تفسير سورة الفيل
قصة أصحاب الفيل
كان لخبر حادثة الفيل انتشارا متواترًا في الجزيرة العربية، فكانوا يؤرّخون ما يقع من أحداث حسب عام الفيل، سواء ما حدث قبله أو بعده من الأحداث؛ كولادة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، فقد ولد -عليه الصلاة والسلام- في عام الفيل، وجملة ما تشير إليه الرويات بشأن ما حصل في عام الفيل هي ما يأتي:
بنى الحاكم الحبشيّ لليمن -واسمه أبرهة الأشرم- كنيسة في اليمن، وقد وُضع في بنائها كل أسباب الثراء والجمال، وذلك ليتوجّه الناس نحو اليمن إلى الكنيسة تاركين البيت الحرام، ووقيل إن مجموعة من الأشخاص وكانوا عربًا أشعلوا نارًا فحملتها الريح إلى اليمن، فأحرقت الكنيسة، فأقسم أبرهة بأن يقوم بهدم الكعبة انتقامًا منهم، فخرج متوجّها إلى مكة المكرمة، آخذًا معه فيلًا وجيشاً من الفيلة، وسار بالجيش إلى الكعبة للانتقام، وفي طريقه كان قد واجه بعض الناس الذين حاولوا التصدّي له، فانتصر في طريقه على كل من واجهه من العرب.[١]
أرسل أبرهة خبرًا إلى أهل مكة بأنّه لم يأتِ لمحاربتهم، وإنما جاء فقط لهدم الكعبة، فذهبوا إلى الجبال ليراقبوا ماذا سيحدث، فأرسل أبرهة إلى عبد المطلب سيد مكة ليقابله،[٢] فسأل أبرهة عما يريده عبد المطلب، فأجابه بأنّ له مئتي بعير قد أهلكها أبرهة خلال طريقه إلى مكة، فاستنكر أبرهة مطلبه، فقد ترك الحديث عن نيّة هدم أبرهة للكعبة وتكلّم فقط عن بعيره، فما كان من عزّة عبد المطلب ويقينه إلا أن قال له بأنّ للبيت ربًّا يحميه من جيشه، ثم توجه عبد المطلب مع مجموعة من أهل مكة نحو الكعبة؛ يدعون الله تعالى، وتوجّه أبرهة نحو مكة المكرّمة مريدًا الكعبة لهدمها.[٣]
جزاء أصحاب الفيل
جاء في الآية الأولى من سورة الفيل الاستنكار والتّعجب لما فعل الله تعالى بأصحاب الفيل، حتى أنّ قصّتهم أصبحت متواترة، فقد حاول أصحاب الفيل الكيد للكعبة بداية، فأبطل الله تعالى كيدهم بأن حُرقت كنيستهم، فحاول أصحاب الفيل الكيد للكعبة مرة ثانية، فأقدموا على إحراقها وهدمها، فأرسل الله تعالى عليهم طيرًا تأتيهم من كل الجهات، ترميهم بحجارة من طين، فكانت تلك نهاية أصحاب الفيل أن دمّرهم الله تعالى فأصبحوا كالزرع الهالك.[٤]
التعريف بسورة الفيل
قال الله -تعالى- في سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}،[٥] وهي سورة مكيّة، تتألّف من خمس آيات، وقد نزلت بعد سورة الكافرون، وتشير السورة الكريمة إلى قدرة الله في حماية البيت الحرام، وقد تحدّثت السورة الكريمة عن حادثة الفيل.[٦]
وقد سُبقت سورة الفيل في ترتيب المصحف الشريف بسورة الهمزة، فقد تحدّثت عن كيد المشركين لرسول الله وهمزهم له، وعدائهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فعقّب بسورة الفيل لبيان أنّ عاقبة كيدهم في الحياة الدنيا تكون بتدميرهم كما تم تدمير أصحاب الفيل وإبطال كيدهم إذا بقوا على ذلك.[٧]
ملخّص المقال: يتضّح مما سبق من حادثة الفيل بأنّ المصير الذي ينتهي إليه كل من حاول التصدّي لبيت الله الحرام ولدين الله تعالى هو الهلاك، فيطمئن المسلم بأنّ العاقبة المحمودة ستكون لدين الله تعالى، فما عليه إلّا السعي والمضي في دعوته ومسيرة خلافته على هذه الأرض، فللدّين والبيت رب يحميه.
المراجع
- ↑ جعفر شرف الدين (1420)، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور (الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 185-186، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، (الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 186. بتصرّف.
- ↑ السمعاني، أبو المظفر (1418)، تفسير السمعاني (الطبعة 1)، الرياض: دار الوطن، صفحة 183-184، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوى، الاساس في التفسير، صفحة 6657. بتصرّف.
- ↑ سورة الفيل، آية:1-5
- ↑ سعيد حوى، الأساس في التفسير، صفحة 6687. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوى، الاساس في التفسير، صفحة 6681. بتصرّف.