محتويات
قسم الله على وقوع يوم القيامة
يقسم الله -تعالى- في بداية السورة بالذاريات؛ وهي الرّياح التي تذرو التّراب، وبالحاملات؛ وهي السحاب التي تحمل الماء، وبالجاريات؛ وهي السُّفن التي تجري في الماء، وبالمُقسِّمات؛ وهم الملائكة الذين خصّ الله -تعالى- كل واحد منهم بعملٍ مُعيّن.[١]
ويقسم الله -تعالى- فيهنّ ويثبت له شرفًا قبل ذلك؛ أي أنّ المعنى المقصود بالقسم هو وربّ الذاريات، وأنّ الوعد الذي وعد الله -تعالى- به النّاس سيأتيهم، سواءً كان خيرًا أو شرًّا، وهو تأكيد من الله -تعالى- على وقوع اليوم الآخر وأنه آتٍ لا محالة.[١]
وقيل إنّ الذاريات هنّ النساء الوالدات؛ لأنّهنّ يُنجبنّ ذريةً فيها ذرو الخلق، وقيل لأنّهنّ يذرين الأولاد أيّ يُنجبنهم فلذلك قيل ذاريات، وسبب القسم فيهنّ لما في هذه الذرية من عباد صالحين وخيّرين، وأمّا الحاملات فقد أوّلها بعض المفسيرن بأنّهنّ النساء اللاتي يعانين ثِقل الحَمل، والجاريات قيل السُّفن وقيل الرياح التي ييسرها الله -تعالى- حيث يشاء، والمراد من القسم إثبات وقوع يوم القيامة.[١]
جزاء المؤمنين وعقوبة الكافرين
يتوعد الله -تعالى- المشركين الذين يحرّفون قوله ويقولون قولًا مختلفًا فأولئك الخراصون؛ وهم الذين يتكلمون بكلام مبنيّ على الظنّ والشك، وهو دليل على جهلهم وضياعهِم، والخرص الذي يفعله المشركون مذموم ومحرّم؛ لأنه في العقيدة وأصولها.[٢]
أما الخرص في الكلام بين الناس فلا يصل إلى قباحة الخرص في العقيدة، ثمّ يبين الله -تعالى- حال المشركين الذين يتسائلون عن وقوع اليوم الآخر بتهكمٍ وسُخرية، وكانت الآيات قد بيّنت مصيرهم لكلامهم الذي يُظهر جهلهم، ثم بيّنت طبيعة كلامهم وهو الاستهزاء بوقوع اليوم الآخر.[٢]
ويجيب الله -تعالى- بعد ذلك على سؤالهم عن اليوم الآخر، بأنّ يوم الدين سيكون اليوم الذي يُفتن ويُعذب به المشركين، ومصيرهم هو نار جهنم، وهو العذاب الذي جنوه بأيديهم جرّاء كفرهم وإلحادهم، واستهزائهم باليوم الآخر وحتميّة وقوعه.[٢]
ثمّ عرضت الآيات جزاء المؤمنين ومصيرهم، حيث بيّنت أنهم يُكرمون بنعيم مقيم في الجنان، فقد رضوا عن أنفسهم وعن كل العطايا التي أكرمهم بها الله -تعالى-، وسبب ذلك كلّه هو إحسانهم في الدنيا، وتقديمهم العبادات والطاعات كما أمرهم الله.[٣]
وقد ضرب الله -تعالى- مثلًا بأعمالهم الصالحة التي كانوا يحرصون عليها؛ وهي الزكاة من أموالهم، وقيام الليل، حيث ذكر الله -تعالى- أنّهم كانوا لا ينامون إلّا الوقت القليل من الليل لحرصهم على ذكر الله في جوف الليل.[٣]
الحث على التفكر في خلق الله
وبعدما أقسم الله -تعالى- للتأكيد على وقوع يوم القيامة، بيّن مصير المشركين الذين يتكلمون بغير حق ولا علم، ثم يذكر أدلةً تُأكد قدرته في جمع الخلائق ليوم الحشر، ومن هذه الدلائل الأرض التي خلقها الله بتضاريسٍ متنوعة ما بين جبال وأودية، وبحار وأنهار.[٤]
وسّخر كل ما فيها من نباتات وحيوانات للإنسان، ومن مظاهر قدرته -تعالى- خلق الإنسان؛ بهذه الدقة والتفاصيل، ورزقه سمعًا وبصرًا وإحساسًا وقدرةً على العيش والقيام بمتطلبات الحياة.[٤]
ومن عظمة الله -تعالى- في هذا الكون أنّه قدّر الأرزاق وكتبها لكل من في الأرض قبل وجودهم، وسينال كل واحد منهم رزقه خيرًا كان أو شرًا، وهو وعد من الله -تعالى-، وقد أقسم الله -تعالى- بعد ذلك أنّه ضمن الرزق لكل الخلائق.[٤]
وأنّ البعث حق لا ريب فيه، أي؛ أن كل هذه الحقائق التي تدل على قدرة الله، وتحقيق وعده بقدوم اليوم الآخر، وما فيه من بعث وجزاء وأن الرزق بيده -تعالى- ييسره ويضمنه للإنسان، جميعها حقائق لا ريب فيها وقد أقسم الله -تعالى- على وقوعها وحتميتها.[٤]
تفسير الآيات المتعلقة بسيدنا إبراهيم
بعدما بيّن الله -تعالى- إنكار الكافرين للبعث يوم القيامة، أراد تسلية النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بذكر لهى بعض قصص من سبقه من الأنبياء؛ فقد لاقوا في دعوتهم مثلما لاقى من إنكار وإعراض من أقوامهم.[٤]
ومنهم نبي الله إبراهيم -عليه السلام-؛ فهو شيخ المرسلين وأبو الأنبياء وهو الذي جاء بالدين الحنيف الذي تّبعه عليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وتحدثت الآيات عن قصة الضيوف الذين جاؤوا إلى إبراهيم -عليه السلام-.[٤]
حيث أخبر القرآن الكريم أنّ الملائكة قد ذهبت إلى نبي الله إبراهيم -عليه السلام- بصورة البشر، ودخلوا عليه وألقوا عليه السلام، فردّ عليهم وهو لا يعرفهم، واستقبلهم وذهب لإحضار ضيافة لهم، فأحضر عجلًا وقرّبه إليهم، فلم يأكلوا منه؛ فمن خصائص الملائكة أنها لا تأكل ولا تشرب، فلما رأى منهم ذلك وقع في نفسه خوف منهم، ثمّ طمئنته الملائكة بإخباره بأنّهم رسل من عند الله -تعالى-، وقد جاؤوا ليبشروه بغلامٍ له شأن ورفعة بين النّاس.[٤]
ولما سمعت امرأته بذلك صكت -ضربته- وجهها لاستنكارها من هذه البشرى؛ فهي عجوز كبيرة في السن، وهي عقيم لا تُنجب، فأخبرتهم الملائكة بأن هذا أمر الله -تعالى-، وبعد البشرى سألهم إبراهيم -عليه السلام- عن سبب قدومهم، فأخبروه بأنّهم بُعثوا بالعذاب إلى قوم لوط الذين كفروا وطغوا بارتكابهم الفاحشة، وقد كُتب عليهم العذاب وللمؤمنين النّجاة.[٥]
ولم يكن في قرية لوط إلا بيتًا واحدًا من المسلمين الذين لم يرتكبوا الفاحشة، وهم بيت لوط فأنجاهم الله -تعالى- إلا امرأته فإنها لم تكن مؤمنة، فلاقت العذاب مع بقية القوم.[٥] والعبرة من قصة قوم لوط؛ أنّ الله -تعالى- قد أبقى قرى قوم لوط دلالة لمن اعتبر، وليعلم النّاس أن عذاب الله آتٍ، ولتزداد خشيته في قلوب المؤمنين.[٥]
تفسير الآيات المتعلقة بعذاب الأمم السابقة
وتابعت الآيات حديثها عن عذاب الأمم السابقة بعدما ذكرت قصة سيدنا إبراهيم ولوط -عليهما السلام- والعبرة منها، فعرضت الآيات أحوال أقوام أخرى عذّبها الله -تعالى- بسبب كفرها؛ وهم قوم موسى؛ حيث أرسله الله -تعالى- بمعجزاتٍ تؤيد دعوته لإقناع فرعون ومن معه لتوحيد الله -تعالى-، فلم يستجب له فرعون واتهمه بالسحر والشعوذة، فأخذه الله ومن معه بالعذاب فأغرقهم أجمعين.[٦]
وقوم عاد الذين أخذهم الله -تعالى- بريحٍ صرصرٍ عاتية؛ فأهلكهم هم ومساكنهم، وقوم ثمود الذين حذّرهم الله -تعالى- من عذابه، فاستكبروا وأعرضوا حتى أنزل الله عليهم صاعقة من السماء، ثم ذكرت الآيات قصة قوم نوح -عليه السلام-؛ الذين أهلكهم الله -تعالى- بالطوفان لتجاوزهم لحدوده.[٦]
تفسير الآيات التي تحذّر من الشرك بالله والإعراض عن عبادته
يخاطب الله -تعالى- نبيه بأن ينذر قومه من العذاب، ويأمرهم بعبادة الله وطاعته وترك معصيته؛ لكيلا يكون مصيرهم كمصير من سبقهم من الأمم التي كذبت الرُّسل، فرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما هو إلّا مرسل من عند الله -تعالى- لينذر الناس من العقاب.[٧]
ويسليه بإخباره أنّ ما لاقاه من تكذيب ومعاملة سيئة من قومه، كان قد لاقاه الأنبياء من قبلِه، ويأمره الله -تعالى- بأن يستمر بوعظ قومه وأن يُذكرهم بالقرآن الكريم لعلهم يؤمنون.[٧] ثمّ يبين الله -تعالى- الهدف الأسمى من خلق الإنسان والآية الحقيقية من ذلك؛ هي عبادته وحده وتوحيده، فمن كفر وظلم نفسه بعد ذلك فإنَّه سينال العذاب؛ كما ذاقه الذين من قبله من الأمم السابقة.[٧]
المراجع
- ^ أ ب ت شمس الدين القرطبي ، تفسير القرطبي، صفحة 30. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ابن عاشور ، التحرير والتنوير، صفحة 346. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 347. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ وهبة الزحيلي ، التفسير الوسيط، صفحة 2500. بتصرّف.
- ^ أ ب ت وهبة الزحيلي ، التفسير المنير، صفحة 29. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي ، التفسير المنير، صفحة 35. بتصرّف.
- ^ أ ب ت شمس الدين القرطبي ، تفسير القرطبي، صفحة 55. بتصرّف.