تعريف المقامة

كتابة:
تعريف المقامة

تعريف المقامة لغة واصطلاحًا

من هو أوَّل من أعطى المقامة معناها الاصطلاحي؟

تشير المقامة في أصل اللغة إلى الجماعة من الناس وإلى المجلس الذي يجتمعون فيه، كما تشير إلى حديث الشخص سواء كان جالسًا أم واقفًا.[١] أمَّا المقامة اصطلاحًا فإنَّ بديع الزمان الهمذاني هو أوَّل من أعطى المقامة معناها الاصطلاحي فهي: فنّ أدبيّ نثريّ، يقوم على أسس القصّ والسرد الحكائي، ويتخذ كاتبها لها راوٍ وبطل وبعض الشخصيات الثانوية، وفيها يحتال البطل لكسب المال والفرار به، وتصاغ في قالب لغوي محكم، يضج بالمفردات الجزلة، والمعاني العميقة، وهي مشحونة بكثافة لغوية جعلت منها مادة أساسية لتعليم اللغة للتلاميذ في العصر العباسي.[٢]


موضوعات المقامة

لماذا لم تتعدد موضوعات المقامة كثيرًا؟

لقد كانت غاية كتابة المقامات أوَّل الأمر تعليمية بحتة، لذلك عنيَ بديع الزمان الهمذاني عندما ابتدعها باللفظ واللغة والأسلوب على حساب المضمون أو الأحداث، وأضاف إليها أحداث قليلة من أجل تشويق الطلاب لتعلُّم اللغة العربية، فجاء في المقامة اللفظ متفوقًا على حساب المعنى، وعلى الرغم من أنَّ موضوع الكدية والاستجداء هو السائد في معظم المقامات إلا أنَّ موضوعها ليس واحدًا[٣]، وقد اتخذ أصحاب المقامات من أسماء الأماكن أو المأكول والمشروب أسماء لها، حتى كأنها تحمل سمة ذلك المكان وأهله، وحاجتهم الأساسية التي باتت مطلبا صعبًا يشق الحصول عليه، وتنوع التسميات يُشير إلى تعدُّد المواضيع نوعًا ما،[٣]، ومن موضوعات المقامة:


  • المدح: حيثُ كتبَت العديد من المقامات لغاية المدح، فقد كتب بديع الزمان العديد من المقامات في مدح والي سجستان خلف بن أحمد منها: المقامة الملوكية.[٤]
  • الوعظ والإرشاد: حيثُ احتوت بعض المقامات على دعوات للتأمل والتقشف والزهد والاستعداد للموت والانتقال لليوم الآخر.[٤]
  • النقد: بمختلف أشكاله الأدبي أو المجتمعي أو المذهبي، ففي المقامات نقد بمختلف الأشكال، كما في نقد الشعراء كامرئ القيس مثلًا، أو نقد مذهب المعتزلة عند بديع الزمان.[٤]
  • الخيال: إذ جاءت بعض المقامات حول قصص خيالية كثيرة، وقد أوحت تلك إلى كثير من الكتاب لاحقًا للتحليق في هذا المجال.[٤]
  • الحض على طلب العلم والتعليم: ومن المقامات التي احتوت على ذلك: المقامة العلمية للهمذاني.[٤]
  • التعريف بمكنونات المجتمع: إذ كانت المقامات تعرِّف بجوانب عديدة في العصر العباسي منها: الاجتماعية والاقتصادية والفكرية.[٥]
  • إظهار المعاناة في طلب الرزق: حيثُ كان موضوعها الرئيسي الكدية، والحيَل التي يقوم بها البطل للحصول على رزقه وتأمين سبل الحياة.[٥]


أركان المقامة

من هو البطل الذي تدور حوله أحداث المقامة كلها؟

تقوم المقامة على ثلاثة أركان أساسية هي:[٦]


الراوي

يعرَّف الراوي في المقامة بأنَّه الشخص الذي يقوم بنقل أحداث المقامة وجميع تفاصيلها عن المجلس أو المكان الذي حدثت فيه، وهو الذي يعرِّف بشخصيات المقامة ابتداءً من البطل مرورًا ببقية الشخصيات التي يمكن أن تمرُّ فيها، وأشهر الرواة: الراوي عيسى بن هشام في مقامات بديع الزمان الهمذاني، والحارث بن همام في مقامات الحريري.


البطل

يمكن تعريف البطل في المقامة بأنَّه الشخص الذي تدور قصة المقامة حوله بأحداثها وما فيها من صور، ويكون في معظم المقامات الشحاذ الأديب الفطن غالبًا، وتنتهي المقامة بانتصاره، ووصوله إلى ما يريد وحصوله على الرزق الذي كان يسعى إليه، ومن أشهرهم: أبو الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان الهمذاني، وأبو زيد السروجي في مقامات الحريري.


النكتة

تمثِّل النكتة في المقامة العقدةً التي تحاك حولها جميع الأحداث التي تجري في المقامة من بدايتها إلى نهايها بتحقيق البطل غايته ووصوله إلى ما يريد، وقد تكون فكرة النكتة سمحة تستند إلى الأخلاق الرفيعة في صياغتها، وقد تكون بعيدة عن الأخلاق الرفيعة وتندرج ضمن أفكار الاحتيال على الناس من أجل وصول البطل لبغيته في آخر الأمر.


عناصر المقامة

كم عدد العناصر التي تقوم عليها المقامة؟

تقوم المقامة في صورتها النهائية على تمازج عناصر عديدة هي أساس وجودها بذلك الشكل، وهذه العناصر الخمسة هي:[٧]


الشخصيات

تمثِّل الشخصيات في المقامة العنصر الأساسي الذي يقوم بافتعال الأحداث، والتدرج في حبكتها حتى تبلغ ذروتها وتصل إلى النهاية، وتقسم إلى نوعين:

  • الشخصيات الرئيسة: وهي الشخصيات التي تدور محاور القصة حولها، وهي السبب الأساسي في افتعال أحداث المقامة وتأجيج نارها، وتتمثل في شخصيتي الراوي الذي ينقل الأحداث والبطل الذي يؤدي الدور الرئيس، والضحية التي وقع عليها فعل الاحتيال من قبل البطل نفسه.
  • الشخصيات الثانوية: وهي الشخصيات التي تعين وتساعد الشخصيات الرئيسة على افتعال الأحداث وتعطي للمقامة صورة واقعية أوسع غير محصورة في البطل والراوي والضحية، وتتمثل بالأشخاص المحيطين بالبطل والضحية حسب المكان الموجودين فيه سواء في السوق أو المتجر أو أي مكان آخر.


الحدث

يمثل الحدث في المقامة السبب الرئيس الذي بدأت المقامة منه، وما يتبع ذلك من أحداث تقوم بها الشخصيات، ويمكن أن تكون الأحداث في المقامة حقيقية أو متخيلة، وهي مجموعة مواقف تصدر من طرف الراوي والبطل وبقية الشخصيات الثانوية في المقامة مشكلة فضاء حكائيًا متكاملًا من الأحداث.


الزمان والمكان

غالبًا ما يكون الزمان مفتوحًا في فنِّ المقامة أو مجازيًا بمعنى آخر، فلا يتمُّ الإفصاح عنه بشكل دقيق، أو تحديد عام أو شهر وإنما يلمح الزمان في ثنايا المقامة ذاتها ومن خلال مجريات الأحداث التي قد يشير بعضها إلى زمن معين مجازي، ويختار البطل لأحداث المقامة مكانًا واحدًا ليقتنص فيه فريسته، وعلى أرضه تدور معظم أحداث المقامة ووقائعها من بدايتها إلى نهايتها، والزمان والمكان هما الإطار الذي يقوم تأطير أحداث المقامة.


الحبكة

الحبكة تبدأ من السرد الذي يفتتحه بقول: حدثنا عيسى بن هشام، وهي نقطة الذروة التي تبلغها الأحداث المتسلسلة في المقامة، حيث تبدأ بحادث بسيط، ثمَّ لا تلبث أن تتأزم وتتعقد رويدًا رويدًا مع تقدُّم أحداث المقامة، إلى أن تصل إلى مرحلة يستوجب فيها إيجاد الحل لها وإنهاء المقامة.


الحل

غالبًا ما تنتهي أحداث المقامة المتشابكة والتي بدأت بحادث معين بحلٍّ جذري، ويفضي ذلك الحل الجذري في النهاية إلى انتصار البطل وتحقيق غايته ووقوع الضحية في فخه، بعد خوض سلسلة الأحداث التي قامت بها الشخصيات الرئيسية في المقامة.


السمات الفنية للمقامة

ما الفرق بين المقامة والقصة القصيرة؟


استُحدثت المقامة في فنِّ النثر ونهضت به ليحقق ذيوعًا واسعًا في العصر العباسي وما بعده مقارنة بالشعر آنذاك، ومن هذه السمات المميزة لفن المقامة:[٨]

  • المقامة فن محكي: أي يقوم الراوي العارف دائمًا بسرد مجريات أحداثها، وقد أشير خلال تعريف المقامة،إلى طبيعته الحكائية.
  • البلاغة والفصاحة: فقد كتبت المقامات من أجل غايات تعليمية، تقتضي وجود استعراض لغوي ومعرفي كبير، يصل أحيانًا إلى درجة التكلّف فيالبلاغة والفصاحة.
  • السجع والجناس: والسجع توافق أواخر الكلمات في فواصل الجمل[٩]، وهو ما يعطي المقامة حسًا موسيقيًا عاليًا يضفي إلى جانبها البلاغي قوة وجمالية.
  • الخيال: ولعلّه من أبرز السمات المضمونية وضوحًا في المقامة، حيث يعني الكاتب تفكيره ويختلق الأحداث والشخصيات لتقوم بالقصة المطلوبة.
  • المزاوجة بين الفن النثري والفن الشعري: حيث تتخلل الأشعار كثير من المقامات، فتزيدها فنية وإبداعًا.
  • عدم اشتمالها على كل عناصر القصة: رغم أنَّها تحتوي على الحوار والوصف والمغزى إلا أنَّها تفتقر إلى كثير من عناصر القصة، مثل: عدم تنويع الشخصيات ووجود حادثة واحدة وموضوع واحد، وبُعدها عن التحليل النفسي، وعدم وجود ابتكار في تصوير الشخصيات والأحداث.
  • الوحدة الموضوعية: حيث تدور في معظمها حول موضوع واحد وأحداث متشابهة عمومًا.
  • اشتمالها على الفكاهة والسخرية: فالمقامة تنقد الواقع بطريقة فكاهية ساخرة.
  • متضمّنة رسالة للمجتمع: فهي تقدم حلولًا غير مباشرة لكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من خلال تسليط الضوء عليها.


رواد فن المقامة

ثمّة كتّاب كثيرون تركوا بصمتَهم في فنّ المقامات بعد بديع الزمان الهمذاني، منهم الآتي.


بديع الزمان الهمذاني

تعود نشأة المقامة إلى بديع الزمان الهمذاني (358 هجرية - 398 هجرية)، واسمه أحمد بن الحسين ين يحيى بن سعيد الهمذاني، ويُكنّى بأبي الفضل، ولد ونشأ بهمذان إحدى مدن إيران الشمالية، ولكنَّ أصله عربي كما أشار في كتاباته، تعلّمَ اللغة العربية ودرس الأدب بمختلف فنونه وبرع فيها، تتلمذ على يد معلمين كثُر أشهرهم أحمد بن فارس صاحب كتاب المجمل، في الثانية والعشرين من عمره رحل عن بلده، وقربه الصاحب بن عباد وأعجب به، فكان أحد كتاب القرن الرابع البارزين من أمثال الصاحب وابن العميد، ابتدع فن المقامة عندما كان في نيسابور وعرف بها، وقد استلهمها من مقامات ابن دريد الأربعين التي كان يعلم بها طلابه اللغة العربية.[١٠]


اتّخذ لها عيسى بن هشام راويًا، وأبا الفتح الاسكندري بطلًا لأحداثها، وقد أهل للبطل في مقاماته لما عرف به من مكر وخداع، وقدرة على اقتناص الفرائس، وإيقاعها في فخه بما تحلى به من قدرة لسانية وحنكة اجتماعية ساعدته على التغلغل في نفس الضحية، وقد هيأه الهمذاني ليعلن بلسانه عن فصاحته هو وبراعته البلاغية وتمكُّنه اللغوي، واطلاعه على قضايا عصره كالكدية وتفشي الجهل وكثرة الاحتيال[١٠]، ومن أشهر مقاماته: المقامة الكوفية، المقامة القردية، المقامة المضيرية[١١]، وقد ظهرت المقامة الأندلسية في الأندلس بعد أن تأثر الأدباء ببديع الزمان الهمذاني، على رأسهم ابن شرف القيرواني وابن مالك القرطبي.[١٢]


الحريري

هو القاسم بن علي الحريري (446 هجرية - 516 هجرية)، وُلد في قرية مشان بالقرب من البصرة التي انتقل إليها لينهل من علوم أهلها، حتى أصبح أديبًا بارعًا، وكان ذكيًّا وفصحيًا بليغًا، ولكنَّه وصف بأنَّه كان دميمًا وبخيلًا وقبيح الهيئة والخلقة، له عديد من المصنفات الأدبية، مثل: درة الغواص في أوهام الخواص، وله أرجوزة تدعى ملحة الإعراب في النحو، هذا بالإضافة إلى مقاماته التي قيل أنه وضعها لوزير الإمام المسترشد بالله أنوشروان بن خالد[١٣]، وقد نالت مقاماته اهتمامًا بالغًا من العلماء والمستشرقين، وترجمت إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والتركية والفارسية واللاتينية، فقدمت لها الشروح والترجمات،[١٤]


قد سار في مقاماته على نهج بديع الزمان الهمذاني، إذ بلغ عددها الخمسين مثلها، كما أنّها دارت حول موضوع الكدية، وقد اتّخذ لها صاحبها راويًا وحيدًا هو الحارث بن همّام، وبطلًا وحيدًا هو أبو زيد السروجي، على غرار مقامات بديع الزمان، إلا أن مقامات الحريري، كانت قد فاقت مقامات البديع لدى كثير من المحققين في الشعر، واللغة وما يتعلق بها من النحو وضروب الاشتقاق فكان أشهر كتاب المقامات على الإطلاق، ومن أشهر مقاماته: المقامة البغدادية.[١٣]



لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: ما هي مقامات الحريري.


إبراهيم القزويني

هو إبراهيم بن معصوم بن فصيح القزويني الحسيني (1655م - 1732م)، ولد وعاش في تبريز ثمَّ انتقل إلى قزوين وفيها توفي، امتلك في مكتبته أكثر من 1500 كتاب، كان في كل منها أثر له من تصحيح أو حاشية، وله سبعون كتابًا بخط يده منها ما هو من تأليفه أو من تأليف غيره، كتب مقامات على نهج مقامات الحريري، كما له العديد من الرسائل والتعليقات.[١٥]


ناصيف اليازجي

هو ناصيف اليازجي (1800م - 1871م)، ولد في كفر شيما قرب بيروت، عكف على الكتب ونهل منها وكان ذكيًا لامعًا، عمل في التدريس والتأليف، وله الكثير من المؤلفات منها: طوق الحمامة في النحو، اللباب في أصول الإعراب، لمحة الطرف في أصول الصرف وغيرها كثير، وكان مؤمنًا بالثقافة العربية عاشقًا لها، كما ألَّف مقامات على غرار مقامات الحريري، جعل لها راويًا اسمه سهيل بن عباد وبطلًا هو ميمون بن خزام وهو شحاذ أديب على نمط أبي زيد السروجي، وقد قلَّد اليازجي مقامات الحريري تمامًا، ورغم ذلك فقد كانت أفضل ما كُتب من مقامات بعد مقامات الحريري التي تفوقت في هذا الفن.[١٦]


إنَّ المقامة من الفنون العربية التي ابتدعها بديع الزمان الهمذاني بعد أن استوحاها من أحاديث ابن دريد، ولها العديد من الأركان والعناصر تقوم عليها كما سبق، وقد اقتفى الكثير من الأدباء بديعَ الزمان في كتابة المقامات أشهرهم الحريري الذي تفوَّق في كتابتها ولم يستطع أي كاتب بعده أن يبلغ ما بلغه.

المراجع

  1. شوقي ضيف، المقامة، صفحة 7. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، المقامة، صفحة 8-9. بتصرّف.
  3. ^ أ ب شوقي ضيف، المقامة، صفحة 24-25. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج شادي مجلي عيسى سكر، فن المقامة في الأدب العربي، صفحة 14-16. بتصرّف.
  5. ^ أ ب أحمد الشايب، كتاب الأسلوب، صفحة 111. بتصرّف.
  6. شادي مجلي عيسى سكر، فن المقامات في الأدب العربي، صفحة 6. بتصرّف.
  7. مرزقان فطيمة، بنية القصة في مقامات بديع الزمان الهمذاني، صفحة 31-47. بتصرّف.
  8. أحمد الشايب، كتب الأسلوب، صفحة 111-112. بتصرّف.
  9. لميس خيف، سلمى هامل (2017)، فن المقامات في العصر العباسي دراسة جمالية فنية للمقامة المضيرية لبديع الزمان الهمذاني أنموذجا (الطبعة الأولى)، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي ، صفحة 58. بتصرّف.
  10. ^ أ ب شوقي ضيف، المقامة، صفحة 13-18. بتصرّف.
  11. بديع الزمان الهمذاني، مقامات بديع الزمان. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح 3. بتصرّف.
  13. ^ أ ب شوقي ضيف، المقامة، صفحة 44-54. بتصرّف.
  14. أحمد الشايب، كتاب الأسلوب، صفحة 111. بتصرّف.
  15. خير الدين الزركلي، كتاب الأعلام، صفحة 74-75. بتصرّف.
  16. شوقي ضيف، المقامة، صفحة 79-85. بتصرّف.
10459 مشاهدة
للأعلى للسفل
×