تفسير خواتيم سورة البقرة

كتابة:
تفسير خواتيم سورة البقرة

شرح خواتيم سورة البقرة

ورد في فضل خواتيم سورة البقرة أحاديث عدّة، ويُقصد بخواتيم سورة البقرة أي آخر آيتين من السورة،[١] وفيما يأتي بيان شرح الآيتين الكريمتين:[١]


شرح آية (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ....)

قال -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).[٢]


التفسير:

  • تخبر الآية الكريمة عن تصديق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه من المؤمنين بالله، وبكتبه، ورسله، وملائكته، من غير تفريق أو تفضيل للإيمان بنبيٍّ على غيره، فجميعهم عند الله صادقون، بارّون، مبلّغون عنه -سبحانه-.
  • "وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا"؛ يعلن هنا المؤمنون طاعتهم المطلقة لله -سبحانه وتعالى-؛ لأوامره ونواهيه، بالإضافة لتصديقهم بمقتضيات الإيمان به سبحانه -وتعالى-، وفي الطاعة هنا يظهر أتم الاستسلام لله -سبحانه وتعالى-، فقد جمع المؤمنون بين الإيمان باللّسان والتّطبيق بالعمل.
  • "غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"؛ وبعد أن أعلنوا إيمانهم، طلبوا من الله -سبحانه وتعالى- بأن يغفر لهم ما قد يصدر منهم من ذنوب، ويرحمهم بعطفه، فهم مقرّين أتمّ الإقرار بيوم البعث، ويعملون استعدادًا له.


شرح آية (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...)

قال -تعالى-: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).[٣][٤]


قيل في سبب نزول الآية الكريمة: حينما نزل قوله -تعالى-: (لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت)؛[٥] ذعر وخافالمسلمون من هذه الآية الكريمة، وقالوا بقدرتهم على التوبة من عمل جوارحهم، إلّا أنّهم لا يستطيعون التوبة مما في قلوبهم من الوساوس، فنزل جبريل -عليه السّلام- فأخبرهم بأنّهم غير قادرين عن الامتناع عن وساوس القلب إلّا بقدر طاقتهم، قال -تعالى-: (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا).[٣][٦]


وقد ورد في الأحاديث النبويّة دليل ذلك، فعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم-: (إِن الله تجَاوز عَن أمتِي مَا وسوست بِهِ صدورها مَا لم تعْمل أَو تكلم بِهِ)،[٧] فإن الله -سبحانه وتعالى- لن يحاسب بني آدم عمّا في صدورهم من الوسوسة التي يكون الامتناع عنها خارج طاقتهم.[٦] بالإضافة لتجاوز الله -سبحانه وتعالى- عن عباده في نسيانهم، وما أجبروا عليه،[٦] وفي الآية الكريمة طلب من العباد لله -سبحانه وتعالى- أن يسامحهم على تقصيرهم الذي يأتي بسبب النّسيان والخطأ.[٨]


والإصر هو الميثاق والأمر الثقيل، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إنّها دعوة من المسلمين لله -سبحانه وتعالى- بأن لا يكلّفهم الله -تعالى- ما لا يقدرون عليه، فيعاقبون بتركه، وذلك كما حصل مع الأمم السابقة كبني إسرائيل بعقابهم لتعنّتهم، فقام الله -تعالى- بأمرهم بأوامر شاقّة لا يقدرون عليها، فتركوها، فعوقبوا على تركها،[٩] وجاءت جميع هذه الدّعوات في الآية الكريمة؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- مولى العباد في شؤون حياتهم، فمن شأن المولى الرّفق بالمملوك وهم العباد، ومن شأنه -سبحانه- نصرة المملوك، فطلبوا من الله -سبحانه وتعالى- أن يعفو عنهم وأن ينصرهم على أعداء الدّين.[٩]


معاني المفردات في خواتيم سورة البقرة

فيما يأتي معاني مفردات وتراكيب بعض المفردات في خواتيم سورة البقرة:[١٠]

  • إصرًا: الثقل، والعبئ.[١١]
  • أخطأنا: ما صدر عن غير عمد وقصد.[١٢]
  • لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ: الإيمان بجميع الرسل -عليهم السّلام-.
  • إِلَيْكَ الْمَصِيرُ: المرجع يوم القيامة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
  • وَاعْفُ عَنَّا: اغفر لنا وسامحنا.


المقاصد في خواتيم سورة البقرة

فيما يأتي الأمور المستفادة والمقاصد من خواتيم سورة البقرة:[١]

  • الإيمان لا يكون صحيحًا إلّا باستيفاء جميع أركان الإيمان، ابتداءً بالإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، وانتهاءً بالإيمان بالقضاء خيره وشره.
  • الإيمان بالرّسل يكون بهم جميعًا، فإنكار الإيمان بواحد منهم يكون سببًا في نقض الإيمان.
  • الإدراك بأنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يكلّف النّفس الإنسانيّة ما يفوق قدرتها، فجميع التكاليف التعبّدية هي ضمن طاقة الإنسان.
  • على المسلم تجاه الله -سبحانه وتعالى- السّمع والطاعة، وذلك بالانقياد التامّ لأوامر الله -سبحانه وتعالى- والتسليم له.
  • على المسلم السّمع والطاعة لله -سبحانه وتعالى- فيما يأمر به وينهى عنه، لأنّ المصير سيكون إليه في يوم القيامة.
  • الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- لا يقتصر على الإيمان القلبي، فيجب أن يرافقه عمل بمقتضى أركان الإيمان، وذلك يكون بالتقوى، والعمل والصالح.


ملخّص المقال: يستفاد ممّا سبق أنّ لخواتيم سورة البقرة فضل عظيم، وفيهما بيان حقيقة الإيمان بالله -تعالى-؛ من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، والإيمان برسل الله جميعًا، بالإضافة إلى الدعاء بغفران الذنوب، وتكفير السّيئات، والنصر على الأعداء.


المراجع

  1. ^ أ ب ت سعيد حوى، الاساس في التفسير، صفحة 669-670. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:285
  3. ^ أ ب سورة البقرة، آية:286
  4. سعيد حوى، الاساس في التفسير، صفحة 669. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:286
  6. ^ أ ب ت السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 134. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2528، صحيح.
  8. خصائص السور، الموسوعة القرانية، صفحة 69. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 141-142. بتصرّف.
  10. سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 672-670. بتصرّف.
  11. ابن الجوزي، كتاب نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، صفحة 92.
  12. ابن الجوزي، كتاب نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، صفحة 272. بتصرّف.
4968 مشاهدة
للأعلى للسفل
×