تفسير سورة الأعراف

كتابة:
تفسير سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف

تعتبر سورة الأعراف من السور المكية اتفاقاً، وهي معدودة التاسعة والثلاثين في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة ص وقبل سورة الجن،[١] وتقسَّم السورة إلى ثلاثة أقسام: الأول الحث على اتباع الوحي، والثاني مواقف السابقين من الوحي، والثالث الحديث عن الهدى والضلال.[٢]

تفسير الآيات المتعلقة بالحث على اتباع الوحي

سنذكر تفسير الآيات المتعلقة بالحثِّ على اتباع الوحي كما يأتي:[٣]

  • قال -تعالى-: (كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ)[٤]

يبين -تعالى- لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- عظمة القرآن الكريم، وأنه كتاب جليل يحتوي كل ما يحتاج إليه العباد، وجميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، محكماً مفصلاً، فلا يكون في صدرك ضيق وشك واشتباه.

وعلَّمه أنَّه تنزيل من حكيمٍ حميد، وأنه أصدق الكلام فلينشرح له صدرك، ولتطمئن به نفسك، ولتصدع بأوامره ونواهيه، ولتنذر به الخلق، فتعظهم وتذكرهم، فتقوم الحجة على المعاندين، وليكون ذكرى للمؤمنين يتذكرون به الصراط المستقيم.

  • قال -تعالى-: (اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم)[٥]

خاطب اللّه العباد، ولفت نظرهم لكتابه وأنه -تعالى- أنزله من أجلهم، فإن اتبعوه كملت تربيتهم وتمت عليهم النعمة وحسنت أعمالهم وأخلاقهم، ثم حذرهم من عقوبته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم.

  • قال -تعالى-: (وَمَن خَفَّت مَوازينُهُ فَأُولـئِكَ الَّذينَ خَسِروا أَنفُسَهُم بِما كانوا بِآياتِنا يَظلِمونَ)[٦]

يُبين -تعالى- مصير المكذبين لآياته يوم القيامة وأن لهم العذاب الأليم، فسيئاتهم التي رجحت صار الحكم لها.

  • قال -تعالى-: (فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولـئِكَ يَنالُهُم نَصيبُهُم مِنَ الكِتابِ)[٧]

أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله بنسبة الشريك له، أو النقص له، أو التقول عليه ما لم يقل، أو كذّب بآياته الواضحة المبينة للحق المبين، الهادية إلى الصراط المستقيم، فهؤلاء وإن تمتعوا بالدنيا، ونالهم نصيبهم مما كان مكتوباً لهم في اللوح المحفوظ، فليس ذلك بمغن عنهم شيئاً، يتمتعون قليلاً ثم يعذبون طويلاً.

تفسير الآيات المتعلقة بمواقف السابقين من الوحي

سنذكر تفسير الآيات المتعلقة بموقف السابقين من الوحي فيما يأتي:[٨]

  • قال -تعالى-: (لَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ)[٩]

يذكر -تعالى- ما جرى للأنبياء الداعين إلى توحيده مع أممهم المنكرين لذلك، وكيف أيد اللّه أهل التوحيد، وأهلك من عاندهم، وكيف اتفقت دعوة المرسلين على دين واحد ومعتقد واحد، وكان نوح -عليه السلام- أول المرسلين، يدعو قومه إلى عبادة اللّه وحده، حين كانوا يعبدون الأوثان، وأنه وحده الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور، وما سواه مخلوق مدبر، ثم خوفهم إن لم يطيعوه عذاب اللّه.

  • قال -تعالى-: (ثُمَّ بَعَثنا مِن بَعدِهِم موسى بِآياتِنا إِلى فِرعَونَ وَمَلَئِهِ فَظَلَموا بِها فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُفسِدينَ)[١٠]

ثم بعثنا موسى عليه السلام بحججنا ودلائلنا البينة إلى فرعون، وهو ملك مصر في زمن موسى، وملئه أي قومه، فجحدوا وكفروا بها ظلماً منهم وعناداً، فأغرقهم -تعالى- بمرأى من موسى وقومه، وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه.

  • قال -تعالى-: (وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتَوا عَلى قَومٍ يَعكُفونَ عَلى أَصنامٍ لَهُم قالوا يا موسَى اجعَل لَنا إِلـهًا كَما لَهُم آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُم قَومٌ تَجهَلونَ)[١١]

يخبر -تعالى- عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى -عليه السلام- حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، فمروا على قوم يعبدون الأصنام كانوا من الكنعانيين، وقيل كانوا من لخم، وكانوا يعبدون أصناماً على صور البقر، فطلبوا منه أن يكون لهم آلهة مثلهم، فأجابهم أنهم يجهلون عظمة الله وجلاله، وما يجب أن يُنزه عنه من الشريك والمثيل.

  • قال -تعالى-: (وَقَطَّعناهُمُ اثنَتَي عَشرَةَ أَسباطًا أُمَمًا وَأَوحَينا إِلى موسى إِذِ استَسقاهُ قَومُهُ أَنِ اضرِب بِعَصاكَ الحَجَرَ فَانبَجَسَت مِنهُ اثنَتا عَشرَةَ عَينًا قَد عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشرَبَهُم وَظَلَّلنا عَلَيهِمُ الغَمامَ وَأَنزَلنا عَلَيهِمُ المَنَّ وَالسَّلوى كُلوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقناكُم وَما ظَلَمونا وَلـكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ)[١٢]

يقول -تعالى- واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء وإخراجه لكم من حجر، وكلوا من المن والسلوى واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد واعبدوا الذي سخر لكم ذلك، ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها، لكنهم خالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم.

تفسير الآيات المتعلقة بالحديث عن الهدى والضلال

يقول -تعالى-: (مِمَّن خَلَقنا أُمَّةٌ يَهدونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلونَ* وَالَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا سَنَستَدرِجُهُم مِن حَيثُ لا يَعلَمونَ *وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ)،[١٣] يبين الله -تعالى- أنَّ مِنَ الخلق الذين خلقهم جماعة يهتدون بالحق، وبالحق يقضون وينصفون الناس.[١٤]

كما ويخبر -تعالى- عن الذين كذبوا بآياته فجحدوها ولم يتذكروا بها، أنه سيمهلهم حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء ثم يأخذهم بأعمالهم السيئة فيجازيهم بها من العقوبة ما قد أعد لهم.[١٤]

وفي قوله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)،[١٥] أمر الله نبيه -عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، وأن يأمر بالمعروف وهو كل ما يعرفه الشرع، وأن يُعرض عن كل من تسفه عليه من الجاهلين، وأن لا يقابلهم بالسفه.[١٦]

المراجع

  1. محمد بن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 6-7. بتصرّف.
  2. محمد نصيف، بطاقات التعريف بسور المصحف الشريف، صفحة 44. بتصرّف.
  3. عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صفحة 283-288. بتصرّف.
  4. سورة الأعراف، آية:2
  5. سورة الأعراف، آية:3
  6. سورة الأعراف، آية:9
  7. سورة الأعراف، آية:37
  8. اسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، صفحة 387-443. بتصرّف.
  9. سورة الأعراف، آية:59
  10. سورة الأعراف، آية:103
  11. سورة الأعراف، آية:138
  12. سورة الأعراف، آية:160
  13. سورة الأعراف، آية:180-183
  14. ^ أ ب محمد الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، صفحة 285-287. بتصرّف.
  15. سورة الأعراف، آية:199
  16. الحسين البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، صفحة 316. بتصرّف.
5857 مشاهدة
للأعلى للسفل
×