محتويات
تعريف المقامة الموصلية
المقامة الموصلية واحدة من عدة مقامات مشهورة خلال تاريخ الأدب العربي، وفيما يلي نبذة عنها:
مؤلف المقامة
مؤلف المقامة هو بديع الزمان الهمذاني أشهر من كتب في فن المقامات، واسمه أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني، أمّا كنيته فأبو الفضل المولود في همذان في بلاد فارس نحو عام 358هـ، وارتحل إلى هراة عام 380هـ، وبعد عامين انتقل إلى نيسابور، وبعد أن بدأ بالتأليف طار ذكره في الآفاق.[١]
بعد أن اشتُهِرَ الهمذاني في بلاد فارس وما حولها صار مُقدَّمًا عن حكّامها وأمرائها، فلمّا دخل بلدات سجستان وخراسان وغزنة وغيرها لم يترك أميرًا إلّا وزاره وفاز بجائزة منه، وكان مضرب المثل في الحفظ،[١] قيل في وفاته أنّه مات بالسكتة، فدفنوه على عجالة، فقيل إنّه أفاق وقد سُمع يصرخ في الليل، فلمّا نبشوا قبره وجدوه قابضًا على لحيته من هول المنظر،[٢] وكان ذلك سنة 398هـ، وقيل مات مسمومًا.[١]
أحداث المقامة
تدور أحداث هذه المقامة قريبًا من الموصل، وبطلاها هما عيسى بن هشام وأبو الفتح الإسكندري، كان أبو الفتح وعيسى بن هشام يتسكّعان فرأيا عزاءً قد أقيم لوفاة رجل في أحد البيوت، فدخل أبو الفتح وجرّ معه عيسى بن هشام وكان الميت ما يزال في داره بانتظار أن يُغسل ويكفّن، فقال أبو الفتح لأهل الميت إنّ الرجل ما يزال حيًّا وسوف أعيده إلى الحياة بعد يومين.[٣]
صار الجيران وأهل الميت يعطونه الهدايا من الذهب والفضة والأمتعة وغيرها على مدى يومين، وعندما جاء الموعد طلب منهم يومًا إضافيًّا، وكان يخطط للهروب، في اليوم الثالث اعترف لهم بأنّ الرجل قد مات وأنّه لم يستطع مساعدته، فضربه أهل الميت حتى إذا تمكن من الهروب هرب برفقة عيسى بن هشام.[٣]
في طريقهما للهرب مرَّا بقرية تنتظر سيلًا جارفًا سيأتيها بعد وقت قصير، فقال لهم أبو الفتح إنّه يستطيع أن يوقف هذا السيل، فقالوا كيف ذلك؟ قال بأن يحضروا بقرة صفراء ويذبحوها تقرُّبًا لله تعالى، وأن يزوّجوه فتاة منهم، ثمّ يصلّي بهم ركعتين ليدعو الله -تعالى- لهم أن يذهب بالسيل إلى الصحراء، فوافقوا وذبحوا البقرة وزوّجوه بالفتاة.[٣]
قبل بدء الصلاة اشترط عليهم عدة شروط لئلا تفسد الصلاة وتذهب جهودهم هباء، فوقف بهم كثيرًا، وأطال الركوع والسجود في الركعة الأولى، وفي الثانية فعل كذلك، فلمّا سجدوا أخذ عيسى بن هشام والفتاة التي تزوجها والأمتعة وهربوا.[٣]
مقتطفات من المقامة
ممّا ورد في المقامة الموصلية ما يأتي:[٣]
- "لَمَّا قَفِلْنَا مِنَ المُوصِلِ، وَهَمَمْنَا بِالْمَنْزَلِ، وَمُلِكَتْ عَلَيْنَا القَافِلةُ، وَأَخَذَ مِنَّا الرَّحْلُ والرَّاحِلةُ، جَرَتْ ِبي الحُشَاشَةُ إِلَى بَعْضِ قُرَاهَا، وَمَعِي الإِسْكَنْدَِيُّ أَبُو الفَتْحِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الحِيلَةِ؟ فَقَالَ: يَكْفِي اللهُ، وَدُفِعْنَا إِلَى دَارٍ قَدْ مَاتَ صَاحِبُها، وَقَامَتْ نَوادِبُهَا، واحْتَفَلتْ بِقَوْمٍ قَدْ كَوَى الجَزعُ قلوبَهُمْ، وَشَقَّتِ الفَجِيعَةُ جُيُوبَهُمْ".
- "قَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: يَا قَوْمُ أَنَا أَكْفِيكمْ هَذا المَاءَ وَمَعَرَّتَهُ، وأَرَدُّ عَنْ هذهِ القَرْيَةِ مَضَرَّتَهُ، فَأَطيعوني، ولا تُبْرِمُوا أَمْراً دُونِي، فَقَالوا: ومَا أَمْرُكَ؟ فَقَالَ: اذبحوا في مَجْرَى هَذا المَاءِ بَقَرَةً صَفْرَاءَ، وأَتُونِي بِجَارِيةٍ عَذْراءَ، وَصَلُّوا خَلْفِي رَكْعَتَيْنِ يَثْنِ اللهُ عَنْكُمْ عِنان هذا المَاءِ، إِلى هَذِهِ الصَّحْراءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْثَنِ المَاءُ فَدَمِي عَلَيْكُمْ حَلالٌ".
- "قَالَ: يَا قَوْمُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ يَقَعْ مِنْكُمْ فِي القِيامِ كَبْوٌ، أَوْ فِي الرُّكُوعِ هَفْوٌ، أَوْ في السُّجُودِ سَهْوٌ، أَوْ فِي القُعُودِ لَغْوٌ، فَمَتَى سَهَوْنَا خَرَجَ أَمَلُنَا عَاطِلاً، وَذَهَبَ عَمَلُنا بَاطِلاً، وَاصْبِرُوا عَلى الرَّكْعَتَينِ فَمَسَافَتُهُمَا طَوِيلَةٌ، وَقَامَ لِلْرَكْعَةِ الأُولَى فَانْتَصَبَ انْتِصَابَ الجِذْعِ، حَتَّى شَكَوا وَجَعَ الضِّلْعِ، وَسَجَدَ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ هَجَدَ ولمْ يَشْجُعُوا لِرَفْعِ الرُّؤُوسِ، حَتَّى كَبَّرَ لِلْجُلُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَأَخَذْنَا الوَادِيَ وَتَرَكْنَا القَوْمَ سَاجِدينَ، لاَ نَعْلَمُ مَا صَنَعَ الدَّهْرُ بِهِمْ".