محتويات
مظاهر قدرة الله تعالى على الخلق
يبيّن الله -تعالى- في مطلع السّورة مظاهر قدرته في الخلق، والعلم، والإرادة، إذ يؤكّد -سبحانه- أنّه الّذي خلقنا، فكان حال الناس: الكفر أو الإيمان، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)،[١]مؤكّدا في نهاية الآية على أنّه بما يعمل النّاس من أعمال الكفر والإيمان بصيرٌ مطّلع.[٢]
ثمّ يبيّن الله -تعالى- أنّه خلق السّماوات والأرض بالعدل والحكمة البالغة؛ لتحقيق منافع العباد الّذين خلقهم على أكمل شاكلةٍ، وأحسن تقويمٍ، قال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)،[٣] وأنّ المرجع والمآب يوم القيامة يكون إليه -سبحانه-، فيحاسب كلّ نفس بما قدَمت.[٤]
وبعد إثبات الخلق، يبيّن -تعالى- أنّه يعلم ما في السّماوات والأرض، حتّى ما يُخفيه الناس أو يُبدونه، فإنّه لا يخفى عليه شيء، قال -تعالى-: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)،[٥] واختتام الآية بتأكيد حاله -سبحانه- من العلم بما يُسِرُّه كلّ إنسان في صدره من الأسرار والمعتقدات، يفيد التأكيد على مُطلق علمه -سبحانه-.[٤]
إنكار المشركين للألوهية والبعث
قال الله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّـهُ وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ* زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ* فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).[٦]
تبتدئ الآيات بالاستفهام التعجُّبيّ من أمر الكفّار، وكأنّه لم يأتهم خبرٌ مُهمٌ، كخبر الأمم التي كفرت من قبلهم، كقوم نوح وهود وعاد -عليهم السلام- وغيرهم، كيف أنّهم نالوا عقوبة فعلهم العظيم -كفرهم-، لِذا عليهم ضرر ثقيل، وهو: الوبال، ولهم يوم القيامة عذاب يُؤلمهم غير العذاب الذي نزل بهم في الدنيا.[٧]
ثم يبيّن الله -تعالى- سبب استحقاقهم للوبال بأنّ الرسل أتَوا بالمعجزات التي تُقيم الحجّة، إلّا أنّ هذه الأمم استنكرت متعجبةً أن يكون رسلهم بشراً مثلهم، فأعرضوا عن التّدبّر في المعجزات التي تثبت صدق الرّسالة، ولمّا كان هذا حالهم، أظهر الله -تعالى- غناه عنهم وعن عبادتهم، إذ أهلكهم، والله غنيٌّ عن كلّ شيءٍ، محمودٌ من كلّ شيءٍ.[٧]
بعد ذلك يردُّ الله -تعالى- على ادّعاء الكافرين الكاذب بأنّهم لن يُبعثوا للحساب والجزاء يوم القيامة؛ بنفي ادعائهم، وإثبات نقيضه، فيأمر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أن يقسم بربّه أنهم سيخرُجُنَّ من قبورهم، ثمّ ليُخبَرُنَّ بأعمالهم؛ ليحاسَبوا عليها، ويُجزَوا بها، وأنّ هذا الأمر يسير عليه -سبحانه-، لِما أكّد من قدرته على كلّ شيءٍ في مطلع السورة.[٨]
ونتيجةً حتميّة لقدرة الله على البعث للحساب والجزاء، وليُسر ذلك على الله -تعالى-، يأتي أمر الله -تعالى- لهم بالإيمان به -سبحانه- وبرسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وبالقرآن الكريم الّذي هو البيّنة التي أتى بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كما أتى الرّسل بالبيّنات للأمم السابقة، مؤكّدا -سبحانه- على أنّه العالِم بكلّ أعمالهم، لا يخفى عليه شيءٌ.[٩]
مصير المؤمنين والكافرين يوم القيامة
بعد إثبات قدرته -سبحانه- على البعث، واستحقاقه للعبادة، يوازن الله -تعالى- بين حال الفريقين، فمن آمن بالله -تعالى- والتزم الأعمال الصّالحة، فله المغفرة، والمكوث الدائم في الجنّة -ذات الأنهار الجارية-، إشارةً إلى ما فيها من نعيم، واصفاً ذلك بأنّه الفوز العظيم، وأمّا الفريق الثاني ممّن كفر وكذّب بآيات الله -تعالى-، فله المكوث في النار على الدوام، واصفاً ذلك بالمرجِع البائس.[١٠]
حيث يقول الله -تعالى-: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).[١١]
حث المؤمنين على طاعة الله والتوكل عليه
يدعو الله -تعالى- المؤمنين إلى عدم الاشتغال بالمصائب، إذ أمرُها بيده -سبحانه-، ويأمرهم بطاعة الله -تعالى وطاعة الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فمن تولّى عن طاعة الله ورسوله فما على الرّسول إلّا التّبليغ، مؤكداً -سبحانه- على أنّه لا مستحقّ للعبادة وحده سوى الله، فليكن توكّلكم أيّها المؤمنون عليه.[١٢]
إذ يقول -جل وعلا-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ* اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[١٣]
التحذير من فتنة الحياة الدنيا
يقول الله -تعالى- محذِّراً من فتنة الدُّنيا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّـهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ* فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[١٤]
إذ يخبر -سبحانه- أنّ من الأزواج والأولاد من يكون عدواً لزوجه أو والده، والمقصود: أنّه ينشغل بهم عن الأعمال الصّالحة، فقد يحملوه على تقصيرٍ أو اعتداءٍ، فيكون -بحبه لهم- مفتتناً عمّا أمر الله -تعالى- به ونهى، فأمَرَ ربُّنا بالحذر من ذلك، مرشداً -سبحانه- إلى كيفيّة التّعامل معهم بالعفو والصّفح والمغفرة، فإنَّ الله غفورٌ رحيمٌ.[١٥]
ثمّ يأمر -سبحانه- عباده المؤمنين الّذين أوصاهم بالحذر من فتنة الأزواج والأولاد، يأمرهم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، والإنفاق في سبيله -تعالى-، إذ الخير من الإنفاق راجعٌ للمنفق نفسه، فالّذي يدفع عنه بخلَ نفسه يكون هو المفلح في عمله وعاقبته.[١٦]
المراجع
- ↑ سورة التغابن، آية:2
- ↑ محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 132-133. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:3
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، صفحة 237. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:4
- ↑ سورة التغابن، آية:5-8
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، صفحة 239. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، صفحة 241. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، صفحة 244. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 2673. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:9-10
- ↑ محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن، آية:11-13
- ↑ سورة التغابن، آية:14-16
- ↑ سعيد حوّى، الأساس في التفسير، صفحة 5957. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الحداد، كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل، صفحة 291. بتصرّف.