شرح حديث البركة مع أكابركم
تعدّدت أقوال العلماء في بيان معنى كلمة "الأكابر" الواردة في الحديث الشريف على النحو الآتي:
- إنّ المُراد بهم هم المُجرِّبين للأمور
والمحافظين على تكثير الأُجور، ففي مجالستهم بركة وخير، وصلاح الدنيا والآخرة، فينبغي مجالستهم حتى نقتدي برأيهم، ونهتدي بهديهم.[١]
- هم كبار السن والشيوخ
"لأنّه قد سَكَن شرُّهم، ولزِموا الوقار، وعرفوا مواضع الخير، وهذا حثٌّ على طلب البركة في الأمور والحاجات، وذلك بمراجعة الأكابر من الشيوخ، وطلب الدعاء منهم، لِما لهم من طول الخبرة، وتجربة الأمور".[٢]
وذكر الإمام الكلاباذي في كتابه بحر الفوائد أنّ المقصود بالأكابر هم كبار السن، فقال -رحمه الله تعالى-: "هم ذوو الأسنان والشيوخ الذين لهم تجارب، وقد كملت عقولهم، وسكنت حدتهم، وكملت آدابهم، وآراؤهم، وزالت عنهم خفة الصبي، وحدة الشباب، وأحكموا التجارب، فمن جالسهم تأدب بآدابهم، وانتفع بتجاربهم".[٣]
وصحّ عن أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أنّه قال: (إنّ من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم)،[٤] وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: (ومن تعظيم الله عز وجل تعظيم ذي الشيبة المسلم).[٥]
وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ليس أحد أفضل عند الله تعالى من مؤمن يُعَمَّر في الإسلام؛ لتسبيحه، وتكبيره، وتهليله)،[٦] هذا وقد حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على احترام الكبير، وتوقيره، ومراعاة حقّه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (ليس منا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرنا ويوَقِّرْ كبيرنا).[٧]
- مَن له منصب في العلم وإن صَغُر سنُّه
حيث ينبغي، إجلاله، واحترامه، وتقديره، مراعاةً وحفاظًا على العلم الذي منحه إياه الله جلّ وعلا،[٨] وجاء في كتاب بحر الفوائد للإمام الكلاباذي -رحمه الله تعالى- النص الآتي: "هم الكبراء في الحال، ومن له رتبة في الدين، ومنزلة عند الله، وإن لم يكن كبيرًا في السن".[٩]
سند الحديث ومتنه
سند هذا الحديث ومتنه هو: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن المبارك بدرب الروم، عن خالد الحذَّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (البركة مع أكابركم).[١٠]
ويوجد لهذا الحديث حديث آخر يشترك معه في المعنى، وقد رواه الإمام البيهقي، فقال: حدثنا أبو طاهر الفقيه، ثنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي، ثنا محمد بن غالب تمتام، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا عبد الملك بن حسين، عن سلمة بن كهيل، عن أبي جحيفة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (جالس الكبراء، وسائل العلماء، وخالط الحكماء).[١١]
صحة الحديث
فيما يأتي ذكر صحّة الحديثين:
- صحة حديث: (البركة مع أكابركم).[١٠]
هذا الحديث رواه الإمام الحاكم في مستدركه، وقال عنه: حديث صحيح على شرط الإمام البخاري.[١٢]
- صحة الحديث الثاني الذي نصه: (جالس الكبراء، وسائل العلماء، وخالط الحكماء)[١١]
وهذا الحديث ضعّفه أهل الحديث، وقالوا إنّ رفعه ضعيف، وفيه راوٍ ضعيف.[١٣]
المراجع
- ↑ محمد عبدالرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ محمد بن إسماعيل الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 586. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أبي إسحاق الكلاباذي، بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار، صفحة 99.
- ↑ محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح الأدب المفرد، صفحة 143.
- ↑ مالك بن أنس، موطأ الإمام مالك، صفحة 265.
- ↑ رواه الإمام أحمد بن حنبل، في مسند الإمام أحمد بن حنبل، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم:20، حكم المحقق أحمد شاكر على الحديث بأنه صحيح فقال إسناده صحيح.
- ↑ رواه الإمام الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1921، حسن غريب.
- ↑ محمد عبالرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 220. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أبي إسحاق الكلاباذي، بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار، صفحة 99.
- ^ أ ب رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:238، حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
- ^ أ ب رواه الإمام البيهقي، في المدخل إلى السنن الكبرى، عن أبي جحيفة رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم:297، رفعه ضعيف وعبد الملك هذا ليس بقوي.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، الصفحة أو الرقم:131، صححا الإمام الحاكم وقال حديث صحيح على شرط الإمام البخاري..
- ↑ "البحص عن صحة الحديث"، الدرر السنية. بتصرّف.