منزلة الشكر
لا ريب أن مقامات الدين ومراتبه تتفاضل فيما بينها، بيد أن منزلة الشكر تعد من أعظم تلك المقامات؛ ويرجع ذلك إلى ما فيها من كمال الانقياد والتسليم، فهي بهذه الحال ترقى بالعبد المؤمن إلى نهاية سلم العبودية والطاعة لرب العالمين، ومع هذا فالمؤمن في جميع حالاته متقلب في أقدار الله، فقد يصيبه فرح وسرور بتقدير الله، وقد يصيبه ابتلاء، وامتحان بتقدير الله.[١]
وعلى كلا الحاليْن يكون الشكر بلسم يعالج فيه المؤمن تلك الأقدار المفرحة أو المؤلمة، فالشكر علامة صادقة على قوة إيمان العبد، حيث يبقى على حال واحدة في السراء والضراء،[١] ولعل معرفة الثمار التي يجنيها العبد من هذا الخلق الرفيع تدفعه للحفاظ عليه، وهذا ما سنوضحه من تفسير الآية الآتية.[٢]
تفسير آية لئن شكرتم لأزيدنكم
ذكرت هذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم، حيث قال تعالى: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ)،[٢] وقد تنوعت أقوال المفسرين في تفسير هذه الآية على أقوال، منها:
- ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى هذه الآية: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، وأورد الشوكاني أن معنى هذه الآية عام لجميع أنواع النعم، فمن شكر الله تعالى في الرزق وسع عليه في الرزق، ومن شكره على الطاعة زاده من طاعته، وكذلك الحال في الصحة والولد وغير ذلك.
- ذهب بعض المفسرين إلى أن الزيادة المترتبة على شكر النعمة إنما هو محض فضل الله تعالى؛ وذلك لأن شكر المنعم واجب، أي أنه لا يكون عن عوض، فإذا أعطى كان ذلك فضلاً منه وسعةً.[٣]
- وذهب بعضهم إلى أن المعنى، لئن شكرتم صنوف إنعامى لأزيدنكم بشهود إكرامي ثم إلى شهود إقدامى.[٤]
- وذهب بعضهم إلى أن الشكر الذي يكون بالقلب والجوارح واللسان إنما جزاؤه إيصال الخير في الدنيا، والثواب في الآخرة، ومن ثم إن هذه الآية قد وردت في خطاب موسى مع بني إسرائيل، وذلك لما حصل لهم من النعم الكثيرة، كالإنجاء من الغرق، وإهلاك فرعون، ونقلهم من ضيق الضلالة والكفر، إلى رحاب الإيمان الفسيح، ولا يفوتنا أن نذكر أن هذا الخطاب ـ وإن كان لبني إسرائيل ـ إلا أنه يعم جميع الناس، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.[٥]
والحاصل من تلك الأقوال أنها تدفع المؤمن للاستزادة من فعل الخيرات، والابتعاد عن طريق المعاصي والشهوات؛ وذلك لأن الاستقامة على أمر الله تعالى برهان واضح على شكر نعم الله تعالى الكثيرة، بل إن من أعظم أركان الشكر يكون بالسعي لنيل رضا المنعم، ويكون ذلك عن طريق لزوم أمر الله.[٦]
ما ترشد إليه الآية الكريمة
ترشد الآية الكريمة إلى:
- أن الشكر قيد للنعم، فحين يشكر الإنسان ما يسديه الحق عليه من النعم، فإنه يحفظها ويقيّدها.
- أن الشكر يزيد في النعمة، سواء في النعمة ذاتها، أو في النعم الأخرى، فالشكر قيد للموجود، وفي الوقت ذاته صيد للمفقود.[٧][٨]
- إن الزيادة من الله تعالى هي محض فضل وسعة، فلا تكون عن مقابل.
- إن الزيادة من الله تتحقق عند وجود أي مظهر أو ركن من أركان الشكر، سواء بالقلب، أو اللسان، أو الجوارح.[٩]
المراجع
- ^ أ ب ابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، صفحة 45. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة إبراهيم، آية:7
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 193. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم القشيري، لطائف الإشارات، صفحة 241. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم القشيري، البحر المديد في شرح القرآن المجيد، صفحة 45. بتصرّف.
- ↑ "شكر النعمة حقيقته وعلاماته"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 30/12/2021. بتصرّف.
- ↑ "شكر النعمة حقيقته وعلاماته"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 30/12/2021. بتصرّف.
- ↑ "تفسير: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) "، الألوكة، 11/1/2018، اطّلع عليه بتاريخ 30/12/2021. بتصرّف.
- ↑ القشيري، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، صفحة 45. بتصرّف.