محتويات
تفسير سورة الروم للقرطبي
فسَّر الإمام القرطبي سورة الروم في كتابه الجامع لأحكام القرآن، وبالرجوع إلى تفسيره فإنّه يمكن تقسيم موضوع السورة إلى ثلاثة محاور، وذلك على النحو الآتي:
الإخبار بانتصار الروم على الفرس
في هذا المحور الذي يُعتبر مقدمةً للسورة يخبر الله -تعالى- عن تغلب الروم على الفرس في المستقبل، وهو يشمل الآيات من (1 إلى 6) يقول الله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)،[١]فعندما تقاتل الفرسُ والروم وانتصر الفرس على الروم؛ كان المشركون من أهل مكة فرحين بانتصار الفرس؛ لأنّ الفرس كانوا وثنيّين مثلهم، وكان المسلمون يحبُّون أن ينتصر الروم على الفرس؛ لأنّهم أهل كتاب، فذكر أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- ذلك للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره الرسول أنّهم سيَغلبون، فذكر أبو بكر ذلك لقريشٍ فتراهنوا، وجعل أبو بكرٍ أجلاً خمس سنين، فلم ينتصروا، ثمّ انتصر الروم بعد ذلك، ففرح المسلمون بتحقق وعد الله.[٢]
الحثّ على التفكر في خلق الله وتوبيخ المكذبين
في هذا المحور يأمر الله -تعالى- المكذبين بلقائه بأن يستعملوا التفكر في خلق الله للسماوات والأرض وأنفسهم؛ حتى يعلموا أنّ الله لم يخلق السماوات وغيرها إلّا لإقامة الحق، كما ويأمرهم بالنظر إلى عاقبة الذين من قبلهم، والذين كانوا أشد منهم قوةً وعمارةً للأرض، فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم حين كذبوا رسلهم الذين جاؤوهم بالبينات، فما كان الله ليظلمهم بأن أهلكهم بغير ذنبٍ ولا رسلٍ، ولكنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة، وبتكذيبهم واستهزائهم بآيات الله ورسله، وهذا المحور يشمل الآيات من (7 إلى 10)، قال -تعالى-: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ).[٣][٤]
إثبات البعث وإثبات صفات الله
وفي هذا المحور تتحدث السورة عن إثبات البعث والحساب يوم القيامة، وإثبات بعض صفات الله -تعالى- وأسمائه، والحديث عن قدرته -تعالى- في إحياء الإنسان وإماتته وبعثه مرةً أخرى للحساب، ويشمل الآيات من (11 إلى 60)،[٥]وممّا جاء من معانٍ في تفسير هذه الآيات ما يأتي:[٦]
- الله المبدئ: فهو الذي بدء الخلق وأنشأه من العدم، وهو القادر على إعادته كما كان، فرجوع الخلق ومآلهم جميعاً إليه وحده، قال تعالى: (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)،[٧]وقد ذكر الله ذلك ليكون حجةً على الكافرين والمجرمين يوم القيامة، وفي ذلك اليوم يتميز المؤمنون عن الكافرين، فأما الذين آمنوا فهم في الجنة مُنعمون، وأما الذين كفروا بآيات الله وبالبعث فهم في نار جهنم معذبون.
- الخالق الرازق المحيي المميت: كما في قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)،[٨]وفي هذه الآية احتجاجٌ على المشركين بأنّ الله وحده الخالق الرازق المميت المحيي، ثم نزه نفسه عن الأنداد.
- المرسل للرياح: كما في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ)،[٩]أي من كمال قدرة الله تعالى في إرسال الرياح قبل المطر، ليذيق الناس من رحمته الغيث والخصب.
- التعريف بالله في تقليبه للإنسان: كما في قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)،[١٠]فالله خلق الإنسان من نطفةٍ ضعيفةٍ، ثمّ أعطاه القوة في مرحلة الشباب، ثم جعله يعود ضعيفاً كما وُلد في مرحلة الشيخوخة والهرم، وذلك ليعلم الكافرون أن الله قادرٌ عليهم وأنهم عاجزون ضعفاء أمام قوته وقدرته.
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية:2-4
- ↑ شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 1-7. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:10
- ↑ شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 7-10. بتصرّف.
- ↑ محمد نصيف، بطاقات التعريف بسور المصحف الشريف، صفحة 124. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 11-49. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:11
- ↑ سورة الروم، آية:40
- ↑ سورة الروم، آية:46
- ↑ سورة الروم، آية:54