المال والاقتصاد
يُشكّل المال والاقتصاد عصب الحياة لأيّ دولةٍ مُستقلّة؛ فالمال هو الوَسيلة التي تتمكّن فيها الدّولة من الإنفاق على الجوانب المختلفة فيها، كما أنّه وسيلة لتحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي في البلد؛ لذلك فقد أولى الإسلام مسألة المال وتنظيم جمعه وإنفاقه أولويّةً كبيرة نظرًا لدوره الحيويّ والأساسيّ في المجتمع.
حين توسّعت الدّولة الإسلاميّة وأصبحت مُترامية الأطراف ويجبى إليها المال الوفير والغنائم أصبحت الحاجةُ ملحّةً أكثر لوجود ما يُسمّى ببيت المال؛ فبيت المال هو المكان الذي يُحفظ فيه ما يجمع من الأموال التي تخصّ الدّولة ليتمّ بعد ذلك تنظيم صرف هذا المال وفق أسسٍ وقواعد معيّنة وصارمة تضمن عدم ضياع المال أو هدره، فبيت المال يُشبه كثيرًا في وَظيفته وزارة الماليّة أو البنك المركزي في الدّول الحديثة المُعاصرة.
تعريف بيت المال
المال لغةً: هو ما مَلكته من جميع الأشياء،[١] وأمّا في اصطلاح الفُقهاء؛ ففي تحديد معنى المال رأيان هما:[٢]
- عند الحنفية: المال هو كلّ ما يُمكن حيازته وإحرازه ويُنتفع به عادةً، وقد وَرد تَعريفُ المال في مجلّة الأحكام العدلية في المادة (126) نقلًا عن ابن عابدين الحنفي بأنّه: ما يَميلُ طبع الإنسان له، ويُمكن إحرازه وتملّكه وادّخاره إلى وقت الحاجة، منقولًا كان ذلك المال أو غير منقول.[٣]
- عند جمهور الفقهاء: هو كُلّ ما له قيمة يَلزم متلفه بضَمانه، وهذا المعنى هو المأخوذ به قانونًا؛ فالمال في القانون: "كل ذي قيمة مالية".
يُعرّف بيت المال بأنّه بيتٌ لمالِ المُسلمين؛ وهو نظامٌ مالي وضعه الإسلام في عهد النبي الكريم والخلفاء الراشدين، وهو بصورة أوضح: (المؤسسة التي تُشرف على ما يَرِدُ من الأموال وما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة؛ لتكون تحت يد الخليفة أو الوالي، يضعها فيما أمر الله به أن تُوضع بما يُصلح شئون الأمة في السلم والحرب).[٤]
مصادر بيت مال المسلمين
تتعدّد مصادر الأموال التي تأتي وتدخل في بيت مال المسلمين وتكثر، وذلك حسب الجهة التي يجب عليها دفع المال لبيت المال، فمرّةً يجب على المُسلمين دفع الأموال وتكون هي مصدر تمويل بين المال، وفي حالة أخرى يكون مصدر تمويل بيت المال من الكفار عن طريق الغنائم وأموال الجزية وغيرها، ومن مصادر بيت المال في الشريعة الإسلامية:[٥]
- أموال الزّكاة: هي التي تجمع من الأغنياء ومن تجب الزكاة في أموالهم.
- أموال الصّدقات: الّتي يُخرجها المسلمون عنهم وعن أبنائهم وأهليهم.
- أموال الجزية: التي يَجمعها المسلمون من أهل الذمّة الذين يعيشون في بلاد الإسلام مقابل توفير الأمن والحماية لهم مع بقائهم على دينهم.
- أموال الخراج: التي هي الضّرائب التي تفرض على الأراضي التي حَرّرها المُسلمون؛ حيث يتصالح المسلمون مع أصحابها على أن يبقوا عليها ويُقيمون على إصلاحها وتعاهدها مقابل نسبةٍ مُعيّنة من خراج هذه الأرض يؤدّى إلى بيت المال.
- الغنائم: من واردات بيت المال الغنائم التي يحصل عليها المسلمون في المَعارك والحروب من خلال قتال المُشركين وغزوهم، حيث تكون لبيت المال حصّةٌ مقدّرةٌ من تلك الغنائم.
- الأنفال: من واردات بيت المال كذلك الغنائم؛ وهي الأموال التي يحصل عليها المسلمون في المعارك من غير قتال، ويكون لبيت المال فيها حصّة أيضاً.
- الخمس: الخمس يعني خُمس الخارج من الأرض من المعادن بأنواعها كالذهب والفضة والحديد، ومثل ذلك المُستخرج من البحر من الأشياء النفيسة كاللؤلؤ وغيره.
- خُمس الركاز: هو المال الذي دُفن في الأرض، كالذهب والنفائس إن كانت مَصكوكةً؛ ممّا يعني وجود شخصٍ أو جماعة دفنوها في السابق، فيأخذ الذي يجدها أربعة أخماسها ويُعطى بيت مال المسلمين خمسها.
- مال المرتد: المرتد إن قُتل أو مات لا يرث منه وارثه المسلم ويرجع ماله لبيت المال، والزنديق كذلك.
- مال الذمي إن مات وليس له وارث، أو كان له وارثٌ وفضّل شيءٌ من ماله عن وارثه.
- غلات أملاك بين المال وناتج تجارته بالأموال التي تودع لديه.
- الهدايا التي تقدّم إلى الولاة والقضاة وعمّال الدولة المُعينين بعد تسلمهم الولاية والقضاء.
- الضرائب الموظّفة لمصلحة الرعية وتيسير أمورهم، ولا تُفرض الضرائب على الرعية إلا إذا خلا بيت المال أو لم يجد الوالي ما يكفي لتَغطية أمور المسلمين، وكانت في العمل ضرورةٌ ملحة.
- الأموال الضائعة: هي المال الذي يوجد ولا يُعرف صاحبه، والأموال التي تعثر عليها الدولة بين أيدي اللصوص إن لم يُعرف أصحابها.
- المواريث: هي أموال مَن مات مِن المسلمين ولم يكن له وارثٌ يرثه، أو كان له وارثٌ لكن نصيبه في الإرث لا يحوي مال المورث جميعه.
- الغرامات والمصادرات: ورد في السنَّة النبوية جواز تغريم مانع الزكاة بأن يؤخذ منه شطر ماله، وبهذا قال إسحاق بن راهويه، وأبو بكر، كما ورد كذلك تغريم مَن أخذ شيئاً من الثمر المعلَّق وخرج به، فيؤخذ منه ضعف قيمة ما أخذ، وهو قولٌ للحنابلة وإسحاق بن راهويه، كما ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صادر نصف أموال بعض الولاة الذين ظهر عليهم الثراء بعد تولّ يهم الإمارة.
مصارف بيت المال
إنّ مَصارف بيت المال كثيرة، وتتنوّع وتتغيّر بتغيّر الأزمان وأحوال الناس ومُتطلّباتهم، وتوسّع الدولة الإسلامية وتغيّر حاجاتها، ومن أبرزها:[٤]
- إنفاق الأموال على الفقراء والمساكين واليتامي حيث يجب على الدولة المُسلمة كما جمعت أموال الزكاة من الأغنياء أن تردّها على الفقراء.
- تأمين رواتب الموظّفين: فيجب على بيت مال المسلمين التابع للدولة الإسلامية أن يؤمّن رواتب الموظّفين فيها كالجند، والولاة، والعمال، والقضاة، وغيرهم.
- تجهيز الجيوش وإعدادها وتأمين ما يَلزمها من الأسلحة والأطعمة والعِتاد، وغير ذلك.
- أداء المَشاريع الحيويّة والاستراتيجية للدولة: فينبغي على بيت المال أن يُنفق على إعداد وتَجهيز المَشاريع الخاصّة بالدّولة التي تكون فيها خدمة للناس وتأمين ما يَحتاجون وما يعود عليهم بالنّفع والمصلحة وخاصّةً ما له دورٌ في توفير الأمن والحماية والرّاحة والاستقرار لهم.
المراجع
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 635. بتصرّف.
- ↑ عبدالحق حميش، الحسين شواط، فقه العقود المالية، -: دار الكتاب الثقافي، صفحة 14. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من العلماء (1999)، مجلة الأحكام العدلية (الطبعة الأولى)، عمان - الأردن: دار الثقافة، صفحة 16. بتصرّف.
- ^ أ ب الأستاذ الدكتور راغب السرجاني (16-5-2010)، "بيت المال في عهد النبي والخلفاء الراشدين"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 26-6-2017. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد (9-10-2009)، "موارد بيت المال في الدولة الإسلامية"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 27-6-2017. بتصرّف.