محتويات
التفسير التحليلي للآية
نستطيع بيان معاني المفردات والتراكيب الواردة في الآية كما سيأتي:
- (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ)[١]
أي واذكروا ما جرى لكم مع موسى، "حين قتلتم قتيلاً، وادارأتم فيه فتدافعتم واختلفتم في قاتله"،[٢] ولكنه أخّر في هذه القصة بهذا المَوضع فذكر المخالفة بعد في قوله: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)،[٣] ثم ذكر المِنة في الخلاص منها في قوله: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا)،[٤] وهكذا، وقدَّم على ذلك ذكر وسيلة الخلاص: وهي ذبح البقرة بما يعجب السامع ويشوقه إلى معرفة ما وراءها.
- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)[١]
الأمر طلب فعل، وإذا كان الآمر أعلى من المأمور نسميه أمراً، وإذا كان مساوياً له: نسميه التماساً، وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاءً ودعاءً، فلو أنَّ إنسانا يعقل أدنى عقل ثم يُطلب منه أن يذبح بقرة، أهذه تحتاج إلى إيضاح؟ لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أيّ جهد، فما دام الله قد طلب منهم أن يذبحوا بقرة فكلُّ ما عليهم هو التنفيذ.[٥]
- (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)[١]
هذا السؤال يُنبئ عن حالة نفسية عندهم، وهي أنهم يريدون أن يفعلوا أي شيء لإبطال التكليف،[٦] والهزء هو السخرية، أي أتتخذنا مهزوءاً بنا؟ وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم أن يكون ذبح البقرة سبباً لزوال ما بينهم من المدارأة.[٧]
- (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[١]
لم يقل: "أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين"، ولم يقل: "أعوذ بالله أن أكون من الساخرين" بل استعاذ أن يكون من (الْجَاهِلِينَ)؛ لنتعلم بأن صاحب رسالة العلم والتعليم لا يسخر من أي طرف يحاوره، وكأنه يقرر مسؤولية العلم، ويجلّ العلم عن أن يكون وسيلة للاستهزاء. كما أنَّ "المزاح الذي يخالطه احتقاره واستخفاف بالممازح معه، لا يليق بعقلاء الناس، فضلاً عن رسل الله".[٨]
مناسبة الآية الكريمة
وردت هذه الآية في بداية مقطع يتحدث عن قصة بقرة بني إسرائيل، من قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ).[١]
وهذه القصة وردت في السورة التي تحمل اسم القصة ضمن سياق يتحدث عن نِعمِ الله على بني إسرائيل، ومن ضمنها نعمة الكشف عن القاتل في جريمة قتل وقعت فيما بينهم، وقد كشفت القصة قساوتهم وسوء طباعه حتى فيما فيه مصالح لأنفسهم لنستنتج أنهم أسفه الناس.[٩]
التعريف بقصة بقرة بني إسرائيل
القصة لا دليل ثابت في تفاصيلها، لكن المشتهر في كتب التفسير حولها أنَّ الله -تعالى- اختبر بني إسرائيل بأمرهم بذبح بقرة؛ ليظهر مدى مصداقيتهم وامتثالهم أوامر الله -تعالى-، وذلك بسبب قتل رجلٍ منهم لعمِّه الذي كان ابن الأخ الوارث الوحيد له.[١٠]
ومن أجل التعرف على القاتل، طُلِبَ منهم ذبح أي بقرة، إلا أنهم تشدّدوا في بيان أوصاف البقرة، فشدّد الله عليهم، وحين ودوها وذبحوها -وهم متردّدين-، وضربوا جثة القتيل ببعض من أجزاء البقرة، فنطق باسم قاتله ثم عاد ميتاً.[١٠]
ما ترشد إليه الآية
ترشد الآية إلى أمور يستفيد منها الناس، ومن أبرزها ما يأتي:[١١]
- التشدد في الدين ليس محموداً، والإلحاح في كثرة السؤال ليس مرغوباً، والسؤال المنهي عنه؛ مثل السؤال عما أخفاه الله -تعالى- عن عباده ولم يطلعهم عليه، والسؤال على سبيل التعنت والعبث والاستهزاء، وسؤال المعجزات، وطلب خوارق العادات عنادا وتعنتاً، والسؤال عن الأغاليط، والسؤال عما لا يحتاج إليه، وليس في الجواب عنه فائدة عملية، والسؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام.
- استهزاء أي قوم بأوامر الأنبياء سيعرّضهم للوم والتوبيخ والعقاب.
- إحياء القتيل بقتل حي أظهر قدرة الله -تعالى- في اختراع الأشياء من أضدادها.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج سورة البقرة، آية:67
- ↑ عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن، صفحة 54.
- ↑ سورة البقرة، آية:72
- ↑ سورة البقرة، آية:73
- ↑ محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 390. بتصرّف.
- ↑ محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 390. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة، صفحة 253. بتصرّف.
- ↑ محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، صفحة 164.
- ↑ برهان الدين البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، صفحة 466. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 31. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 190. بتصرّف.