تفسير آية الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، بالتفصيل

كتابة:
تفسير آية الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، بالتفصيل

تفسير آية: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، بالتفصيل

آيات القرآن الكريم هي مناهجُ ودلائلُ خيرٍ للعباد، فالله -عزّ وجلّ- يُرشد عباده لما يُصلح حالهم من خلال آياته القرآنية، فمثلاً الآية التي حملت سبيلًا للأمان في الحياة هي آية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[١] فما سبب هذا الارتباط الوثيق؟ وهل هناك ذكرٌ خاصٌّ لجلب الطمأنينة؟ هذا ما سيتمُّ بيانه من خلال تدبّر هذه الآية وبيان معانيها.


قال -تعالى- في سورة الرعد: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[١] ومعنى هذه الآية أنّ الذين آمنوا تطيب قلوبهم وتركن بقرب الله -تعالى- وتتنزّل عليها الطمأنينة والسكينة عند ذكره -سبحانه-، فترضى به مولىً ونصيرًا وهو مستحقٌّ لذلك -جلّ وعلا-،[٢] وقد تعدَّدت أقوال أهل التفسير في المراد بذكر الله في هذا الموضع؛ فقيل إنّ المراد هو ذكر الله بأفواههم، وقيل بنِعَمِه عليهم، أو وعده وثوابه لهم، وقيل أيضًا إنّ المراد هو القرآن الكريم.[٣]




وقال الضحاك في تفسير هذه الآية: إنّ المؤمنين تصدُق قلوبهم بذكر الله وبالقرآن الكريم، وقال سفيان بن عُيينة: إنّ المراد بذكر الله أمر الله وقضائه، وقال قتادة: إنّ الذين آمنوا تأنس قلوبهم لذكر ربّهم وتركن إليه، كما قيل أيضًا إنّ المراد في هذه الآية قلوب صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-،[٤] وفسّر السُدّي الذِّكر هنا بالحلف؛ أي إنّ المؤمن إذا حلَف خصمه بالله أمامه فيسكن قلبه لذلك ويطمئن، ومن التفسيرات الأخرى أنّ ذكر الله هو ذكر رحمته أو ذكر الدلائل على وحدانيته أو طاعته -سبحانه وتعالى-.[٥]




وقال أهل اللغة: إنّ مجيء الفعل "تطمئن" بصيغة المضارعة يُفيد التجدّد والاستمرارية؛ أي أنّ هؤلاء المؤمنين تسكن قلوبهم عن الاضطراب والتقلّب، وتأنس بذكر الله -سبحانه- كلّما تردّد على ألسنتهم بتلاوتهم لكتابه الكريم أو بذكرهم له تسبيحًا وتحميدًا وتكبيرًا وتوحيدًا، أو بسماع الذكر وتلاوة القرآن الكريم من الغير؛ فهذه الطمأنينة متجدّدة ومستمرة في قلوبهم ما داموا ملازمين لذكر ربّهم سبحانه.[٥]



العلاقة بين الطمأنينة وذكر الله

عند النظر في قوله -تعالى-: (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[١] يظهر لنا تقديم الجار والمجرور "بذكر الله" على الفعل، وهذا يُفيد الاختصاص؛ أي أنّ القلوب لا تطمئن بشيء سوى ذكر الله -سبحانه-، كما أنّ كلمة "القلوب" جاءت معرّفة بأل التعريف وهذا يُفيد الاستغراق والعموم؛ أي أنّ كُلَّ القلوب لا تطمئن إلّا بذكر الله -عزّ وجلّ-، وهذا ما يفسّر أنَّ القلوب الخالية من ذكر الله في فزعٍ وقلقٍ مستمرين.[٦]




وتلك قلوبٌ -أي القلوب الخالية من ذكر الله- خاليةٌ من الإيمان بالله، ولن تتذوّق لذّة الطمأنينة بذكر الله والأنس بقربه ما دامت كذلك، فقد يحصل لها طمأنينة وراحة في بعض الأمور الدنيوية التي تميل إليها النفوس؛ مثل النظر في بدائع صنع الله وعجيب مخلوقاته، وجمال آياته، ولكنّ هذه الطمأنينة ليست كالطمأنينة الناتجة عن ذكر الله -عزّ وجلّ- وعن الإيمان به؛ فهي طمأنينةٌ وراحةٌ تامّة كاملة لا تتأثر بالأمور الدنيوية ولا تزول بتغيّر الحال والمكان.[٥]



سبب ارتباط الطمأنينة بذكر الله

إنّ لذكر الله -سبحانه وتعالى- فضائل جليلة؛ فهو سببٌ في ذكر الله -تعالى- لعبده؛ حيث قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)،[٧] كما أنّه كانسببًا في كشف الكرب عن النبي يونس -عليه الصلاة السلام- عندما كان في بطن الحوت،[٨] ومن فضائله أنّه سبب في طمأنينة القلب، فالطمأنينة هي سكون القلب واستقراره وذهاب القلق والاضطراب عنه، وذكر الله يؤدّي إلى زوال القلق تماماً، وجلب الأفراح والملذّات لقلب العبد الذاكر، وحَريٌّ بهذه القلوب المؤمنة ألّا تسكن لشيءٍ سوى ذكر ربّها، فلا شيء ألذّ ولا أشهى ولا أحلى من محبّة الله -تعالى- ومعرفته والأُنس به.[٩]



فذِكْر الله -تعالى- يجعل القلب مطمئنًا وراضيًا وآمنًا؛ لأنّه متى امتلأ قلب العبد بذكر ربّه؛ تسكن روحه إليه، ولن يُبالي بما يحدث معه في الدنيا من الابتلاءات والمصائب، فالقلق والفزع والخوف من فوات المحبوب والخوف من الشدائد والكروب يزول عندما يَعمر القلب بذكر الله، ولن يكون لجميع هذه المشاعر السلبية أيّ مكان في هذا القلب العامر بذكر الله، المليء بالطمأنينة والسعادة، فالقلوب تكون في فزعٍ وخوفٍ ما لم تكن ذاكرةً لله، مستحضرةً لعظمته -سبحانه-، مدركةً لعظيم أمره وجلالة قوّته، فإذا ذَكَرَتْه وتذكّرت ذلك هان عليها ما تجد وما تخاف؛ لأنّها تأوي إلى جانب الرحمن.[٦]



الذكر الذي يجلب الطمأنينة

إنّ ذكر الله -تعالى- بالعموم يجلب الطمأنينة ويُسكن القلب، ولكن لم يرد ذكرٌ مخصوصٌ لجلب الطمأنينة، فللاستغفار أثرٌ في حصول الطمأنينة والرضا، وكذلك الأمر بالنسبة للصلاة على النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وللتحميد والتكبير والتسبيح، فأيّ ذكرٍ رددّه العبد مستحضرًا معناه مستشعرًا عظمة من يذكره، سيكون سببًا في طمأنينته وسعادته بإذن الله، وفيما يأتي بعض الدعوات والأذكار التي لها أثرٌ في زوال الوحشة، وتنزّل السكينة عند الخوف والفزع، وهي حفظٌ للعبد، ودالّة على عناية الله -تعالى- به في جميع أحواله:[١٠]

  • (اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي*.[١١][١٢]
  • (لا إلهَ إلَّا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ ربُّ السمواتِ السبعِ وربُّ الأرضِ، وربُّ العرشِ الكريمُ).[١٣][١٤]
  • (لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ)،[١٥] حيث وردت أدلّة شرعيةٌ تُبيّن فضل هذا الذِّكر، وأثره في استجابة الدعاء وتفريج الكرب.[١٤]

المراجع

  1. ^ أ ب ت سورة الرعد، آية:28
  2. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 391. بتصرّف.
  3. ابن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام، صفحة 153. بتصرّف.
  4. مكي بن أبي طالب، الهداية الى بلوغ النهاية، صفحة 3733. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، صفحة 53-54. بتصرّف.
  6. ^ أ ب محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 3946. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:152
  8. صالح السدلان، كتاب ذكر وتذكير، صفحة 7. بتصرّف.
  9. سعيد بن وهف القحطاني، كتاب صلاة المؤمن، صفحة 274. بتصرّف.
  10. ابن باز، كتاب مجموع فتاوى ابن باز، صفحة 207-212. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5074، حديث صحيح.
  12. "أدعية لجلب الطمأنينة ودفع الخوف والقلق"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 10/6/2021. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4940، حديث صحيح.
  14. ^ أ ب محمد حسين يعقوب، كتاب الأنس بذكر الله، صفحة 233-235. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:2605، حديث صحيح.
4339 مشاهدة
للأعلى للسفل
×