تفسير سورة الصف للأطفال
مقاصد سورة الصف
احتوت سورة الصف على مواضيع عدّةٍ، آتياً ذكر بعضٍ منها:[١]
- ضرورة الوفاء بالوعد وعدم إخلافه والالتزام بالدِّين الحنيف.
- الإشارة إلى فضلَ وعظيم من يَثبت على الدِّين.
- التحذير من إيذاء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- بيان عظيم ثواب المجاهدين والملتزمين بالإيمان بالفوز والجنان.
معاني مفردات السورة
آتياً بيانُ أهم معاني المفردات التي وردت في السورة:[٢]
- سبَّح لله: تنزيه الله -سبحانه وتعالى- عن كلّ شيءٍ لا يليقُ بجلاله وسُلطانه.
- كَبُرَ مقتاً: أي أنَّ شأنَ ذلك عظيمٌ.
- مرصوص: المتراص الذي لا فُرجةَ فيه.
- زاغوا: أي مالوا وابتعدوا عن طريق الحقّ.
- أزاغ: صَرَفَ.
- البينات: الآيات والدلالات الواضحات.
- افترى: ادّعى واختلق.
- ليظهره: ليُلعي شأنه ويوضّحه.
- الحواريين: الأصفياء من أتباع عيسى -عليه السلام-.
موضوعات سورة الصف
بيان تنزيه الله عن أي صفة من صفات النقص
ابتدأت سورة الصف كغيرها من الكثير من سور القُرآن الكريم بتنزيه الله -سبحانه وتعالى- عن أيّ نقصٍ، فكان مطلعها: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،[٣] فجميعُ مخلوقات الله -تعالى- في أرضه وسمائه تنزّهه وتقدّسه وتبعدُ عنه كُلَ نقصٍ، فهو -سبحانه وتعالى- العزيز الذي لا يمكنُ لأحدٍ أن يغلبه، الحكيم في أفعاله وأقواله -عزّ وجلّ-.[٤]
ضرورة الوفاء بالأقوال
جاءت الآية الثانية من سورة الصف مبينةً أمراً هاماً عظيماً وتحذيراً لكلّ مؤمنٍ، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)،[٥] فالآية تحذّر كلّ مؤمنٍ من أن يقولَ ما لا يفعل، فتلك علامةٌ خطيرةٌ من علامات المنافق والتي يجبُ على المسلم أن يحذر منها، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)،[٦][٧]
وجاءت الآية التي تلي هذه الآية بالتأكيد على هذا الجُرم العظيم وإنكاره، فقال -عزّ وجلّ-: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)،[٨] فتحذّر الآية المؤمنين من القول دون الفعل مع علمهم أنَّ تلك الصفة يُبغضها الله -سبحانه وتعالى- بُغضاً شديداً، وقد نزلت هذه الآية في أقوامٍ ادّعوا أنَّهم لو علموا أحبَّ الأعمال إلى الله لفعلوها، فلمّا نزلت تلك الأعمال لم يؤدّوها فجاءت الآية تبيّن عظيم ذنب مثل تلك الأفعال والتصرفات.[٩]
أحب الأعمال إلى الله
أخبر الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين عن عملٍ يحبّه ويرتضيه لهم؛ فقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)،[١٠] وذلك العملُ هو الجهادُ في سبيل الله، والثبات فيه وعدم الفرار، ووقوف المؤمنين كالبنيان القوي المرصوص الذي لا فراغ فيه ولا خلل، كالحصن المنيع القوي، وقد ضربَ الله -تعالى- هذا المثال دلالةً على الثبات.[١١]
إيذاء قوم موسى له
جاءت سورة الصف تبيّن حال قوم موسى -عليه السلام- معه، فذكرت أنَّ القوم قد آذوه ولم يسمعوا دعوته، بل كانوا يسمعون ويعصون، وطلبوا منه رؤية الله -سبحانه وتعالى-، قال -عزّ وجلّ- في بيان حالهم مع موسى -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).[١٢][١٣]
وجاءت الآية تبيّنُ سوءَ فعلهم وتحذّر الناس كافةً من اقتراف أي فعلٍ لا يُحبّه الله ورسوله، وتبيّن أنَّ القوم استحقّوا أنْ يُصرفوا عن طريق الحقّ نتيجةً أفعالهم التي اختاروا أن يسلكوها فأضلّوا الطريق، فقد اختار القوم طريقُ الضلال وسدّوا في وجوه أنفسهم طريقَ الحق وابتعدوا عنه، وتلك نتيجة القوم الفاسقين.[١٣]
دعوة عيسى لبني إسرائيل
جاءت سورة الصف تبيّن دعوة عيسى -عليه السلام- لبني اسرائيل، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ).[١٤][١٥]
فجاء عيسى -عليه السلام- مصدّقاً لدعوة أخيه موسى -عليه السلام- وتصديقاً لها وما جاء في التوراة، وجاءَ أيضاً يبشّر قومه برسولٍ سيأتي من بعده اسمه أحمد وهو محمدٌ -صلّى الله عليه وسلّم-، وبعدَ أن جاء بهذه البينات الواضحات تنكَّر القوم لذلك، وقالوا إنَّ ذلك سحرٌ واضحٌ ولم يصدّقوا دعوة عيسى -عليه السلام-.[١٥]
من يكذب على الله لن يوفقه الله
بيّنت السورة عظيمَ ذنب من يكذبُ على الله -عزّ وجلّ- وهو يُدعى إلى الإسلام، ويُشركَ بالله -تعالى-، ويرفضَ دعوة التوحيد الخالصة، والذي يفعل ذلك لن يوفّقه الله -تعالى- وسيصرفه عن الحقّ،[١٥] قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).[١٦]
عناد أهل الباطل لدعوة الحق
جاءت آيات سورة الصف تبيّنُ محاولات أهل الباطل في التصدّي لدعوة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ومحاولات إخماد نور الحقّ، فقد شتموا الدعوة وادّعوا أنَّ صاحبها ساحرٌ وغيرها من الأمور التي حاولوا أن يتصدّوا فيها للدعوة، إلّا أنّ الله متكفلٌ بإتمام الدعوة وإظهارها وصونها وحمايتها شاءَ من شاء وأبى من أبى، فقد أرسل رسوله بالإسلام وهو دينُ الحق ليبيّنه للناس كافةً وإنْ كره الكافرون.[١٧]
جاء ذلك مبسوطاً في آيات سورة الصف في قوله -تعالى-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ*هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).[١٨]
طرق النجاة من النار والفوز بالجنة
بيّنت سورة الصف سبيل النجاة لعباد الله من النار بالآخرة والظفر بالجنة ورضوان الله، فقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ*يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).[١٩]
وتلك السُبل تتمثّل بالإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله بالنفس أو بالمال ففي الأمرين خيرٌ، وهما سبيلٌ للنجاة من عذاب الله، وسببُ لمغفرة الذنوب ودخول الجنة التي تجري من تحت أشجارها الأنهار وفيها المساكن والحياة التي لا انقطاع لها، وذلك هو الفوز العظيم، والله -سبحانه وتعالى- يكافئ عباده أيضاً بأمرٍ محبوبٍ على قلوبهم في الدُنيا؛ بأن يحقّق لهم الظفر والنصر على عدوهم.[١٥]
كونوا كالذين نصروا عيسى عليه السلام
اختتمت سورة الصف بإرشادٍ وبيانٍ هامٍّ لأهل الإيمان بأن يقتفوا أثر من لازمَ عيسى -عليه السلام- وذاد عنه وهم الأصفياء أي الحواريين؛ الذين نذروا أنفسهم لله ولنصرة دينه والدفاع عن نبيه، وهناك طائفةٌ أخرى قد تنكرت لذلك وأعرضت عن طريق الله وبالتالي لم تنل الظفرَ والنصر، وحاز الأصفياءُ على نصر الله وتمكينه فأصبحوا ظاهرين على تلك الفئة وذلك ببعثة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.[١٥]
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ).[٢٠]
المراجع
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 173. بتصرّف.
- ↑ محمد بن عبدالعزيز الخضيري، السراج في بيان غريب القرآن، صفحة 342-341. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة الصف، آية:1
- ↑ محمد سيد طنطاوي، كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 353. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:2
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:6095، صحيح.
- ↑ محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 491. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:3
- ↑ إسلام ويب (5/9/2004)، "تفسير (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون)"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:4
- ↑ فخر الدين الرازي، تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، صفحة 527. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:5
- ^ أ ب فوزية بنت محمد العقيل، "تأملات في سورة الصف"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:6
- ^ أ ب ت ث ج طريق الإسلام، "سورة الصف - تفسير السعدي"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:7
- ↑ أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري جامع البيان ط هجر، صفحة 614-615. بتصرّف.
- ↑ سورة الصف، آية:8-9
- ↑ سورة الصف، آية:10-13
- ↑ سورة الصف، آية:14