تعريف النص السردي

كتابة:
تعريف النص السردي

السرديات

عُرفت السرديّات بأنّها العلم الذي يتناول قوانين النص الأدبي القصصيّ سواء أقصوصة أم قصة أم رواية أم مقامة أم أسطورة أم خرافة أم غيرها، وقد بدأ التفكير بهذا العلم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان الناقد الفرنسيّ تودوروف هو أول من صاغ المصطلح عام 1969، ليدلّ على علم جديد لم يوجد بعد وهو علم القصص، وكانت القصص/السرديات أسلوب يتبعه الكثير من الأدباء للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، لمرونته، وقدرته الأوسع على تحويل الكلام إلى معان ذات دلالة للقارئ، وللتعمق أكثر لفهم هذا العلم لا بدّ من معرفة تعريف النص السردي ووظائفه وأشكاله والعديد من قضاياه المتعلقة به من خلال المقالة تاليا.

تعريف النص السردي

يعرف النص السردي بأنّه كلّ نص شفوي أو مكتوب، تقوم بنيته على سرد الحكاية الواقعية أو الخيالية، والسرد في أصله خطاب لغوي نثري ذو وظيفة مرجعية تُصوّر أو تُوهِم بتصوّر شخصيات وأحداث حقيقيّة مندرجان في إطار زمني ومكانيّ، يهدفُ في النهاية إلى الوصول لمعنى أخلاقيّ أو اجتماعيّ أو سياسيّ وغيرهم. وتتداخلُ فيه أشكال لغويّة أخرى كالحوار المتألّف من أحداث ترتيبا متسلسلًا أو منطقيًا متعمدًا، أو الوصف الذي يمنح القارئ القدرة على تمثل موضوع ما أو رؤية تموضع شخصية أو حدث ما في فضاء زماني ومكاني محدّد. [١]

ويُعرف النص السردي بأنّه نص مرجعي ذو سيرورة زمنية، والشخصيّة الفاعلة هي أساس ترابط الأحداث ووحدتها في النصّ، وهذا يعني أن يدخلَ في تعريف النص السردي مفاهيم أخرى، منها المنظور السردي، الذي يُعنى بمن يحكي الحكاية الضمير البارز فيها، ويدرسه ويظهر في السرد على شكلين، هما: [١]:

  • ضمير المتكلم: حيث يحضر السارد في الحدث حضورا أساسيا.
  • ضمير الغائب: بواسطة سارد يفترض أن يكون محايدا مختفيا خلف مجموعة من الأقنعة.

والحديث عن وحدة الأحداث في تعريف النص السردي لا التّعاقب والتّتالي، إنّما أن تقومَ الأحداث على ترابط سببيّ منطقي بين الأحداث، تكونُ فيها العلاقة الزمنيّة بين الأحداث هي القصة أو الرواية ذاتها، أمّا الرابط السببي فهو الحُبكة في كليْهِما، كما يظهر أيضا مفهوم الرؤية السردية، الذي يعني زوايا النظر التي ينظر بها إلى الشخصيات والأحداث، وهذه تتخذ ثلاثة مظاهر في تعريف النص السردي هي: [٢]:

  • الرؤية من الخلف، وفيها يكون السارد عالمًا بدواخل الشخصية، وعارفًا عنها أكثر ممّا قد تعرفها عن نفسها، فهو يعلم بما تفكّر الشخصية قبل أن تفكّر فيها، وما تشعر قبل أن تشعر فيه، وهو المتحدّث بلسانها.
  • الرؤية من الخارج، وفيها تكون معرفة السارد بالشخصية منعدمة، أو شبه منعدمة، فالسارد كالقارئ يتابع ما بسرده ما تقوم به الشخصية من أقوال وأفعال دون أن يعرف ما تفكر به.
  • الرؤية المصاحبة، وفيها تكون معرفة السارد متساوية لمعرفة الشخصية.

والاختلاف في مفهوم الرؤية السردية يجعلُ من السارد مفهومًا مختلفًا عن الشخصية، إذ إنّ السارد في هذه الحالة له أن يتدخّلَ يُبدي وجهة نظره في الشخصيّة وأفعالها داخل النص السردي، وهذا يعني تناول مفهوم آخر يخصّ السارد وهو التبئير/ بؤرة السرد الذي يكشف حال السارد داخل النص السردي ومستوى إدراكه للعالم المحكيّ أو الموصوف عنه، ويظهر في النص السردي على ثلاثة أشكال: الأول ويعرف بالتبئر الداخلي/ بؤرة الشخصية ويكون السرد فيه محصورًا في وجهة نظر شخصية واحدة من شخصيات الحكي، والثاني التبئير الخارجي/ بؤرة الصفر ويكون السارد فيها شاهدًا على الأحداث جاهلًا بالحكي الذي يسرده والثالث التبئير صفر/ اللاتبئير وهذا ما يوجد عادة في السرد التقليديّ. [٢]

الفرق بين الكاتب والسارد والشخصيات

في تعريف النص السردي، يبرز للقارئ عدد من المصطلحات، منها الكاتب، ومنها الشخصية، ومنها السارد، وتعدد المصطلحات ليس من باب الترادُف، إنّما لاختلاف وظيفة كلّ من حامل لهذا المسمّى داخل النص، واختلاف هذه الوظيفة هو ما يحدث الفروقات في حضورها في النص السردي، وهذه الفروقات هي:

  • الكاتب: مبدع النص ومنشأه ومؤلّفه، ولولاه ما كان ليخرج للوجود، الكاتب يتحدّث من فوق النص، ويجعل شخصًا آخر يتحدث في النص باسمه، وهو السارد/ نائبًا عن الكاتب بوصفه أحد شخصيات المسرود، وقد يكون تواجده كشخصية مفترضة داخل النص لا يتحدث عنه أحد.
  • الشخصية: وهي أحد عناصر النص السردي/ العمل الأدبيّ، ولها أنواعها فيه من حيث النموّ والتطور، ولعب الأحداث داخل النص السردي، ويثبت لها أنها تمثل دورًا يعطيها إيّاه الكاتب في النص السردي.
  • السارد: يشبه السارد المعلّق الرياضي، فهوا الذي يعرض أحداث النص السردي، ويعلق عليها عن قرب أو بعد، وفي كثير من الأحيان، خاصة في أدب السيرة الذاتية، يكون السارد هو ذاته الشخصية والكاتب.

في تعريف النص السردي لا بدّ من التفريق بين ثلاثة مصطلحات، هي الكاتب والشخصية والسارد، لما بينهم من فرق في الوظيفة، وهذا الفرق هو: [١]

  • الكاتب: هو مؤلف النص ومبدعه، الكنه ليس من يقوم بالسرد داخل النص السردي، بل ينيب عنه صوتًا آخر هو صوت السارد الذي قد يكون أحد شخصيات المحكي، وقد يكون شخصية فنية مفترضة داخل النص.
  • الشخصية: هي الممثل الذي يسند إليه الكاتب دورًا ما في المسرود، وينفرد بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن غيره.
  • السارد: وهو الذي يقوم بمجموعة من الوظائف أهمها: عرض الأحداث، وتوجيه السرد والتعليق عليه، والاتصال بالقارئ بناء على مبدأ الثقة القائمة بين الراوي والمروي له. قد يكون السارد في بعض الأعمال السردية هو نفسه الكاتب والشخصية الرئيسية كما يظهر في السيرة الذاتية.

أشكال السرد

هناك ثلاث أشكال للسرد بوصفه نشاطا زمنيًا، ويختلفُ فيها الزمن السرديّ عن الزمن الواقعي، فإذا كان الواقعيّ يسبرُ بخط مستقيم ومنطقي، إلا أن الزمن السردي يسمح بالتعقيدات والتداخلات والتشابكات، وبناء عليه كانت أشكال السرد الآتية: [١]:

  • السرد المتسلسل: ويعرف أيضًا بالسرد الخطيّ، ويتم في هذا النوع سرد الأحداث كما وقعت في زمنِها الحقيقي الواقعي، وتكتب بمثل هذا الأسلوب النصوص التاريخية واليوميات. ويقوم السارد فيه بذكر الحدث الأول الواقع في الزمن الأول، وبعدها ينتقل إلى الحدث الثاني الواقع في الزمن الثاني وهكذا، وهذا التسلسل الزمني هو تسلسل حتمي، فلا يمكن فيه أن يقع الثاني قبل وقوع الحدث الأول. كما يتحتم على السارد في السرد المتسلسل أن يمر بعناصر السرد على الترتيب من البداية، فالحدث الدافع للأحداث، فالعقدة، فالحل حتى يصل إلى النهاية.
  • السرد المتقطع: لا يلتزم هذا الشكل من السرد التتابع المنطقي في الأحداث، فهو يبدأ من النهاية، وينهي بالبداية، معتمدا العديد من التقنيات السردية المختلفة، مثل الوصف والتلخيص والحذف والاسترجاع.
  • السرد التناوبي: ينتشر هذا النوع من السرد أكثر في المسلسلات التلفزيونية، ويُذكر الأحداث من خلالها بالتناوب والترتيب، ويرد كثيرا في القصص من خلال اللوحات القصصية أو المقاطع السردية، ويشترط في هذا النوع من السرد، وجود روابط مشتركة قد تكون ظاهرة وقد تكون خفية بين الشخصيات والأحداث المختلفة.

الأنسجة السردية في الرواية العربية

عانت الأمة العربية أعقاب النكسة 1976، وقد ظهرت نتائج هذه الأزمة على الصعيد السياسي، ولكنها برزت من خلال منعطفات حادة مرت بها الرواية العربية، التي تغيّرت فيها الأنسجة السردية/ أو البناء السردي للرواية، وظهرت أشكال جديدة منها متمردة على النسيج القديم للرواية العربية، ومن هذا الأنسجة التي على الناقد الالتفات إليها أثناء تعريفه للنص السردي وتحليله على وجه التمثيل لا الحصر:

  • السرد المهجن والمفارقات: وهو السرد الذي تتداخلُ فيه العناصر السرديّة من السرد الحديث بعناصر سردية من الفنون القديمة بما يُعرف بالتناص، مع توظيف المفارقة كبنية درامية تعمل على التعارض والتناسق مع الحقيقة في النص من خلال تداخل النص بالنصوص القديمة أو من خلال اللغة، ومن أمثلتها رواية الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل لإيميل حبيبي. [٣]
  • السرد الغنائي: وهو السرد الذي يستثمر الطاقات الفنية للفنون الشفاهية القديمة، ويتشكل من خلال الصراع بين حُبكة السرد والصراع الذي يظهر من خلال توظيف التجاور والتكرار والتداخل والاسترسال والصور الافتراضي... إلخ، والعديد من المصطلحات التي قد يتعرض لها الناقد الأدبي ولا بد أن يمتلكها ويمتلك القدرة على تتبعها بعد الانتهاء من تعريف النص السردي الذي سيقوم بتحليله.
  • السرد الفسيفسائي: وفيه يكونُ السرد على شكل فصول لا ترتبط فيما بينها بأي تسلسل ولا سببية في بناء الأحداث، مستقلة استقلالا كبيرا لولا الخيوط الضعيفة الرابطة بينها، ويغلب عليها قلة الأحداث الروائية وسيطرة الوصف على السرد، مما يجعل السكون يسيطر على الرواية أكثر من الحركة، ومثاله رواية النخاس لصلاح الدين بوجاه.
  • السرد المتشطي: وفي هذا السرد تبدو الأحداث متناثرة متباعدة داخل النص السردي لا ترتبط بأي رابط سببي، ولا تحمل أي دلالة في الحياة الطبيعية، وفيها تبنى الأحداث بالتجاور التوازي الذي يظهر في كلية البنية السردية العلاقة بين المخفي والظاهر من الأشياء التي نراها في الواقع المعاش، ومثاله رواية أنت منذ اليوم لتيسير السبول. [٤]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث النص السردي, ، "www.alukah.net"، اطلع عليه بتاريخ 4/2/2019، بتصرف
  2. ^ أ ب الراوي والمنظور في السرد الروائي, ، "www.diwanalarab.com"، اطلع عليه بتاريخ 4/2/2019، بتصرف
  3. الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل, ، "www.marefa.org"، اطلع عليه بتاريخ 4/2/2019، بتصرف
  4. تيسير السبول, ، "www.marefa.org"، اطلع عليه بتاريخ 4/2/2019، بتصرف
7519 مشاهدة
للأعلى للسفل
×