تفسير سورة القمر
سنقسم السورة إلى مقاطع يتناول كل مقطع موضوعاً واحداً، ونقوم بتفسيره تفسيراً إجمالياً بعون الله -تعالى-، وذلك فيما يأتي:
- قال -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) إلى قوله -تعالى-: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).[١]
تُبين الآيات الكريمة أن قيام الساعة قد اقترب زمانه، وتشير إلى آية انشقاق القمر، ولكن موقف المشركين كان التكذيب وادعاء أن ما حصل كان سحراً دائماً من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان سبب تكذيبهم اتباع الأهواء وتزيين الشيطان، وتبين الآيات أن كل أمر من الأمور سينتهي إلى مآله؛ إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر، وهذا القرآن قد أتى المخاطبين بأخبار الأمم السابقة وفي ذلك عِظَة كبيرة.[٢]
وتبيّن الآيات أن هذا القرآن وصل إلى أقصى غاية من الحكمة، ومن لم يهتدي ويتأثر بحكمة القرآن فلن يفيده الإنذار والوعظ، ثم تدعو الآيات النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعرض عن المكذبين وينتظر مصيرهم عند قيام الساعة بنفخة إسرافيل؛ التي ستكون دعوة مخيفة منكرة فظيعة على النفوس لشدتها.
وسوف يلبون الدعوة ويخرجون مسرعين من قبورهم وأبصارهم ذليلة لا يستطيعون رفعها، وسيخرج هؤلاء من قبورهم وينتشرون في أرض المحشر كأنهم جراد منتشر، وهم يستجيبون لدعوة إسرافيل بسرعة، ويقولون إن هذا يوم شديد الصعوبة.[٢]
- قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).[٣]
تُبين الآيات الكريمة شيئاً من قصة سيدنا نوح -عليه الصلاة والسلام-، وكيف وصفه قومه بالجنون وتوعدوه بأصناف العذاب إن لم يترك دعوته، ولكنه التجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء، فاستجاب له ربه -عز وجل- بأن أنزل من السماء ماءً غزيراً، وأخرج من الأرض عيوناً الكثيرة؛ فكان هذا الماء هلاكاً للمكذبين ونجى الله -سبحانه وتعالى- عباده بالسفينة المصنوعة من ألواح الخشب والمسامير.[٤]
وكانت هذه القصة وهذا الهلاك آية وعِظَة لمن يتدبر، ثم يهدد السامعين بقدرته -سبحانه وتعالى- على تعذيب المكذبين حتى لا يكونوا مثلهم، ويختم بأنه جعل القرآن ميسرا للفهم والحفظ والتدبر.[٤]
- قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).[٥]
تبين الآيات الكريمة أن قوم عاد كذبوا رسولهم هود -عليه الصلاة والسلام- فكان مصيرهم العذاب الشديد؛ بالشديدة البرودة في يوم مشؤوم استمر فيه العذاب طويلاً، فكانت الريح تحمل الناس من مواضعهم ثم تلقي بهم على رؤوسهم، وتتركهم كأنهم نخل مقطَّع، ثم تعقب الآيات بنفس تعقيبها على عذاب قوم نوح -عليه الصلاة والسلام-.[٦]
- قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) إلى قول -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).[٧]
تبين الآيات أن ثمود كذبوا نبيهم صالح -عليه الصلاة والسلام-، ولم يعجبهم أن ينزل عليه الوحي من بينهم ويتبعوه كلهم وهو فرد واحد، ويدعون أنه كذاب متجبر، فيأتيهم التهديد بيوم القيامة وعندها سيتضح من هو الكذاب المتجبر.[٦]
ثم أرسل الله -سبحانه وتعالى- معجزة لإثبات صدق نبيه صالح -عليه الصلاة والسلام- وهي الناقة، وأمره أن ينتظر ما سيحل بهم وأن يبين لهم أن عليهم تقسيم الماء بينهم وبين الناقة، ولكنهم عقروا الناقة، فعذبهم الله -سبحانه وتعالى- بالصيحة فأصبحوا كالزرع اليابس التالف من مشي المواشي عليه.[٦]
- قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) إلى قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).[٨]
تبين الآيات مصير تكذيب قوم لوط -عليه الصلاة والسلام- وهو العذاب بالحجارة في الصباح، وكيف نجَّا آل لوط في آخر الليل الذي سبقه، وقد بلغ بهؤلاء الكفرة أن يطلبوا من لوط -عليه الصلاة والسلام- أن يفعلوا الفاحشة مع ضيوفه الملائكة.[٤]
- قال -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) إلى قوله -تعالى-: (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ).[٩]
تبين الآيتان أن الله -عز وجل- بعث لقوم فرعون من ينذرهم ويبين لهم الآيات الكثيرة، ولكنهم كذبوا فعذبهم بقوة واقتدار.[٦]
- قال -تعالى-: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ) إلى قوله -تعالى-: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).[١٠]
تهدد الآيات الأخيرة كفار قريش من مصير كمصير الكفار السابقين الذين ذُكروا في السورة، وإن جموعهم لن تنفعهم، وتبرز لهم شيئاً من العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة، وفي المقابل تُبيّن إكرام المؤمنين إجلاسهم عند ربهم -سبحانه وتعالى-.[٦]
التعريف بسورة القمر
سورة القمر سورة مكية، وهي خمس وخمسون آية، وجاء في أسباب نزولها أنّ المشركين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- آية فانشق القمر مرتين، فقال الكفار أنّ محمداً -صلى الله عليه وسلم- سحرهم، وليتأكدوا أنه سحرهم أرادوا أن يسألوا المسافرين، فلما سألوا المسافرين أجابوهم أنهم رأوا انشقاق القمر، ولكنهم لم يؤمنوا برغم ذلك كله.[١١]
أغراض السورة
تتناول السورة الكريمة موضوعات العقيدة من إنزال القرآن، ومشاهد من القيامة، وعذاب الكفار، وجزاء المؤمنين، كما تتناول تكذيب المشركين للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع مشاهدتهم للآية الباهرة من انشقاق القمر، كما احتوت السورة الكريمة بعض قصص الأقوام السابقين، وما حل بهم من العذاب، وهو إنذار لحلول العذاب بمشركي مكة المخاطبين كما حل بالسابقين.[١١]
المراجع
- ↑ سورة القمر، آية:1-8
- ^ أ ب الصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة:دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 266، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة القمر، آية:9-17
- ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، التفسير الميسر، صفحة 529-532. بتصرّف.
- ↑ سورة القمر، آية:18-22
- ^ أ ب ت ث ج إبراهيم الأيباري، الموسوعة القرآنية، صفحة 257. بتصرّف.
- ↑ سورة القمر، آية:23-32
- ↑ سورة القمر، آية:33-40
- ↑ سورة القمر، آية:41-42
- ↑ سورة القمر، آية:43-55
- ^ أ ب الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر، صفحة 142-147، جزء 27. بتصرّف.