تعريف بر الوالدين

كتابة:
تعريف بر الوالدين

مفهوم البر

البِرُّ لغةً: الصِّدق والطَّاعة والفضل والخير، وبَرَّ يَبـَرُّ، إذا صَلَحَ، وبَرَّ في يمينه، إذا صدَّق في يمينه، وبَرَّ رحمه، إذا وصلها، ويقال: فلان يَبَرُّ ربَّه، إذا أطاعه، والمصدر: البِرُّ، والبَـرُّ: التّقيّ والصَّادق، وهو خلاف الفاجر، والبِرُّ: عكس العقوق، وقد بَرَّ والديه يَبَرُّهما ويَبِرُّهما بِرًّا، وهو بَـرٌّ وبارٌّ بهما، وجمع البَرِّ الأبرار، وجمع البَارِّ البَرَرَةُ ، والبِرُّ اصطلاحًا: البِرُّ بالكسر: التّوسُّع في فعل الخير، الذي هو في تزكية النَّفس، يُقال: بَرَّ العبدُ ربَّه: توسَّع في طاعته، وبِرُّ الوالدين: التَّوسع في الإحسان إليهما، والرِّفقُ بهما، وضدُّه: العقوق، ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه، والبِرُّ: الصِّلة، والمبالغة في الإحسان والمعروف، وسيأتي بعد هذا التّعريف تعريف بر الوالدين.[١]

تعريف بر الوالدين

لتعريف بر الوالدين، يجب أن يُعرف بأنّ الإسلام دين البرّ، فمن كثرة تمجيد الإسلام للبرّ صار يعرف به، فتعريف بر الوالدين: هو الإحسان إليهما بالقلب والقول والفعل، وقد أكّد الله تعالى على الإحسان للوالدين، وقرن ذلك بعبادته وعدم الشّرك به، حيث قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}،[٢] فيدخل في البرّ جميع ما يجب على الأبناء فعله تجاه الوالدين من الرّعاية والعناية، أي تقديم أحسن المشاعر وأحسن الكلام وأحسن الأفعال، وإنّ من البرّ بهما حسن الطّاعة ولين الجناح وبذل المال لهما، وحسن التّأدّب بحضورهما مع طلاقة الوجه وحسن المعاشرة، والإنفاق الماديّ عليهما قدر الاستطاعة، واستكمالًا لتعريف بر الوالدين ألّا يتعرّض لسبِّهما ولا لعقَّهما، وأن يسمع كلامهما ويقوم بقيامهما، ويمتثل لأمرهما في طاعة الله، ولا يمشي أمامهما، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، ويحرص على طلب مرضاتهما، ويخفض لهما جناح الذّلّ، ولا يمنّ عليهما ببرّه لهما، ولا بالقيام بأمرهما، ولا ينظر إليهما غاضبًا، ولا يقطّب وجهه في وجههما".[٣]

فضل بر الوالدين

إنّ فضل برّ الوالدين يأتي إغناء لبحث تعريف بر الوالدين، فقد أكّد الله تعالى البرّ بالوالدين في كتابه، وجعل ذلك من أصول الدّين الحنيف، وهذا متّفق عليه بين الأديان جميعًا، فقال الله تعالى على لسان يحيى: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً}،[٤] وكذلك قال تعالى على لسان عيسى بن مريم: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}،[٥] وجاء القرآن فجعل الأمر ببرّ الوالدين بعد عبادة الله وحده لا شريك له، فقال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}،[٢]ومن فضائل بر الوالدين:[٦]

  • برّ الوالدين يعدّ من أحبّ الأعمال إلى الله: لحديث رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- عندما سئل عن: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».[٧]
  • برّ الوالدين يُطيل في العمر ويَزيد له في الرّزق: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».[٨]
  • برّ الوالدين من أسباب تفريج الكروب: ودليل ذلك الحديث: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ،..»،[٩] وفرّج الله عنهم فرجةً رأوا من خلالها السّماء بذكر أحدهما إحدى قصص برّه بوالديه.
  • برّ الوالدين من أسباب رضا الرّبّ: وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ».[١٠]
  • برّ الوالدين من أسباب استجابة دعاء الوالد لابنه البار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ».[١١]
  • برّ الوالدين أو برّ الأقرب لهما من أسباب قبول التوبة: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رَجُلٌ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟، فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟ »، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ»؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَبِرَّهَا إِذًا».[١٢]
  • برّ الوالدين والسّاعي عليهما هو في سبيل الله: لحديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَة:..فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ..».[١٣]

وجوب بر الوالدين مسلمين كانا أم مشركين

كما سبق الحديث عن تعريف بر الوالدين وبأنّه من الدّين وبأنّه فرض عين، فهو لا يختص بكون الوالدين مسلمين، حتّى ولو ولم يكونا مسلمَيْن، يجب برّهما والإحسان إليهما، ما لم يأمرا ابنهما بشرك أوبارتكاب معاصٍ، لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}،[١٤] وكذلك لقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}،[١٥] وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ، إذْ عَاهَدُوا رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومُدَّتِهِمْ مع أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وهي رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِيهَا».[١٦][١٧]

بر الوالدين في القرآن الكريم

من خلال تعريف بر الوالدين فقد تبيّن بأنّ الله تعالى وتعظيمًا لشأن البرّ، فقد أعطاه في القرآن الكريم حيّزًا واسعًا، فقد أكّد القرآن الكريم على بر الوالدين بالإحسان لهما والرّفق بهما، وحثّ على ذلك، في مواضع عديدة، قارنًا بر الوالدين بعبادته وبعدم الإشراك به، إذ لا يصلح إيمان العبد بربّه دون البرّ بوالديه، كلّ ما تقدّم من روافد تعريف بر الوالدين وممّا جاء في كتاب الله تعالى عن بر الوالدين:[١٨]

  • قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.[١٩]
  • قال تعالى في سورة لقمان: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. [٢٠]
  • قال تعالى في سورة النّساء: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.[٢١]
  • قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.[٢٢]
  • قال تعالى في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ}.[٢٣]
  • قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.[٢٤]

المراجع

  1. "معنى البِرِّ لغةً واصطلاحًا"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة النساء، آية: 36.
  3. "بر الوالدين"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 14.
  5. سورة مريم، آية: 32.
  6. "فضل برّ الوالدين"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 85، صحيح.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 13401، صحيح.
  9. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2743، صحيح.
  10. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 516، حسن بجموع الطرق.
  11. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه ، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3129، حسن.
  12. رواه بن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 435، خرجه في صحيحه.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن كعب بن عجرة ، الصفحة أو الرقم: 1428، صحيح.
  14. سورة الممتحنة، آية: 8.
  15. سورة لقمان، آية: 14-15.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 3183، صحيح.
  17. "بر الوالدين واجب مسلمين كانا أو كافرين "، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
  18. "آيات عن بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2019. بتصرّف.
  19. سورة الإسراء، آية: 23.
  20. سورة لقمان، آية: 14.
  21. سورة النّساء، آية: 36.
  22. سورة البقرة، آية: 83.
  23. سورة الأحقاف، آية: 15.
  24. سورة العنكبوت، آية: 8.
6992 مشاهدة
للأعلى للسفل
×