بر الوالدين
إنّ البرّ لفظٌ يشمل جميع أعمال الإحسان وخصال الخير، وله صورٌ من أبرزها فضلًا "برُّ الوالدين"، قال تعالى مثنيًا على نبيّه يحيى -عليه السلام-: "وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا*"،[١]ومن صور الفضل أن قرن الله برّ الوالدين بتوحيده سبحانه، وجعل له منزلةً تفضُل الجهاد، فعن عبد الله بن مسعودٍ قُلتُ: "يا رسولَ اللهِ، أيُّ العملِ أفضلُ؟ قال: الصَّلاةُ لوَقتِها، قال: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: بِرُّ الوالدَينِ، قال: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولو استزَدتُه لزادني"،[٢] وخلاصة القول أنّ البرّ "هو كلّ ما يرضي الوالدين من قولٍ أو فعلٍ في غير معصية الله"، ويأتي التذّكير ببرّ الوالدين، تمهيدًا لتفسير حلم شتم الأمّ في المنام، وإدراك المقصد النّبويّ من حديثِ "مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟".[٣]
تفسير حلم شتم الأم
لا شكّ بأنّ "تفسير حُلم شتم الأمّ في المنام"، يعتبر من الأحلام المكروهة عياذًا بالله، وممّا وجب على الرّائي فيها اتّباع هدي النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم-، في الحديث الوارد عن عبد الرّحمن بن عوفٍ -رضي الله عنه- قال: "إنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، قالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ، فَقالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حتَّى سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يقولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ ما يُحِبُّ، فلا يُحَدِّثْ بهَا إلَّا مَن يُحِبُّ، وإنْ رَأَى ما يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عن يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِن شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بهَا أَحَدًا فإنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ"،[٤]فإنّما هي من الشيطان ليحزنه وما هو بضارّه إلّا أن يشاء الله تعالى.[٥]
وقد أورد الإمام النّابلسيّ تعبيرًا "للشّتم"، يمكن الاستفادة منه -من باب العظة والعلم بالشيء- في "تفسير حلم شتم الأمّ" في المنام، فقال: "هو ذِلّة للمشتوم وعزٌ للشّاتم، إلا أن يشتم الوضيعُ الرفيعَ فإنّها نازلةٌ تنزل بالشّاتم من المشتوم، وقيل هو حقٌّ للمشتوم على الشّاتم"،[٦]وفي هذا المقام، يستطيع المؤمن أن يجنّب نفسه الأحلام المكروهة، بامتثال أوامر الله -عزّ وجلّ- ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، والدّوام على الطّاعات وأعمال البرّ والخير، ومنها على سبيل الذّكر "الإحسان للوالدين، وصلة الرّحم، والدّعاء والأذكار المأثورة، والصّدقة، وكفالة اليتيم" وغيرها الكثير، والله تعالى أعلم.[٥]
المقصد النبوي من حديث "من أحق الناس بحسن صحابتي"
وصف الله تعالى في سورة لقمان صورًا من متاعب الأمّ الحاضرة المتكررة على طفلها الغائب الحاضر، فقال سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}،[٧]وقال تعالى في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}،[٨]وفي الحديث، جاء رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فَقالَ: "مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ"،[٩]نعم فقد صدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم، والمؤمنون على ذلك من الشّاهدين المصدّقين.[١٠]
فلم يعرف تاريخ البشريّة جمعاء، مكانةً للمرأة وتكريمًا بصفتها أمًّا، مثل تكريم الإسلام لها، فقد رفع قدرها ومنزلتها وأكّد على دورها العظيم في بناء الأسرة بصفةٍ خاصّة، وتماسك المجتمع بصفة عامّةٍ، فأولى النّاس بالمعروف والبرّ والصّحبة المقرونة بلين الجانب وطيب الخلق وحسن المعاشرة هي "الأمّ"، فقد جاءت الوصيّة -في القرآن والسنّة النبويّة- بالوالدين عمومًا "وبالأم" على وجه الخصوص، لما لها من سَبق التّعب والمشّقة -برغم ضعفها- في الحمل والوضع والرّضاعة، والرّعاية والتّربية والتّعليم، في مرحلة الطّفولة وما بعدها، ولذلك وجب التذّكير "بالأمّ" مرارًا وتكرارًا لأنّ ما تقوم به تجاه طفلها يقع في الفترة التي لا يعي الطّفل منها شيئًا، أمّا فضل الأب عليه فهو ظاهرٌ له ويعاينه يومًا بيوم، "فالأمّ" لها ثلاثة أضعاف البرّ وللأب ضِعفه، وبرّهما معًا واجبٌ وفريضةٌ، ولعقوقهما حرمةٌ وذنبٌ عظيمٌ، والله تعالى أعلم.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة مريم، آية: 14.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم: 4243 ، خلاصة حكم المحدث، صحيح.
- ↑ "فضل بر الوالدين "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عبدالرحمن بن عوف ، الصفحة أو الرقم: 2261 ، خلاصة حكم المحدث، صحيح.
- ^ أ ب "وسائل دفع ضرر الرؤيا المكروهة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: تعطير الأنام في تعبير المنام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة لقمان، آية: 14.
- ↑ سورة الأحقاف، آية: 15.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2548 ، خلاصة حكم المحدث، صحيح.
- ^ أ ب "بر الأم في زمن العقوق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-08-2019. بتصرّف.