محتويات
جمع الحديث النّبويّ
بعث الله رسوله محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- بديانة الإسلام الخالدة، وجعله مُؤيَّداً بالوحي، الذي يُعدّ الواسطة التي تُنقَل بها أحكامُ المسائل الجديدة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بالإضافة إلى حلول المشاكل التي تمرّ بها الأمّة الإسلاميّة، وبه يُنزَّل كلام الله وهو القرآن الكريم، ولأهميّة ما جاء به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن ربّه، فقد أمر كتَبَةً مُختارينَ بعنايةٍ بكتابة ما يُنزّل من القرآن الكريم، ومنعهم من كتابة ما يتكلّم به هو من أحاديث؛ خوفاً من الخلط بينهما مستقبلاً.
عندما استقرّ القرآن، وحفِظَه الصّحابة، وعلموا منه آياته، وسُوَره، وناسخه، ومنسوخه، وأسباب النّزول، وكلّ ما يختصّ به، حينها بدأ الصّحابة بجمع ما قاله رسول الله، وكتابته، وتدوينه؛ حرصاً منهم على الالتزام بأوامره، وحفظاً للدّين والشّريعة، لكنّ كتابتهم له لم تكن مُقنَّنةً ولا مُمنهَجةً، بل لم تكن توصف بالكتابة الحقيقيّة؛ حيث لم يتجاوز عدد الكتَّاب عددَ أصابع اليد الواحدة، فكان عملهم فرديّاً بحتاً، وربّما اعتمد الكاتب على حفظه لا على الكتابة في الكتب والألواح، فلمّا شاع الإسلام وانتشر، ودخل فيه العرب والعجم، وفسدت الضّمائر، وظهر الفسوق والكفر والردّة عن الإسلام، حينها تنبّه عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- إلى ذلك، فعمد هو والصّحابة بعد استشارتهم إلى جمع السنّة وكتابتها، حتّى ذاع ذلك الأمر وانتشر، وأصبح علماً مُستقلّاً بذاته، برع فيه العلماء وأبدعوا، وألّفوا فيه الكتب، وكان من بين هؤلاء العلماء الإمام مسلم الذي جمع أحاديث رسول الله في كتاب سُمِّي باسمه، وهو صحيح مسلم.[١]
الإمام مسلم
الاسم والنّسب
الإمام مسلم هو الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القُشيْرِي النَّيسابوري، وسُمِّي النيسابوري نسبةً إلى نيسابور التي وُلِد فيها، وقد اختلف المحقّقون في السّنة التي وُلِد فيها؛ حيث اتّجه بعض العلماء إلى أنّه وُلِد سنة 201هـ، وقيل 202هـ، وفي رواية أخرى في سنة 204هــ، وقيل: 206هـ. نشأ وترعرع الإمام مسلم في ظلّ الدين الإسلاميّ؛ حيث كانت نيسابور في ذاك الوقت من كُبرى المدن الإسلاميّة، ويُعدّ هذا من أهمّ الأمور التي ساهمت في إنجاح مهمّته التي بدأها في جمع ما صحّ من الحديث النبويّ.[٢]
النّشأة والحياة العلميّة
اتُّصِف البيت الذي نشأ فيه الإمام مسلم بالتقوى، والصّلاح، والعلم، والورع؛ حيث كان والده الحجّاج من مُحِبّي العلم، وممّن يعشقون حلقات العلماء، فتربّى الإمام ونشأ في جوٍّ حبّ العلم والعلماء، وقد بدأ الإمام مسلم -رحمه الله- رحلته في طلب العلم مبكّراً، فحين بدأ بسماع الحديث وحفظِه لم يكن قد تجاوز الثّانية عشرة من عمره. وكان من شيوخ الإمام مسلم رحمه الله: عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو أكبر شيخ له، ويحيى بن يحيى النيسابوريّ، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثُر.[٣]
الوفاة
تُوفِّي الإمام مسلم سنة 261هـ،[٢] وقيل إنّ من أسباب وفاته تناوله كميّةً كبيرةً من التّمر في إحدى الليالي، وذلك بعد أن سأله أحد تلاميذه عن حديث، ولم يعرف الإجابة، فعاد إلى البيت للبحث عنها، وبقي مستيقظاً حتّى ساعات الفجر، إلى أن عثر عليها، وأثناء فترة استيقاظه تناول التّمر؛ للحصول على النشاط، وعدم الخلود للنّوم؛ فقد شغل التأليف والتصنيف وقته، حتّى إن الليلة التي تُوفّي فيها كان مشغولاً في تحقيق حديثٍ عُرِض له، فقضى ليله في البحث، لكنّه لقي ربّه قبل أن ينبلج الصّباح، وكان ذلك في 25 من رجب سنة 261هـ، الموافق 6 من أيّار سنة 875م، وهو في الخامسة والخمسين من عمره، وفي يوم الاثنين دُفِن في مقبرته، في نصر آباد في نيسابور.[٤]
كتاب صحيح مسلم
الاسم الحقيقي لكتاب صحيح مسلم
عُرِف صحيح مسلم باسم صاحبه الإمام مسلم بن الحجّاج، إلّا أنّ اسمه الحقيقيّ هو المسند الصّحيح المُختصر من السّنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد استُخدِم اسم صحيح مسلم اختصاراً لاسمه الأصليّ؛ لأنّ فيه من الطّول والصعوبة على العوامّ ما فيه، ولأنّ من عادة العرب استخدام الاختصارات في الأسماء والكنى، فكان أفضل ما يُسمّى به ذلك الكتاب هو صحيح مسلم.[٥]
وصف عامّ لصحيح مسلم
صحيح مسلم هو كتابٌ جامعٌ للأحاديث التي وردت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ اقتصر مؤلّفه على ما صحّ من الحديث، وترك كلّ ما كان في إسناده ضعفٌ أو وهن. وقد افتتح الإمام صحيحَه بمقدّمةٍ ذكر فيها سبب تأليفه الكتابَ، ونهجَه الذي سار عليه، ثمّ ذكر بضع مسائل في علوم الحديث التي تهمّ قارئ الكتاب، ثمّ أورد بعد تلك المقدّمة موضوعاتِ الحديث في كتابه، وجعل ترتيبها في كتبٍ، سُمِّيت بأسماء المواضيع الفقهيّة والشرعيّة، مثل: الطهارة، والإيمان، والصّلاة، والصّوم، والزّكاة، وغير ذلك.
منهج الإمام مسلم في صحيحه
صنَّف الإمام مسلم الكثير من الكتب، ولكنّ أشهرها وأبرزها صحيحُه الذي حمل اسمه، وقد صنّفه في خمس عشرة سنةً، وقد تأسّى في تدوينه وكتابته بالإمام البخاري -رحمه الله- فلم يضع فيه إلّا ما صحّ عنده، وقد جمع في صحيحه رواياتِ الحديث الواحد في مكانٍ واحدٍ وفق الموضوعات الفقهيّة؛ وذلك لإبراز الفوائد الإسناديّة في كتابه؛ حيث يروي الحديث في أنسب المواضع له، ويجمع طرقه وأسانيده في ذلك الموضع بخلاف البخاري الذي فرّق الرّوايات وشتتها في مواضع مختلفة، وتلك ميزةٌ لصحيح مسلم، فذلك يجعل كتابه أسهل تناولاً؛ حيث يجد القارئ طرق الحديث ومتونه جميعها في موضعٍ واحدٍ.[٦]
اتّصف منهج مسلم في صحيحه باعتماده ما صحّ من الحديث، فكان يذكره ويتجنّب التّكرار في نقل الحديث الواحد؛ حتّى لا يُكثِر الأحاديث المنظومة في صحيحه، إلا إن كانت هناك حاجةٌ للتكرار؛ إذا كان في الحديث زيادة معنىً أو لفظٌ يدلّ على حُكمٍ لم يَرِد في سابقه؛ لأنّ الحديث الذي فيه معنىً زائدٌ فيه إشارةٌ إلى حكمٍ أو دليلٍ شرعيٍّ يقوم مقامَ حديثٍ تامٍّ، لذا لا بدّ من إعادة ذكره.
قسَّم مسلم صحيحَه إلى كتب، وقسَّم كلّ كتابٍ منها إلى أبواب، ورتَّب تلك الأبواب والأحاديث الواردة فيها ترتيباً دقيقاً، وقد بلغ عدد الكتب فيه 54 كتاباً، افتتحها بكتاب الإيمان، واختتمها بكتاب التّفسير، يبلغ عدد أحاديث صحيح مسلم دون المُكرَّر نحو 4000 حديث، أمّا بالمكرّر فيبلغ نحو 7275 حديثاً.[٦]
آراء العلماء في صحيح مسلم
ذكر العلماء بعض فضائل كتاب صحيح مسلم، وهي من أجود ما يميّز صحيح مسلم، بل إنّ تلك النقاط ربّما جعلته يتقدّم على صحيح البخاري كما يرى علماء المغرب العرب خصوصاً، ومن أبرز تلك الفضائل على صحيح مسلم ما يأتي:[٧]
- يجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد في بابٍ واحدٍ، ممّا يغني القارئ عن عناء البحث، ويسهّل عليه الرّجوع إلى الحديث عن طريق البحث في موضوعه الرئيسيّ.
- يجمع صحيح مسلم الزّوائد من الأحاديث بألفاظها كاملة؛ حيث اعتمد مسلم على عدم تكرار الأحاديث ذات المتون المتشابهة، إلّا إن كانت هناك زيادةٌ ذات أهميّة في متنه.
- يأتي صحيح مسلم بأحاديث لها شواهد واعتبارات، تساند سند الحديث، وتقوّيه، وترفع درجة صحّته.
- عدم رواية الأحاديث بالمعنى.
شروح صحيح مسلم
شرح كثير من العلماء والمؤلّفين صحيح الإمام مسلم، وذلك يُعزى إلى الأهميّة البالغة التي نالها الكتاب، والدّرجة العالية من الدّقة في اختيار الأحاديث؛ ممّا يعطيه ميّزةً خاصّةً، ومن الكتب التي شرحت صحيح الإمام مسلم:
- المعلم بفوائد مسلم: تأليف الإمام المازري المتوفى سنة 536 هـ، وتحقيق الشاذلي النيفر، وهو مكوّن من ثلاثة مجلّدات.
- إكمال المعلم: تأليف القاضي عياض رحمه الله، وتحقيق يحيى إسماعيل، والكتاب مكوّن من تسعة مجلّدات.
- صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط: تأليف ابن الصّلاح، وتحقيق موفّق عبد القادر، وهو شرح لكتاب الإيمان من صحيح مسلم، ويتكوّن من مجلّدٍ واحدٍ فقط.
- المفهم شرح تلخيص صحيح مسلم: تأليف أبي العباس القرطبي، وتحقيق محيي الدّين مستو وجماعة، وقد جاء في سبعة مجلّدات.
- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: تأليف الإمام النووي، وتحقيق خليل مأمون شيحا، وقد تكوّن الكتاب من عشرة مجلّدات.
- إكمال إكمال المعلم: تأليف الأبي.
- مكمل إكمال المعلم: وهذا الكتاب للسنوسيّ، ويقع في سبعة مجلّدات.
- الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج: من تأليف الإمام السيوطي، وتحقيق أبي إسحاق الحويني.
- حاشية على صحيح مسلم: تأليف الإمام السندي.
- وشي الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج: ألّفه علي بن سليمان البجمعوي، وهو مختصر الديباج للسيوطي.
- السّراج الوهّاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج: تأليف صديق خان القنوجي، وهو شرح لمختصر صحيح مسلم للمنذري.
- الحلّ المفهم لصحيح مسلم: من إفادات الشيخ رشيد الكنكوهي الأنصاريّ.
- فتح الملهم بشرح صحيح مسلم: تأليف شبير العثماني، وقد وصل فيه المؤلف إلى كتاب الرّضاع، ثمّ جاء بعده كتاب تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم؛ الذي ألّفه محمد تقي العثمانيّ.
المراجع
- ↑ "تدوين السنة النبوية"، الاسلام ويب، 26/07/2003، اطّلع عليه بتاريخ 29/1/2017. بتصرّف.
- ^ أ ب شُهْدة بِنْت أحمد بْن الفرج بْن عُمَر الإبري فخر النساء بِنْت أَبِي نصر الدينوري الأصل البغدادي الكاتبة (1994)، العمدة من الفوائد والآثار الصحاح والغرائب في مشيخة شهدة (الطبعة الأولى)، القاهرة-مصر: مكتبة الخانجي، صفحة: 174، بتصرّف.
- ↑ بإشراف الدكتور راغب السرجاني (1/5/2006)، "الإمام مسلم"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 6/1/2017، بتصرّف.
- ↑ "الإمام مسلم"، يابيوت، اطّلع عليه بتاريخ 6/1/2017. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: صحيح مسلم المسمى بـ «المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»"، نداء الإيمان، اطّلع عليه بتاريخ 25/1/2017، بتصرّف.
- ^ أ ب "صحيح مسلم"، إسلام ويب، 26/6/2002، اطّلع عليه بتاريخ 6/1/2017، بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة (الطبعة الأولى)، الرياض، المملكة العربية السعودية: دار المغني، صفحة 16-17.