تفسير آية (ألهاكم التكاثر)

كتابة:
تفسير آية (ألهاكم التكاثر)
سورة التكاثر سورة مكية، عدد آياتها ثمان، وسميت بسورة التكاثر لذكر لفظ التكاثر فيها، وكان بعض الصحابة يسمونها المقبرة، وقد نزلت بعد سورة الكوثر، وقد رُوي في سبب نزول سورة التكاثر أن قبيلتين من أهل مكة اختلفتا وحصل بينهما تنازع وتناحر، فأخذت كل قبيلة منهما تستعلي على الأخرى وتتفاخر عليها بكثرة عددها، فأخذوا يُحصون أعداد أنفسهم، وأصبحت كل قبيلة تُبالغ في التفاخر بعدد أفرادها، حتى إذا انتهوا من عدِّ الأحياء انتقلوا إلى المقابر كي يقوموا بعدِّ الأموات في قبورهم لتكثير عددهم والانتصار على القبيلة الأخرى، فأنزل الله -تعالى- سورةَ التكاثر.[١]


تفسير آية (ألهاكم التكاثر)

جاء في تفسير قوله -تعالى-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}،[٢] أي: أشغلتكم الدنيا بتعلقكم بنعيمها وزخرفها، عن تذكر الآخرة والسعي والعمل لنيلها، فتفاخرتم بكثرة الأولاد وكثرة الأموال، حتّى جاءكم الموت وكنتم من أهل المقابر،[٣] ويدخل في هذا كل ما يُلهي عن الإيمان والعبادة والتقوى، وعن طاعته سبحانه وتعالى، فينشغل الإنسان بالتكاثر والتفاخر حتّى يأتيه الموت وهو لم يعبد الله ويؤدي واجباته كما أمره، فيكون في ضلالٍ وخُسران.[٤]

ولم يذكر الله -تعالى- المتكَاثَر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به الناس، وكل ما يفتخرون به، من الأموال، والأولاد، والخدم، والجاه، والأنصار، وغير ذلك، مما لا يُقصد به إلا التفاخر والتباهي، ولا يُقصدُ به وجه الله -تعالى-،[٥] وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن الشخير قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ، يا ابْنَ آدَمَ مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟).[٦][٤]

دروس مستفادة من سورة التكاثر

يدلُّ قوله -تعالى-: {حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}،[٧] على جواز زيارة القبور للعبرة وتذكر اليوم الآخر، ففي زيارتها ترقيق للقلوب وتليين للنفوس وتذكير بأن عودتها منه وإليه سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (نَهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزوروها فإنَّ في زيارتِها تذْكرةً)،[٨] وقد أشارت سورة التكاثر إلى أن طلب التكاثر والمنافسة في الدنيا تجعل الإنسان لا يُبالي من أين يَكسب المال وأين ينفقه.[٩]

مناسبة سورة التكاثر مع سورة القارعة

تنسجم سورة التكاثر وتتناسب مع السورة التي قبلها في ترتيب المصحف وهي سورة القارعة، فقد ذَكرَت سورةُ القارعةِ أهوالَ القيامةِ وأحوالها، وذكرت أيضاً مصير من كان الخيرُ عَمَلَهُ، فهو في عيشةٍ رغيدةٍ في الجنة، وأمّا من كان الشرُّ عمله فمآله إلى النار، وذكرت سورة التكاثر مصير من نسي العبادة والتقوى، ونسي الآخرة وانغمس في الدنيا وملذاتها فالنار هي مأواه، وهي حقٌ لا شك فيه، وستكونُ جزاءً ومصيراً للعُصاة والمجرمين، وسيرَونَها رُؤيةً يقينيةً بأُم أَعيُنهم، قال -تعالى-: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}،[١٠] وهذا أيضاً هو آخر ما ذكرته سورة القارعة، وذلك في قوله -تعالى-: {نَارٌ حَامِيَةٌ}.[١١][١٢]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، موسوعة التفسير المأثور، صفحة 507-510. بتصرّف.
  2. سورة التكاثر، آية:1
  3. سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 6659. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الواحدي، التفسير الوسيط، صفحة 548. بتصرّف.
  5. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 933.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن الشخير، الصفحة أو الرقم:2958 ، حديث صحيح.
  7. سورة التكاثر، آية:2
  8. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:3235 ، حديث صحيح.
  9. فخر الدين الرازي، "سورة التكاثر-التفسير الكبير"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 4/1/2022. بتصرّف.
  10. سورة التكاثر، آية:7
  11. سورة القارعة، آية:11
  12. أنور الداود النبراوي (18/3/2015)، "سورة التكاثر"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 4/1/2022. بتصرّف.
5735 مشاهدة
للأعلى للسفل
×