محتويات
علاقة الآية مع ما قبلها
لا يمكن فهم الآية بمعزل عن سياقها، فقد وردت هذه الآية في مقطع من سورة البقرة يتحدث عن تعداد مثالب بني إسرائيل، وتشغيبهم على أنبيائهم وتحدِّيهم لشريعة الله -تعالى- في مختلف العصور والأماكن، فمِن أبرزها -بحسب تسلسل الآيات السابقة-، ما سيأتي بيانه:
- يختارون من نصوص الشريعة ما يكون على هواهم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ).[١]
- يستكبرون على أنبيائهم فيؤذونهم تكذيباً وأحياناً قتلاً: (اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ).[٢]
- يزعمون أنهم لا يستطيعون فهم الشريعة: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ).[٣]
- طلبوا من الله أن يأتيهم بشريعة ترفع من شأنهم، فلما أتتهم كفروا بها: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).[٤]
- ينقضون عهودهم ولا يوفون بها، ومِن أبرزها: التعهُّد باتِّباع النبي القادم، إذا ثبتت نبوته: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ).[٥]
- بدلاً من اتِّباع النبي الصادق -الذي ثبتت نبوته- يتَّبعون السحرة والمشعوذين وأتباع شياطين الإنس والجن: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ).[٦]
المعنى الإجمالي للآية
حين تمَّ سبي بني إسرائيل إلى منطقة بابل على يد نبوخذ نصَّر الآشوري، انتشرت خرافات السحر والشعوذة بينهم في تلك المنطقة، فكان الأنبياء الصادقون يعانون مِن تكذيب الناس لهم، واتِّباعهم للدعاة إلى الباطل من المتمردين العصاة من الإنس والجن، فكان السحرة يزعمون فعلهم المعجزات؛ تعميَة للناس عن الحق، فشاءت حكمة الله أن ينزل عليهم ملكين اسمهمها "هاروت وماروت" للتفريق بين المعجزة والسحر.[٧]
لقد وصل الحد في تدليس شياطين الإنس والجن لدرجة أنهم زعموا بأنهم وجدوا سحراً تحت كرسي النبي سليمان هو الذي أعانه على خرق كثير من العادات، فوقع الناس في حيرة: هل يصدقون السحرة والمشعوذين بدعوى أنهم أنبياء صالحين خوارقهم للعادات ما هي إلا معجزات، أم يتبعون الأنبياء الصادقين الذين يأتون أيضا بخوارق عادات؟ فكان لا بد من إنزال الملكين لبيان الفرق بين سحر المشعوذ ومعجزة النبي.[٨]
وما كان الملكان يعلمان أحداً ممّن يريد التفريق بين السحر والعجزة، إلا وينصحاه ويقولا له: احذر من الوقوع في الحرام، فإنما نحن ابتلاء لك، فمَن تعلِّم الفرق بين السحر والمعجزة ثم استخدم ما تعلمه منا بأن عمل به فإنه سيكفر، ومن تعلمه ولم يعمل به فسيعرف مَن هو النبي الحقيقي ومَن هو الساحر وبذلك سيثبت على الإيمان، ولكن اليهود -كعادتهم- تعلموا ما يضرهم -وهو السحر-، ولم يتعلموا ما ينفعهم.[٩]
الإسرائيليات والموضوعات في قصة هاروت وماروت
وردت في بعض كتب التفسير والتاريخ بعض خرافات تسربت إليها من بعض المتأثرين ببني إسرائيل، ملخصها أنَّ هاروت وماروت ملَكين طلبا النزول إلى الأرض، ثم حصلت لهما فتنة ووقعا في الفاحشة، فعاقبهما الله على فعلتهما الشنيعة، وأنَّ الزُّهرة هي الفتاة التي فعلوا معها الفاحشة، وكان اسمها أناهيد. ولا ينبغي لأي مسلم أن يروي تلك الحكاية ولا أن ينقلها على سبيل التفسير؛ فلا يشك مسلم بأنها مكذوبة.[١٠]
وقد نصَّ كثير من العلماء على أن ما رُويَ مرفوعاً إلى النبي الكريم في القصة فهو باطل متناً على النبي مهما بلغت أسانيده من تعدُّد طرقها، فما بالك إذا كانت كل أسانيدها موضوعة واهية لا يخلو أيٌّ منها من وضَّاع، أو ضعيف شديد الضعف، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، ونصَّ الشهاب العراقي على أنَّ "من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما: فهو كافر بالله".[١١]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:85
- ↑ سورة البقرة، آية:87
- ↑ سورة البقرة، آية:88
- ↑ سورة البقرة، آية:89
- ↑ سورة البقرة، آية:100
- ↑ سورة البقرة، آية:102
- ↑ القاسمي، محاسن التأويل، صفحة 364. بتصرّف.
- ↑ محمد رشيد رضا، تفسير المنار، صفحة 330. بتصرّف.
- ↑ المراغي، تفسير المراغي، صفحة 181. بتصرّف.
- ↑ جلال الدين السيوطي، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، صفحة 144. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو شهبة، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، صفحة 162.