محتويات
مصير يهود المدينة
تحدّثت الآيات من (1-5) من سورة الحشر وهي سورة مدنية عن قصة يهود بني النضير ونقضهم للعهد، (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،[١] وافتتحت سورة الحشر بالتسبيح؛ وهو الثناء على الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته وكماله، من جميع المخلوقاتِ في السماوات وجميع المخلوقاتِ في الأرض، هو العزيز الذي لا يغلبه غالب والحكيم بأقواله وأفعاله.[٢]
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)[٣] بينت الآية فضل الله على المؤمنين بنصرهم على يهود بني النضير وإخراجهم من ديارهم.[٤]
وقصة هؤلاء اليهود أنهم كانوا يسكنون في ضواحي المدينة فذهب إليهم النبي-صلى الله عليه وسلم- ليستعين بهم في دفع دية لقتيلين قتلهما بعض المسلمين خطأ، فاستقبلوه استقبالا حسنًا، وأظهروا له -صلى الله عليه وسلم- استعدادهم للمساعدة فيما يطلبه منهم.[٤]
وغدروا به وحاولوا قتله، بإلقاء حجر كبيرعليه من فوق سطح المنزل الذي كان يجلس الرسول –صلى الله عليه وسلم- تحته لينتظرهم، وقبل أنّ يُتموا فعلتهم، نزل جبريل- عليه السلام- على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما أضمره اليهود من غدر وخيانة فرجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأخبر أصحابه بغدر يهود بني النضير.[٤]
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يستعدوا لحصار بنى النضير، وتأديبهم على غدرهم، فحاصرهم المؤمنون بضعًا وعشرين ليلة، وكانت حصونهم منيعة ولكن الله ألقى في قلوبهم الرعب فاستسلموا ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر بإجلائهم عن المدينة، فاعتبروا واتعظوا يا أصحاب العقول السليمة.[٤]
قال تعالى: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا . . .)،[٥] أيّ أنّ الله لم يعاقبهم في الحياة الدنيا بالقتل، ولكن قضى فقط بإخراجهم من ديارهم، ولكن لهم في الآخرة لهم عذاب شديد في النار؛ لأنَّهم عادوا الله بكفرهم وعادوا رسوله بنقضهم للعهد، فلهم العذاب الشديد.[٦]
تحدّث الكفار عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه ينهى عن الفساد، رغم ذلك تركّ المؤمنين يقطعون نخيل بني النضير ويُحرقونها، فأنزل الله (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ)،[٧] وأنّ هذا لتغيظوا أعداء الله، وما تركوه من النخيل لينتفعوا به بأمرالله.[٨]
الغنيمة وأحكامها
بيَّن الله في الآيات (6-7) من سورة الحشرأحكام الغنيمة والفيء والفرق بينهما، فالفيء ما أُخذ بدون قتال كأموال بني النضير، فقد تفضل بها - سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم بلا قتال يذكر، وأمّا الغنيمة فهي ما أُخذ بقتال، كما أخبرنا الله تعالى: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).[٩][١٠]
وشرع الله لكم هذه الأحكام المتعلقة بتقسيم الفيء، كي لا يكون المال الناجم عنه، متداولًا بين أيدى أغنيائكم دون فقرائكم، وما أمركم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفعله فافعلوه، وما نهاكم عن فعله فاجتنبوه، واتقوا الله في كل أحوالكم، فإنّه- سبحانه- شديد العقاب لمن خالف أمره.[١٠]
مجتمع المدينة المنورة
تحدثت الآيات من (8-10) من سورة الحشر حال المجتمع المدني من المهاجرين والأنصار، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ . . . )،[١١] بيّن الله في هذه الآيات حال المهاجرين الفقراء الذين استحقوا مال الفيء لأنَّهم خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم طلباً لمرضاة الله ورضوانه ونُصرةً لله ولرسوله، ومدح الله الأنصار، وبيّن فضلهم وشرفهم وكرمهم، وأنَّهم لا يحسدون المهاجرين ويؤثرونهم على أنفسهم رغم حاجتهم.[١٢]
قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ . . .)،[١٣] أيَّ الذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار، واتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة، يَقُولُونَ ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا في الدين الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فهم أسبق منا إلى الخير والفضل، واستدل العلماء من هذه الآيات بواجب المؤمنين تجاه السلف من قبلهم بالدعاء لهم.[١٤]
صفات المنافقين
تحدّثت الآيات من (11-17) عن صفات المنافقين واليهود وغدرهم، قال تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ . . .)،[١٥] أيَّ ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى الذين نافقوا وعلى رأسهم فيما ذُكر عبد الله بن أَُبي ابن سلول، بَعَثوا إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أنّ لا يستسلموا وأنَّ يثبتوا وأنّهم سوف يقاتلون معهم وينصرونهم وإن أُخرجوا، يخرجون معهم.
ولكنَّهم كاذبون والله شاهدٌ عليهم، لئن أُخرج بنو النضير من ديارهم لا يخرج معهم المنافقون الذين وعدوهم الخروج معهم، ولئن قاتلهم الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا ينصُرونهم كما وعدوهم بالنصر، ولئن نصر المنافقون بني النضير ليولُّنّ الأدبار منهزمين.[١٦]
قال تعالى: (لأَنْتُم أَشد رهبة فِي صُدُورهمْ من الله)،[١٧]أنتم أيها المؤمنون أشدّ رهبة في صدور يهود بني النضير من الله، وهذه الرهبة لأنّهم قوم لا يفقهون قدر عظمة الله، فهم لذلك يستخفُّون بمعاصيه، ولا يرهبون عقابه، ومن خشيتهم لكم لا يقاتلكم اليهود مجتمعين إلا في قراهم المحصنة بالأسوار، أو من خلف الحيطان من خوفهم، وتظُنّ أنَّ اليهود والكفار قلوبهم مجتمعة ولكنَّها متفرقة لأنهم لا يعقلون.
ومثل هؤلاء اليهود كمثل من قبلهم يهود بني قينقاع ومشركين بدر، نالوا عقابهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ شديد، ومثلُ اليهود والمنافقين عندما تخلوا عنهم، كمثل الشيطان الذي يوسوس للإنسان ويتخلى عنه ويقول: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)،[١٨]وكان عاقبتهما أنّهما خالدين في النار.[١٩]
وصية الله للمؤمنين
تضمّنت الآيات من (18-20) من سورة الحشر توجيهات ربانية للمؤمنين بتقوى الله في أوامره ونواهيه، وأداء الفرائض واجتناب المعاصي، وهذا طريق الفلاح، ولا تكونوا كالذين نسوا أداء حق الله تعالى، فأنساهم الله أن يعملوا الخيرات لأنفسهم، وهذا هو الخسران، (لَا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ).[٢٠][٢١]
عظمة كلام الله وصفاته
تحدثت الآيات من (21-24) من سورة الحشر عن أسماء الله الحسنى وصفاته وعظمة كلام الله تعالى، فضرب الله مثلًا لو أنزل هذا القران على جبل لخشع وتصدع واستكان خشية لله تعالى، وفي هذا موعظة للإنسان فهو أولى أن يلين قلبه من هذا الجبل، واختتمت السورة بذكر أسماء الله الحسنى وصفاته التي توجب خشية جميع مخلوقاته له.[٢٢]
المراجع
- ↑ سورة الحشر، آية:1
- ↑ محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 281. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:2
- ^ أ ب ت ث محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 282. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:3
- ↑ محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 287. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:5
- ↑ محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 288. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:7
- ^ أ ب محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 290. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:8
- ↑ ابن كثير، كتاب تفسير ابن كثير، صفحة 98. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:10
- ↑ محمد سيد الطنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 300. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:11
- ↑ ابو جعفر الطبري، كتاب تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 291. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:13
- ↑ سورة الحشر، آية:16
- ↑ ابو جعفر الطبري، كتاب تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 291. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية:20
- ↑ شمس الدين القرطبي، كتاب تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، صفحة 44. بتصرّف.
- ↑ أبو زيد الثعالبي، كتاب تفسير الثعالبي الجواهر الحسان في تفسير القرآن، صفحة 414. بتصرّف.