه المدرسة مُنصبًّا على المشكلات الاجتماعيّة وطريقة علاجها علاجًا واقعيًّا، وأبرز روّاد هذه المدرسة محمد ومحمود تيمور.[٣]

كتب الشاعر أحمد شوقي بعض المسرحيات الشعرية منها: البخيلة، وعلي بك الكبير، ومصرع كليوباترا، ومجنون ليلى، وغيرها من المسرحيّات التي دفعت الفن المسرحي دفعة كبيرة إلى الأمام، ثمّ جاءت بعد ذلك النماذج المكتملة لهذا الفن، مثل ما قدّمه توفيق حكيم في مسرحيّة أهل الكهف، وأيضًا ما قدّمه عزيز أباظة مثل أوراق الخريف.[٣]

أنواع المسرح الكوميدي

يعد المسرح الكوميدي أحد أنواع المسرح، وينقسم المسرح الكوميدي إلى ثلاثة أقسام، هي:[٣]

كوميديا الأخلاق

تدور حول الأوضاع المعاصرة، فتتحدّث عن الواقع وتتناوله بأسلوب ساخر، وموضوعها السخرية من الأخلاق وهي أقرب إلى القصّة، يتّسم الحوار غالبًا في هذه المسرحيات بالذكاء ويكون طاغيًا على الحبكة، وتدور أحداث معظم هذه المسرحيات حول أمرٍ مُشين يهدم الأخلاق، وذلك مثل مسرحيات جورج برنارد شو.[٣]

الكوميديا الرومانتيكية

هذا النوع من المسرحيّات أقرب إلى الرواية، فيتناول الأمور التي لا يعرفها الناس ولا يألفونها، وتعالج معالجةً أقرب إلى العطف عليها منها إلى أن تحمل عليها، ومثال هذا النوع مسرحيات شكسبير.[٣]

كوميديا الفارص

هذا النوع من المسرح يقوم على التسلية وإثارة الضّحك، ويهمل كلًّا من الشخصيّة والحبكة إهمالًا صريحًا، وهذا النوع دعاه البعض بأنّه ملهاة منحطّة؛ وذلك لأنّ الملهاة الراقية هي الملهاة التي تقوم على بناء الشّخصيّة لا على إهمالها.[٣]

أبرز الآراء النقدية حول المسرح الكوميدي

من الآراء النقدية حول المسرح الكوميدي والمسرح عمومًا ما يأتي:[٤]

  • قول آن أوبسفريد

هو فن المفارقة ذاتها، فهو إنتاج أدبي وعرض ملموس في آن معًا، وهو فن أبديّ قابل لإعادة إنتاجه وتجديده إلى ما لا نهاية، وفن وقتي لا يمكن إعادة إنتاجه مطابقًا لذاته.

  • قول توفيق الحكيم

إنّه نوع من الأدب صعب دقيق؛ لأنّ المتعرّض له يجد نفسه أمام طائفة من القيود، قيود صارمة، بل عوائق قاسية تجعل نصيبه من حرية العمل قليلًا.

نماذج من المسرح الكوميدي

فيما يأتي نماذج خالدة من المسرح الكوميدي:

  • مسرحية جعجعة بدون طحن لوليام شكسبير

مسرحيّة كوميدية كتبها شكسبير بين عامي 1598م و1599م، لغتها الأصلية الإنجليزية، تُرجمت فيما بعد بعدة لغات من بينها العربية، تدور أحداثها حول زوجين من العشّاق، الأوّلان يبدآن في بداية المسرحية بمشاجرة كلاميّة، ويعلنان كرههما لبعضهم وللحب، والزّوجان الآخران يحبّان بعضهما كثيرًا، وتتصاعد الأحداث حول الشخصيتين.[٥]

  • مسرحية كما تشاء لوليام شكسبير

مسرحية كوميدية ريفية ألّفها وليم شكسبير بين عامي 1599م و1600م، لغتها الأصلية الإنجليزية، ترجمت فيما بعد لعدة لغات من بينها العربية، تدور أحداثها حول بطلة المسرحيّة التي تسافر مع ابنة عمها هربًا من اضطهاد ابن عمّها برفقة مهرّج البلاط حتّى تصل إلى غابات الأردن.[٦]

  • مسرحية البخيل لموليير

عرضت هذه المسرحية أوّل مرة في باريس عام 1665م، لغتها الأصلية الفرنسية، ترجمت فيما بعد لعدة لغات من بينها العربية، وفي العرض الثاني حذف موليير منها بعض الحوارات لما كان فيها من فضاضة، وتدور أحداثها حول الأسطورة الإسبانية دون خوان، التي صاغها الكاتب الإسباني تيرسو دي مولينا.[٧]


المراجع

  1. ^ أ ب زينة بولعجول، توظيف الكوميديا في مسرح عبد القادر علولة، صفحة 10 - 15. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز علي صابري، المسرحية نشأتها ومراحل تطورها، صفحة 1 - 17. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، صفحة 131 - 141. بتصرّف.
  4. آمال فاطمة الزهراء بن عمارة، ترجمة الكوميديا في المونولوج في ضوء المنهج السيميائي، صفحة 5 - 6. بتصرّف.
  5. وليام شكسبير، جعجعة بدون طحن، صفحة 17. بتصرّف.
  6. وليام شكسبير، كما تشاء، صفحة 33. بتصرّف.
  7. هاجر ذيب، ترجمة الأدب المسرحي الهزلي، ترجمة دون جوان لموليير نموذجًا، صفحة 73 - 77. بتصرّف.
11120 مشاهدة
للأعلى للسفل
×