محتويات
ما هو شعر الفتوح
ما الدَّوافع الَّتي ولَّدت هذا اللَّون الشِّعري الخاص؟
لمَّا منَّ الله على عباده بالإسلام، بعد أن استحكمت الجاهلية وأفسدت في الأرض والأنفس، كان لا بدَّ لإعلاء هذا الدِّين الحنيف ونشره من بسط قوَّة الإسلام ومدِّ سلطانه بالسَّيف، فتقدَّمت طلائع الأقلام من طلائع السُّيوف، فدافع الشُّعراء المسلمون عن الدِّين الحنيف بالشِّعر، وانتصروا للإسلام وللرَّسول الكريم محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فكانت كلماتهم سهامًا أصابت أعداء الإسلام قبل أن تصيبهم السُّيوف، وتغنَّى المسلمون في انتصاراتهم في هذا النَّوع الشِّعريّ الغنائيّ الحماسي، وهو يختلف عن شعر الملاحم الذي يميل فيه الشُّعراء إلى التعظيم والتهويل والإغراق في الخيال.[١]
قد بارك النَّبي الكريم هذه الحماسة فيهم وشجَّعهم على الذَّود عن الإسلام، ومن ذلك "أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قالَ لحسَّانَ بنِ ثابت: هاجِهم أو اهجُهم، وجبريلُ معك"[٢]، ممّا يدلُّ ما لهذا الشِّعر من أثر، وما كان له من وقع قويٍّ في نفوس الأعداء، وكتب شعراء المسلمين قصائدَ كثيرةً في ذلك، أُدرِجت فيما بعد تحت مسمَّى شعر الفتوح.
قد ابتعدوا في أشعارهم تلك عن العصبيَّة القبليَّة والتَّطرُّف العرقيّ والأهواء الشَّخصيَّة لتتَّخذ أشعارهم بعدًا دينيًّا، حيث صدرت عن عقيدةٍ راسخةٍ وإيمانٍ قويٍّ ثابت، وقد ضاع الكثير من شعر الفتوح لأسبابٍ كثيرةٍ ربَّما كان أبرزها استشهاد الشُّعراء الأوائل في الفتوح فلم يصل ممّا كتبوا إلَّا أبيات متفرِّقة، بالإضافة إلى انصراف الشٌّعراء الفرسان إلى القتال في الحروب واشتغالهم عن فنِّ القول، كما ركَّز المؤرِّخون على الأحداث المهمَّة في الفتوح فلم يعيروا الشِّعر اهتمامًا إلَّا فيما يخدم الحدث المرويّ، كما أنَّ فترة الفتوحات كانت قصيرةً امتدَّت لستِّ سنواتٍ فقط.[٣]
على قلَّة هذه الأشعار إلَّا أنَّها تحمل قيمةً وجدانيةً وتاريخيَّةً مهمَّة، فإنَّ فيها الكثير من وقائع الفتوح وأحداث المعارك ممَّا يجعلها وثائق تاريخيَّة، بالإضافة إلى ما تكشفه من مشاعر الفاتحين وما ترسمه من أنماط حياة المقاتلين وظروفهم في ذلك الزَّمان، وكما تُبيِّن مدى ألم ذوي الشُّهداء وأحبابهم ومشاعر الفراق واللَّوعة والحنين، كما صوَّرت تلك الأشعار الطَّبيعة والعمران في المناطق المفتوحة.[٤]
أهم خصائص شعر الفتوح
ما الذي ينماز به شعر الفتوح عن غيره من أشعار العرب؟
قد اتَّسم شعر الجهاد والفتوح الإسلاميَّة بسماتٍ عديدةٍ ميَّزته عن سواه، يمكن إجمال تلك السِّمات في:[٥]
- الغنى بالقيم الإسلاميَّة والاحتكام إلى روح العقيدة الإسلاميَّة.
- الاقتصاد في اللَّفظ والبُعد عن المماطلة والتَّخلص من المقدِّمات الَّتي كانت في العصر الجاهليِّ وفي عصر صدر الإسلام.
- اعتماد موضوعٍ واحدٍ في الغالب، ووحدة الغرض في المقطَّعات.
- صدور تلك الأشعار عن عاطفةٍ صادقةٍ، إذ جاءت عفو الخاطر تظهر فيها الرُّوح الجهاديةَّ والإقبال على الغاية.
- صدور تلك الأشعار عن روح الجماعة الَّتي أذابت العصبيَّات القبليَّة.
- الابتعاد عن التَّكلف والصَّنعة، فجاءت سهلةً واضحةً لا تُعنى بالكثير من الزَّخرفة.
- الاشتمال على أخبار الجيوش والخطط الحربيَّة، وعادات البلاد المفتوحة ودياناتها، وبيان أسباب النَّصر والهزيمة.
موضوعات شعر الفتوحات الإسلامية
ما المسائل الَّتي طرحها هذا النَّمط الشِّعريّ؟
طرحت أشعار الفتوح موضوعاتٍ عديدةً عن الشَّوق والحنين والجهاد والفداء والبطولة، وقد سجَّلت بعمومها وقائعَ أرَّخت لتلك المدَّة. ولعلَّ من أبرز الموضوعات الَّتي دارت حولها تلك المقطَّعات الشِّعريَّة هي:
- الإصرار والتَّصميم على الجهاد، وتلبية نداء الله، وهو ما نراه في أبيات النَّابغة الجعديّ، وفيها يتحدَّث عن زوجه الَّتي ألحَّت عليه بالبقاء في البيت بعيدًا عن ميدان السِّلاح، حيث قال:[٦]
باتتْ تُذكِّرُني باللَّهِ قاعدةً
- والدَّمعُ ينهلُ من شأنيهِما سُبُلا
يا ابنةَ عمِّي كتابُ اللهِ أخرجَني
- كُرهًا وهلْ أمنعنَّ اللهَ ما فعلا؟
فإنْ رجعتُ فربُّ النَّاسِ أرجعَنِي
- وإنْ لحقتُ بربِّي فابتغِي بَدَلا
ما كنتُ أعرجَ أو أَعمَى فيعذُرَنِي
- أو ضارعًا من ضنىً لم يستطعْ حولا
- برز الفخر في أشعار الفتوح بصورةٍ كبيرة، كيف لا وفي الجهاد تتجلَّى أسمى معاني البطولة، فإنَّ الرُّوح أغلى ما يمتلكه الإنسان وحين يستغني عنها فداءً لغايةٍ جليلةٍ فإنَّ هذا ممّا يدعو للفخر ويحمل صاحبه على المباهاة بعمله الشَّريف، ونجد ذلك في قول الشَّاعر أبي محجن الثَّقفيّ الذي شارك في القادسيَّة وأظهر شجاعةً وبطولةً، وقد قال في ذلك:[٦]
لَقَد عَلِمتْ ثقيفٌ غيرُ فخرٍ
- بأنَّا نحنُ أكرمُهم سُيُوفا
وأكثرُهم دروعًا سابغاتٍ
- وأَصبرُهم إذا كَرِهوا الوُقُوفا
- وقد دارتِ المعاركُ في بلادٍ كثيرةٍ ابتعد فيها المحاربون عن أوطانهم، فاشتعلت جذوة الشَّوق والحنين في قلوبهم، وكتبوا في ذلك أبيات تقطر إحساسًا ورقَّةً، ومن ذلك ما قاله أحد الشُّعراء في حنينه إلى موطنه في (نجد)، حيث قال:[٧]
أحنُّ إلى أرضِ الحجازِ وحاجتي
- خيامٌ بنجدٍ دونَها الطَّرفُ يَقصرُ
أَفِي كُلِّ يومٍ نظرةٌ ثمَّ عبرةٌ
- لعينيكَ مَجرَى مَائِها يتحدَّرُ؟
متى يستريحُ القلبُ إمَّا مجاورٌ
- بحربٍ، وإمَّا نازحٌ يتذكَّرُ
- وقد اشتكى المحاربون من بعض القادة والولاة ممّن لم ينصفوا في توزيع الغنائم، وسجَّل بعضهم هذه الشَّكاوى في أشعاره، وشكَّلت تلك الشكاوى موضوعًا مستقلًّا في شعر الفتوح، يكشف عن خلفيَّات المعارك وما وراءها من مشكلاتٍ إداريَّةٍ، ومن ذلك ما قاله يزيد بن الصَّعق يشكو أصحاب الخرَّاج إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:[٧]
نَؤوبُ إذا آَبُوا، ونَغزُوا إذَا غَزَوا
- فأنَّى لَهُم وفرٌ ولَسنَا أُولِي وَفر
أثر الفتوحات الإسلامية في الشعر
كيف حوَّلت الفتوحات الإسلاميَّة اتجاه الشِّعر العربي؟
لقد غيَّر الإسلام شكل الحياة الَّتي عرفها النَّاس من قبله، وانقلبت أحوال من دانوا بديانة الإسلام في جميع مناحي الحياة، فأثَّر في المأكل والملبس والمنامة والعمل وطرائق التَّفكير، وقد ظهر هذا التَّغيُّر فيما أُثِرَ عنهم من قولٍ وأشعارٍ وغير ذلك، وأثَّرت الفتوحات الإسلاميَّة بدورها في الشِّعر العربيِّ ومعانيه، فنرى أنَّها صادرةٌ عن روح الإسلام الَّذي أوجد قيمًا جديدةً في حياة العرب، وقد طغى الطَّابع الإسلاميُّ على أشعار الفتوح، فيجد القارئ فيما كُتِبَ في الجهاد معاني الفخر والتَّمكين للمسلمين وإظهار أثرهم في أنفس الأعداء باستخدام الألفاظ الَّتي تدلُّ على الجماعة والَّتي تلائم وحدة صفوف المسلمين وكيانهم.[٨]
وهو كيانٌ أسَّسته وحدة المعتقد والإيمان لا العصبيَّات القبليَّة الَّتي ذابت في حضرة الرُّوح المؤمنة، وتظهر هذه الرُّوح الواحدة في استخدام ضمائر الجمع في قول الشَّاعر الأسود بن سريع التَّميمي يوم الأهواز:[٨]
لَعَمرُكَ ما أضاعَ بنو أبينا
- ولكنْ حافظُوا فيمن يطيعُ
أَطاعوا ربَّهم وعصاهُ قومٌ
- أَضاعُوا أمرَه فيمَن يَضِيع
هذا الذَّوبان في روح الجماعة لا يعني انتفاء الفرد بل يعني تأكيد انتمائه إليها، فنجد عبد الله بن عتبان يفتخر بنفسه، ثمَّ يعود إلى روح الجماعة فيفخر بجماعة المسلمين ويقول:[٩]
مَنْ مبلغُ الأحياءَ عنِّي فإنَّنِي
- نزلتُ على جيٍّ وفِيها تفاقَم
حَجَزناهم حتَّى سَرَوا ثمَّ انْتَزَوا
- فصدَّهُم عنَّا القَنَا والصَّوارمُ.
كما أدت ظروف الفتح الطَّارئة إلى تحويل الشِّعر عن شكله القديم، حيث تحرَّر من المقدِّمات وتحوَّلت القصائد من المطوَّلات إلى المقطَّعات القصيرة، واعتمدت الغرض الواحد الَّذي ناسب الظَّرف وتشاغل النَّاس بالمعارك، وكانت أشعار الفتوح محمَّلةً بالمعاني الإسلاميَّة والمثل العليا الَّتي وضعها الدِّين الحنيف، حيث تساوى النَّاس في القدر إلَّا أن يزيد أحدهم تقوىً عن غيره، فلا تمييز طبقيّ ولا عنصري، فقد مُنحَ العبيد كراماتهم حتَّى أنَّ أحدهم وُهبَ ما لم يمنح لأحدٍ بعد أن أسلم وأجار مواطنيه، وكان اسمه مكنف، وقال عاصم بن عمرو أبيات فيه، منها:[١٠]
لَعَمرِي لقدْ كانتْ قرابةُ مكنفٍ
- قرابةَ صدقٍ ليسَ فيها تقاطعُ
أجارَهُم مِنْ بعدِ ذلٍّ وقلَّةٍ
- وخوفٍ شديد ٍوالبلادُ بَلَاقِع
حملت المعاني الجديدة آثار الديمقراطيَّة الإسلاميَّة، وحريَّة التَّعبير الَّتي ظهرت في الشَّكاوى الشِّعريَّة الَّتي كان يرسلها النَّاس إلى الخليفة طلبًا للإنصاف وإحقاق الحقّ، ومنها تلك الَّتي أُرسِلَت إلى عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، ويقول في مطلعها:[١١]
أَبلِغْ أميرَ المُؤمنينَ رسالةً
- فأنتَ أمينُ اللهِ في النَّهيِ والأَمرِ
وأنتَ أمينُ اللهِ فينا ومن يَكُن
- أمينًا لربِّ العرشِ يسلَمْ لهُ صدري
فلا تَدَعنْ أهلَ الرَّساتيقِ والوَرَى
- يُسيغُون مالَ اللهِ في الأَدمِ والوَفرِ
أبرز شعراء الفتوح
من أين جاءت المقدرة الإبداعيَّة لدى شعراء الفتوح، وهل نظموا الشِّعر قبلها؟
كتب العديد من الشُّعراء في الفتوح، وكان منهم من شارك فيها فذاد عن الإسلام بالسَّيف والقلم، ووقف آخرون في ميدان القلم يرشقون الأعداء بأشعارهم ويبثُّون الحماسة بالجنود، وقد كتب فيها شعراءٌ مغمورون لم ينالوا حظوةً قبل اشتراكهم في المعارك مثل: الأسود بن قطبة التَّميميّ، والقعقاع بن عمرو، وأخاه عاصم، وحسَّان بن المنذر بن ضرار الضِّبِّي، والأعور بن العبديِّ الشِّنيّ، ونافع بن الأسود بن قطبة التَّميميّ، وضرار بن الخطَّاب، وعمرو بن مالك الأزهريّ، وكثيِّر بن الغريزة النَّهشليّ، وكان ممن كتبوا أيضًا أولئك الَّذين لم يعرف عنهم الشِّعر من قبل ولم يكتبوه حتَّى أشعلت الحماسة فيهم المعاني وكتبوا ما كتبوه.[١٢]
سنتناول في هذا المقال أسماءً مهمَّةً من أبرز شعراء الفتوح، نسب إليها الكثير منه، من أبرزها:
أبو محجن الثقفي
هو عمرو بن حبيب، وقِيل مالك بن حبيب، وقِيل عبد الله، كان فارسًا وشاعرًا من الأبطال، جلده عمر مرَّاتٍ في الخمر ونفاه إلى جزيرةٍ فهرب ثمَّ سُجِن، ولمَّا كان يوم القادسيَّة رآهم يقتتلون وأراد أن يحارب الفرس، فطلب الخروج والاشتراك في القتال، وأنشد أبيات جاء فيها:[١٣]
كَفَى حزنًا أن تلتقي الخيلُ بالقَنَا
- وأُتركُ مشدودًا عليَّ وِثَاقيا
إذا قُمتُ غنَّانِي الحديدُ وغُلِّقَت
- مصارعُ دُونِي قَد تُصمُّ المُنَاديا
ففكَّت امرأة سعد بن أبي وقَّاص وثاقه وأعطته خيلاً وسلاحًا، وأبلى بلاءً حسنًا في المعركة تعجَّب له النَّاظرون، فلمَّا عاد سعدٌ إلى زوجه أدرك ما كان فأخلى سبيل أبي محجنٍ ووعده ألَّا يجلد ثانيةً وتاب الآخر عن شرب الخمر بعدها.[١٤]
عمر بن معد يكرب الزبيدي
صحابيٌّ جليلٌ، وهو شاعرٌ وفارسٌ من أمراء قبيلة زبيد، عرف بالبطولة والشَّجاعة، وشارك في فتوحات الشَّام والعراق، وقد حارب في اليرموك وأبلى خيرًا، وفي القادسية أرسل سعد بن أبي وقَّاص إلى عمر بن الخطَّاب يطلب العون، فأرسل إليه برجلين فقط هما عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد، وبعث برسالته إلى سعد "إنِّي أمددتُكَ بأَلفَي رجل". الأمر الَّذي يبيِّن ما لهذا الرَّجل من قوَّةٍ وبأسٍ شديدين، ومن جميل ما أُثِرَ عنه من شعرٍ في الأخلاق قوله:[١٥]
ليسَ الجَمالُ بِمئزَرٍ
- فاعلمْ وإنْ رُدِّيتَ بُردا
إنَّ الجمالَ معادنٌ
- ومناقبٌ أُورثنَ مجدًا
بشر الخثعمي
اختُلِفَ في اسمِه فقِيل زهير بن بشرٍ الخثعميّ، وقِيلَ زهيرُ بن سليمٍ الأزديّ، ينحدر من قبيلة خثعم، وهي قبيلةٌ قحطانيَّةٌ من عرب الجنوب في اليمن، وقد خرج مع عمر بن سعد والتحق بالإمام الحسين -رضي الله عنه- ولازمه حتَّى يوم عاشوراء واستشهد في ذلك اليوم، وقد كتب الفضل بن العبَّاس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطَّلب أبيات ينعيه بها ومن استشهدوا معه، حيث قال:[١٦]
أَرجِعُوا عامرًا ورُدُّوا زُهَيرا
- ثمَّ عُثمانَ فارجعوا غَارِمِينا
وارْجِعوا الحُرَّ وابن قينٍ وقوما
- قُتِلُوا حِينَ جَاوَرُوا صِفِّينا
أينَ عمرٌو وأينَ بشرٌ وقَتْلى
- مِنهُم بالعَراءِ مَا يَدفِنُونا
القعقاع بن عمرو
هو القعقاع بن عمرٍو التَّميميّ، صحابيٌّ جليلٌ، وفارسٌ من فرسان الإسلام وشاعرٌ من شعرائهم، شهد فتح دمشق وشهد كثيرًا من فتوح العراق، وسجَّل شجاعةً وبسالةً في القادسيَّة، وكتب الشِّعر في ذلك، وقد كان ممّن شهدوا معركتي صفِّين والجمل مع سيدنا عليّ -رضي الله عنه-. وقد قال فيه أبو بكرٍ الصِّديق -رضي الله عنه-: "صوتُ القعقاعِ في الجيشِ خيرٌ من ألفِ رجل"[١٧]. وقد كتبَ في القادسيَّة أبيات تصدر عن قلبه الشُّجاع وإقباله على الموت، جاء فيها:[١٨]
لَحربٌ شَمَّرتْ بِلِوَى قُدَيسٍ
- أحبُّ إليَّ من دعةِ البراحِ
وضربُ كتيبةٍ وطِعانُ أُخرى
- ألذُّ إليَّ من لبنِ اللّقاحِ
أبيات من شعر الفتوحات الإسلامية
لقد تركت أشعار الفتوح وقعًا كبيرًا في نفوس المسلمين، وأثَّرت في الأعداء وهزَّت قلوبهم، ودارت المعارك الكلاميَّة بين الطَّرفين وسجَّلت لونًا مختلفًا في الأدب حمل سماته الخاصَّة الَّتي تشبه عصره. وكان من هذا الشِّعر أبيات تميَّزت عمَّا سواها، ومما اشتهر منها:
- قول أبو محجنٍ الثَّقفيّ:
لَقَدْ علمتْ ثقيفٌ غيرُ فخرٍ
- بأنَّا نحنُ أجودُها سيوفًا
وأكثرُها دروعًا ضافياتٍ
- وأصبرُها إذا كَرِهوا الوُقُوفا
وأنَّا رفدُهم في كلِّ يومٍ
- فإنْ غضبوا فسلْ رجلاً عريفا[١٩]
- وممَّا اشتهر من شعر المغازي والفتوحات، أبيات لعبد الله بن سبرة الحرشيّ يرثي فيها يده ويفخر بما أبلاه وما أوقع بالأعداء، حيث قال:
ويلُ أمِّ جارٍ غداةَ الجسرِ فارقَني
- أعزِزْ عليَّ به إذ بان فانصدَعَا
يُمنَى يديَّ غدتْ منِّي مفارقةً
- لمْ أستَطِع يومَ خِلطاسٍ لَهَا تبعا
ومَا ضننتُ عليها أنْ أصاحبَها
- لكنْ حرصتُ على أنْ نستريحَ معا
ويتابع في أبياتٍ كثيرةٍ وصولاً إلى قوله:
فإنْ يكنْ أطربونُ الرُّومِ قطَّعها
- فقدْ تركتُ بِهَا أوصالَه قِطعَا[٢٠]
شكَّلت أشعارُ الفتوح الإسلاميَّة نفحاتٍ روحيَّةً وسجلًّا لحياة من كتبوها ولم يكتبوها في ذلك الأوان، واكتسبت قيمتها من صدقها وملامستها للواقع فكانت خطوطًا مسهمةً في رصد التَّاريخ واستجلاء ما وراء الحروب.
المراجع
- ↑ النعمان عبد المتعال القاضي، شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:18689، صحيح.
- ↑ هدى التميمي، الأدب العربي عبر العصور، صفحة 167. بتصرّف.
- ↑ يوسف بكار، في الشعر العربي القديم، صفحة 47. بتصرّف.
- ↑ هدى التميمي، الأدب العربي عبر العصور، صفحة 168. بتصرّف.
- ^ أ ب يوسف بكار، في الشعر العربي القديم، صفحة 47. بتصرّف.
- ^ أ ب يوسف بكار، في الشعر العربي القديم، صفحة 48. بتصرّف.
- ^ أ ب النّعمان عبد المتعال القاضي، شعر الفتوح الاسلامية في صدر الإسلام، صفحة 249. بتصرّف.
- ↑ النعمان عبد المتعال القاضي، شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، صفحة 250-251. بتصرّف.
- ↑ النعمان عبد المتعال القاضي، شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، صفحة 253. بتصرّف.
- ↑ النعمان عبد المتعال القاضي، شعرُ الفتوحِ الإسلاميَّةِ في صدرِ الإسلام، صفحة 254. بتصرّف.
- ↑ النعمان عبد المتعال القاضي، شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام، صفحة 175. بتصرّف.
- ↑ عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي، صفحة 405-406-407. بتصرّف.
- ↑ عبدُ القادر البغداديّ، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، صفحة 408. بتصرّف.
- ↑ "عمرو بن معد يكرب"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "زهير بن بشر الخثعمي"، إمام ريزا، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 556. بتصرّف.
- ↑ "لحرب شمرت بلوى قديس"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "لقد علمت ثقيف"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020.
- ↑ أبو تمام، الوحشيات الحماسة الصغرى، صفحة 25-26.