محتويات
تفسير آية (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)
هذه الآية من الآيات العظيمة والواضحة في معناها؛ أي من خاف القيام بين يدي الله -تعالى-، فنهى نفسه وهواها عن الحرام، فالنفس بطبعها تميل وتهوى الحرام، كشُرب الخمر والربا، ولكنه ينهى نفسه عنها، فيكون جزاؤه الجنة، فمن وفقه الله -تعالى- لمُحاربة هواه وعدم الانصياع لها كان جزاؤه الجنة.[١]
وقال مُجاهد في تفسير هذه الآية: هو العبد يهوى المعصية، ولكنه يتذكر مقام الله -تعالى- عليه في الدُنيا، ومقامه بين يديه يوم القيامة، فيترك معصيته وما حرمه عليه.[٢]وجاء في تفسير النسفيّ؛ أي أن العبد يعلم له مقاماً ووقوفاً بين يدي الله -تعالى- للحساب، فينهى نفسه التي تأمره بالسوء ويزجرها عن الشهوات والمُحرمات، وقيل: هو العبد يهم بالمعصية فيتذكر مقامه للحساب يوم القيامة فيتركها.[٣]
سبب نُزول آية (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)
روى الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن السبب في نُزول الآية وما بعدها في قوله -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)،[٤] أن من طغى الوارد في الآية هو أخ مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه- لما أُسر في يوم بدر، فأخذه الأنصار وسألوه من أنت، فأجابهم: أنه أخ مُصعب بن عُمير، فلم يشدوا وثاقه، بل وأكرموه.[٥]
ولما أصبحوا وأخبروا مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه- ما فعلوه بأخيه، فأخبرهم: أنه ليس أخوه واذهبوا إليه وشدوا وثاقه، فإن أُمّه أكثر أهل البطحاء من المال والحُليّ، فذهبوا إليه وشدوا وثاقه، وطلبوا من أُمّه أن تبعث لهم مالاً لفدائه.[٥]
وأما من خاف مقام ربه فهو مُصعب بن عُمير -رضي الله عنه-، فقد دافع عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في يوم أُحد لما تفرق الناس عنه، وبقي حتى نفذت منه سهامه، فلمّا رآه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وعليه الدم، قال له: عند الله أحتسبك.[٥]
كما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن سبب نُزول هذه الآية كان في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ فهو الخائف مقام ربه، حيثُ كان له غلامٌ يأتيه بالطعام، ويسأله من أتى به، فأتاه يوماً بطعام ولكنه لم يسأله وأكله، فقال له غلامه: "لمَ لمْ تسألني اليوم من أين أتيت بالطعام؟"، فقال له: "نسيت فمن أين أتيت به؟".[٥]
وأخبره أنه تكهن لقومٍ في الجاهلية فأعطوه إياه، فقام أبو بكر -رضي الله عنه- فتقيأ، وقال: "يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته"، فنزلت الآية، وورد عن الكلبيّ: أنها نزلت في كُل من هم بالمعصية وقدر عليها في خلوته؛ ولكنه تركها خوفاً من الله -تعالى-.[٥]
المصدر الذي ينهى الإنسان عن هواه
يُعد الخوف من الله -سبحانه وتعالى- الدافع الذي يكون سبباً لمنع الإنسان عن هواه وشهوته، فنهي النفس عن الهوى نُقطة الارتكاز في الطاعة، وما عدا ذلك فهو المعصية والشر.[٦]
المراجع
- ↑ عبد العزيز بن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، السعودية:رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، صفحة 322، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 42، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ عبد الله النسفي (1998)، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة 1)، بيروت:دار الكلم الطيب، صفحة 599، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة النازعات، آية:40-41
- ^ أ ب ت ث ج شمس الدين القرطبي (1964)، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (الطبعة 2)، القاهرة:دار الكتب المصرية، صفحة 208، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 5، جزء 66. بتصرّف.