تعريف المقابلة في البلاغة

كتابة:
تعريف المقابلة في البلاغة

تعريف المقابلة في البلاغة

إلى أي من أقانيم البلاغة تنتمي المقابلة؟

المقابلة هي المواجهة ومثلها مفهوم التقابل، ويُقال تقابل هؤلاء القوم أي استقبل بعضهم بعضًا، وأمَّا اصطلاحًا فتعرف المقابلة على أنّها: نوعٌ من أنواع المحسنات البديعية، وهي أن يأتي المتكلم بمعنيين متوافقين من المعاني أو أكثر، ومن ثم يُؤتى بما يقابلهما من المعاني بالترتيب[١]، وقد يتساءل بعض النَّاس عن الفرق بين التضاد والمقابلة والجواب هو أنَ التضاد يكون عادة بين المفردات، وأمَّا المقابلة فتكون بين الجمل.[٢]


تعريف ابن رشيق القيرواني

كيف فرّق ابن رشيق بين الطباق والمقابلة؟

زعم ابن رشيق القيرواني في تعريفه للمقابلة أنَّها حسن ترتيب الكلام ونظمه، فيؤتى في بداية الكلام ما حُقَّ له أن يكون في بدايته، ويؤتى في آخره ما يجب أن يكون آخرًا، وكذلك فيؤتى بالموافقة عندما يُراد موافقة الكلام، وبالمخالفة حينما يكون المطلوب هو المُخالفة، وأضاف أنَّ المقابلة أكثر ما تكون في التضاد، وفرَّق بين الطباق والمقابلة وجعل الطباق فرعًا من المقابلة، بحيث لو أتى في الطباق أكثر من ضدين لكان مقابلةً لا طباقًا، واستشهد على ذلك بقول الشاعر:[٣]

فيا عجبًا كيف اتَّفقنا فناصحٌ

وفيٌّ ومطويٌّ على الغلِّ غادرُ


الشَّاهد من هذه الأبيات هو إتيان الشَّاعر بمعنيين وهما النصح والوفاء وقابلهما بمعنيين مضادين في المعنى وهما الغل والغدر.[٣]


تعريف قدامة بن جعفر

مَن أول واضعٍ لتعريف المقابلة؟

يُعدّ قدامة بن جعفر من أوائل علماء البلاغة الذين أشاروا إلى تعريف المقابلة وتوضيحه، وذكر في كتابه نقد الشعر أن تصح المقابلة حينما يأتي الشاعر بعدة معانٍ ومن ثم يريد المخالفة بين تلك المعاني أو الموافقة، فيعمد إلى موافقة ما يريد أن يوافقه ومخالفة ما شاء مخالفته، وعليه أن يتلزم العدد نفسه في المقابلة فلو جاء بمعنيين ويريد موافقتهما أو مخالفتهما فعليه أن يأتي بنفس العدد في المقابل، ومن ذلك قول الشاعر:[٤]


أموتُ إذا ما صدَّ عني بوجهه

ويفرحُ قلبي حين يرجع للوصل

قابل الشَّاعر بين مصطلحي الموت والفرح، والصد والوصل، ولكنَّ قدامة استقبح هذه المقابلة، وقال لو أنَّ الشاعر قال:[٤]

أموتُ إذا ما صدَّ عني بوجهه

وأحيا إذا ملَّ الصدود وأقبلا

يصيب في مقابلته بأن جعل مفهوم الموت مقابلًا مفهوم الحياة، ومفهوم الصد مابلًا لمفهوم الإقبال.[٤]


تعريف الخطيب القزويني

اعتمد القزويني في تعريفه المقابلة على بساطة الكلام، فذكر في كتابه التلخيص تعريف المقابلة على أنّها: إتيان الشاعر أو المتكلم بمعنيين متوافقين أو أكثر من معنيين، ثم يأتي بما يقابل تلك المعاني على الترتيب، واستشهد القزويني بقول الله تعالى في سورة التوبة: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا}[٥]، وهي من أمثلة المقابلة في القرآن الكريم، وبذلك تكون المقابلة هنا باستخدام مفاهيم متضادة، فقوبل ما بين الضحك والبكاء والقليل والكثير.[٦]


تعريف أبو هلال العسكري

تلا أبو هلال العسكري قدامة بن جعفر، ومن ثم أقدم على تعريف المقابلة كما يراها وهي: أن يورد الكلام ثم تتم مقابته بكلام يوافقه في اللفظ والمعنى، ويكون ذلك على وجه المخالفة أو المطابقة، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة النمل: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[٧]، فقابل الله تعالى مكره -أي عذابه الذي سينزله بالأقوام الكافرة- بمكر الأقوام الذين يكيدون بأنبيائهم، ومن الأمثلة على المقابلة قول الشاعر:

غَضَبُ الجاهِل في قَوْله

وغَضبُ العاقل في فِعْلِه

قابل الشاعر في هذا البيت في لفظ الجاهل عندما ذكر مقابلتها لفظة العاقل، ولفظة القول قابلها بلفظة الفعل.[٤]


تعريف ابن الأثير

لقد جعل ابن الأثير في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب الطباق نوعًا من أنواع المقابلة، ومعنى المقابلة هي: إيراد المتكلم لمعنى من المعاني ومن ثم يأتي بما يقابله سواء كان ضده أم لا، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الحديد: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[٨]، وقد كانت المقابلة في هذه الآية بين عدّة معان، وهي تأسوا وتفرحوا، وفاتكم وآتاكم، وقال ابن الأثير أنَّ ذلك -يقصد المقابلة في الآية- من أحسن ما جاء في باب المقابلة.[٩]


كذلك وممّا ورد في باب المقابلة ما حدث مع سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف الثقفي أن قال الحجاج بن يوسف لسعيد بن جبير -رضي الله عنه- وقد وقف شاخصًا بين يديه ليقتله، فقال له: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير، وكانت المقابلة في هذا المقام في عدة ألفاظ، بين سعيد وشقي وجبير وكسير.[٩]


تعريف السيوطي

ما هي أنواع المقابلة؟

ذكر السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن تعريفًا للمقابلة وقال فيه إنَّ المقابلة هي أن يُؤتى بلفظين فأكثر ثم يُؤتى بأضدادهما بالتّرتيب، بذلك يكون السيوطي قد اشترط التّرتيب حتى يطلق على ذلك المحسن البديعي مقابلة، ثم تابع السيوطي الحديث في كتابه معرفًا بأنواع المقابلة، إذ قال بعضهم قد تكون المقابلة لفظة واحدة وهي مثل قوله الله تعالى في سورة البقرة: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[١٠]، وقد بيَّن أنَّ ذلك قليل جدًّا في أنواع المقابلة.[١١]


ثم أكمل حديثه عن باقي أنواع المقابلة، وذكر النوع الثاني منها، وهي مقابلة اثنين اثنين باثنين كقول الله تعالى: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[١٢]، ثم ذكر من نوع منها وهو مقابلة خمسة بخمسة كقوله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}.[١٣][١١]

قد قابل في الآية السابقة بين "بعوضة " وبين "فما فوقها" وبين "الذي آمنوا" و"الذين كفروا"، وكذا بين "يضل و"يهدي" وبين "ينقضون و"ميثاقه" وبين "يقطعون" و"أن يوصل".[١١]


تعريف الزمخشري

استند الزمخشري كما ورد في كتاب النظرية البلاغية عند الإمام الزمخشري على تعاريف مَن سبقه للمقابلة كابن قدامة وأبي هلال العسكري وغيرهم، وذكر أنَّ المقابلة هي: أن يُؤتى بمعنيين متوافقين أو بعدة معانٍ متوافقة، ومن ثم يأتي بما يقابلها وذلك يكون بالترتيب، ويضيف إلى ذلك أنَّه قد يجعل بعض علماء البلاغة المقابلة نوعًا من أنواع التضاد، ولكن الزمخشري يرى العكس، إذ ويعدّ أنَّ المقابلة نوع مستقل في ذاته، وكذلك فهو أعمّ وأشمل من التضاد.[١٤]

ومن ذلك قول الشاعر:

على رأسِ عبدٍ تاجُ عِزٍّ يزينهُ

وفي رِجْلِ حرّ قيدُ ذُلٍّ يَشينهُ

وهذا النوع من أنواع المقابلة قوبل فيه ستة معانٍ بست، فقابت على في، وقابل الرأس الرجل، وقابل التاج القيد، وقابل العز الذل، وقابل الزين الشين.[١٤]


تعريف ابن حجة الحموي

ذكر ابن حجة الحموي في كتابه خزانة الأدب أنَّ المقابلة هي: التناظر بين معنيين أو أكثر، سواء في المخالفة أم في الموافقة، وقد جعل ابن الحموي المقابلة أعمّ من المطابقة، وقد فرَّق ابن حجة الحموي ما بين المطابقة والمقابلة، إذ المطابقة لا تكون إلا بالجمع بين ضدين، ولكنَّ المقابلة تكون في الجمع بين أربعة أضداد، فالضدان الأوّلان في صدر الكلام والضدان الآخران في عجز الكلام، وكذلك فالمطابقة لا تكون إلا بالأضداد، وأمَّا المقابلة فتكون بين الأضداد وغير الأضدادـ وقد تبلغ المقابلة جمع عشرة أضداد مع بعضها.[١٥]


تعريف ابن أبي الإصبع المصري

ماذا اشترط ابن أبي الإصبع في الكلام حتى يكون مقابلة؟

عرف ابن أبي الإصبع في كتابه تحرير التّحبير المقابلة على أنَّها: إتيان المتكلم بالألفاظ كما ينبغي لها، بحيث لو أتى باللفظة في صدر الكلام أتى بضدها في العجز، ويكون ذلك بالترتيب، وقد اشترط ابن أبي الإصبع الترتيب في المقابلة، فلو فسد هذا الشرط لفسدت المقابلة كلها، فعليه يجب أن يُقابل اللفظة الأولى من صدر البيت باللفظة الأولى من عجزه، وكذلك اللفظة الثانية بالثانية والثالثة بالثالثة وهكذا.[١٦]

ومن ذلك قول الشاعر جرير:

وباسِطَ خيرٍ فيكُمُ بيمينِه

وقابِضَ شرٍّ عنكُمُ بشِمالِيا

بذلك تكون المقابلة ما بين البسط والقبض والخير والشر وما بين عنكم وفيكم، وما بين اليمين والشمال.[١٦]


تعريف جرمانوس فرحات

ذكر جرمانوس فرحات في كتابه بلوغ الأرب في علم الأدب أنَّ المقابلة هي: أن يأتي ناظم الكلام بمعاني متعددة في صدر الكلام، ثم يأتي بعد ذلك بعدة معانٍ أخرى مضادة للكلام الأول أو غير مضادة له، ومن ذلك قول الشاعر:[١٦]

لثمت ثغور الترب في عرصاتك

كما لثمت قدمًا ثغور ترائبي



ما الفرق بين المقابلة والطباق، الإجابة في هذا المقال: الفرق بين الطباق والمقابلة.

المراجع

  1. جامعة المدينة العالمية، كتاب البلاغة 1 البيان والبديع، صفحة 393. بتصرّف.
  2. هيثم غرة، منيرة فاعور، البلاغة العربية، صفحة 191. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد العزيز عتيق، كتاب علم البديع، صفحة 85. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث عبد العزيز عتيق، علم البديع، صفحة 84. بتصرّف.
  5. سورة التوبة، آية:82
  6. عبد العزيز عتيق، علمُ البديع، صفحة 86. بتصرّف.
  7. سورة النمل، آية:50
  8. سورة الحديد، آية:23
  9. ^ أ ب ضياء الدين بن الأثير، كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت محيي الدين عبد الحميد، صفحة 265. بتصرّف.
  10. سورة البقرة، آية:255
  11. ^ أ ب ت السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، صفحة 327. بتصرّف.
  12. سورة الأعراف، آية:157
  13. سورة البقرة، آية:26
  14. ^ أ ب عطية نايف الغول، النظرية البلاغية عند الإمام الزمخشري، صفحة 347. بتصرّف.
  15. ابن حجة الحموي، كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب، صفحة 129. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت إنعام فوال عكاوي، المعجم المفصل في علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني، صفحة 656. بتصرّف.
6241 مشاهدة
للأعلى للسفل
×